تلك الأضواء التى سلطتها ثورة يناير على عقولنا جميعا، لتضىء مصابيح نور فى الطريق إلى مُستقبل مُختلف طامح إلى أطوار من التقدم والرقى، إن ما أنجزته الثورة من مكاسب على الأقل فى الوقت الحاضر بعيدا عن سقف المطالبات الكثيرة التى لم تتحقق بعد، ونطمح لتحقيق العادل منها تاليا، وبعيدا عن الأطماع التى حاولت النيل منها، تظل هذه المكاسب نصب أعيننا بتطلع نحو القادم، فيما تظل ما حققته الثورة من أهمية على الإطلاق هو كسر هذا الحاجز النفسى الهائل من الخوف والإحساس الدائم بالهوان، والانكسار فى الروح الوطنية المصرية عامة ومع تنسم رحيق الحرية والإحساس بها، يبدو الوطن مختلفا وحقيقيا، ناهيك عن تخفيف القبضة البوليسية الفاتكة، التى كانت حملا ثقيلا على أرواح المواطنين طوال الوقت تمثل لهم عصا السلطة الفاشية البغيضة بلا رحمة، ومع هذه الشرعية الثورية التى تحقق البعض منها ومساحة الحرية التى شعر بها الشعب للمرة الأولى منذ وقت طويل، إلى جانب المرور عبر بعض الإصلاحات الدستورية والتشريعية والزحف نحو انتخابات نزيهة تعطى لهذا الشعب حقه فى الاختيار تصب فى النهاية لصالحه وحتى الآن يبدو الأمر طبيعيا وهو جدير بالرصد والاهتمام والسعى الجاد نحو زرع النخيل فى أرضنا، والورود فى حدائقنا غير أن هناك وجها آخر دوما يبدو فى المشهد العادى أو فى خلفيته وكأنه ضباب غير مرئى، حالة من التراجع إلى الخلف قليلا، لابد من التحذير منها، وأن أيد تعبث بمقدرات هذه الثورة، تحمل كثيرًا من الضغينة لهذا الشعب الطيب، وأخرى ترى مصالحها فى خطوات واهنة نحو ضبط الفساد والفاسدين ومُحاكمتهم، لأنها تحتاج لمعطيات كثيرة ولديها كثير من التحفظات الوهمية منها والصريح والمعلن والمستتر أحيانا، إن إيقاف عجلة التقدم لهذه الثورة الرشيدة لهو أخطر ما ينال منها كى تلتف عليها وتجهد حلمها كثير من الأيادى فى الداخل والخارج خاصة تلك التى تتبنى مطالبها وتنحر روعة شبابها، لتمتد هذه الأيدى نفسها والمتناحرة فى السابق أصلا على السلطة وعلى الحكم والتحكم لتخنق الخطوات البريئة لهذه الثورة الرائدة، وتلتهم ربيعها بفزاعة الكم العددى أحيانا وليس الكيفى التى تستطيع أن تحشده وتراهن عليه وتهدد الأفراد والجماعات المختلفة معها فى توجهاتها السياسية بقدرتها على هذا الحشد وقوة خبرتها فى التنظيم والتأثير على الرأى العام, أو غيرها فى الخارج الذى يحاول السيطرة على مقدرات هذا الشعب للنيل من مياه النيل أوالبحث عن ذرائع لإيجاد خلافات لا طائل من ورائها، وتبدو فكرة الفوضى الخلاقة واحدة من مرتكزات هذا العمل السياسى لدى هذه الفئة الخارجية، كى يسيطر علينا خوف جديد وهو الخوف أن تذهب كل مكاسب هذه الثورة النقية سدى... سواء إلى طائفة بعينها حيث يتكشف لنا يوميا وبصراحة متناهية عن تهديد بالاحتكارللسلطة السياسية لتعود بنا إلى الخلف، وإن تغيرت الصور والأشكال، خاصة فى جماعات الإسلام السياسى المتشددة والتى كشفت بسرعة عن خلفية متزمتة وأكثر استبدادا من النظام السابق باسم الدين تارة والاستقرار تارة أخرى إلى جانب بقايا الحزب الوطنى الحانق على هذه الثورة بطبيعة الحال من جانب آخر، مع هذه التهديدات الخارجية المتوقعة من أعداء مهتمين بمصر كمركز أساسى فى الشرق الأوسط. إن حرية التحرير ألا وهى التحرر من أفكار الاستبداد وأنماطه المختلفة والتى تبقى كأنياب أسد يفترس براءة الثوار وبياض الشهداء هو ما يهمنا فى الوقت الحالى فى تلك الثورة العظيمة.. فى ظل وجود خجول خافت للأحزاب السياسية القديمة، وتخبط وانفعال فى الكتل السياسية التى تحاول بجهد متواضع أن تتقدم على الساحة السياسية، وغيرها من التوترات التى تعقب غالبا حالة التغير المدهشة والسريعة وغير المتوقعة فى آن واحد، التى أحدثتها الثورة. بالتأكيد إن رياح الحرية التى أعادت تشكيل وجدان هذا الشعب فى وقت قصير وأثرت أولوياته فى الأداء اليومى ومحت تفاصيل الهزيمة شيئا فشيئا من العهد السابق حتى بات التفكير النمطى المُعتاد مساراً للنقاش الجاد فيما قبل أو بعد الثورة لأنه خلق وعيا مُختلفا ومُتميزا، يختلف الأمر من خلاله فى الموقف السياسى ولأنه وجب علينا أن ننتقل إلى مرحلة جديدة لعهد من العمل المثمر، بعيدا عن خطف الأضواء أو إقصاء الآخر، فهل تكون هذه الجماعات السياسية سواء الدينية أو السلفية أو حتى التهديدات الخارجية أو غيرها عائقا أمام التحول السريع نحو الديمقراطية، وهل تكون ضمن منظومة تعمل بشكل متسارع ضد الثورة تاليا، وتعيد الينا الخوف والتوجس والريبة مرة أخرى؟ أسئلة بديهية يطرحها الشارع أحيانا ويشعر معها بالحسرة والألم والأمل من نفيها ما من شك أن لكل ثورة مخاوفها، وآمالها أيضا ولابد من الحديث وبلا تورع عن ثورة مضادة قوية تحاول بكل جهد أن تخلق أجواء من الفوضى والعمل السياسى المناهض وما حدث من أعمال بلطجة وتخريب وحرائق هى محاولات مستميتة لإحداث بلبلة وفوضى داخل الكيان السياسى البادئ فى النشوء مثالا حيا على ذلك وإجهاض حلم هذا الشعب النبيل الذى يرغب فى الاستقرار والأمان والأمن كتهديد مُسبق لكيانات سياسية تمارس ضغوط يومية على الوطن والمواطن لكى تخلق لوجودها المبرر، إن من يحاولون ترويع المواطنين وإحداث الفتنة ونشر الذعر وعدم احترام القواعد لهم أنفسهم المارين على الكلمات بلا روية يوزعون حروفهم المتبجحة فى كل مكان، مُعلنين أنهم أصحاب الثورة الأبطال ونسوا دم الشهداء الذى روى دماء هذه الأرض. وحيث كان التخلف والجهل فى النظام السابق يسود..وكان التوق إلى النهوض من جديد أيضا يحاول أن يرى النور، بين هذا وذاك رحا حنين لحرية حقيقة لابد من الحفاظ عليها والسعى الجاد نحوها، لأنه من الصعوبة العودة للخلف ثانية ولأن المسألة أصبحت أكثر وضوحا ولابد من وضوح الرؤى فى الخطاب السياسى والذى لايزال غامضا يكتنفه الكثير من النقص والعور فى الكتل السياسية الناهضة الجديدة فى مقابل ثورة مُضادة تقدم سيناريوهات جيدة الصنع لأفلام درامية وكوميدية ضد هذا الشعب العظيم الذى تملؤه الطيبة، تحاول أن تنال من حريته لحساب الفئة القليلة وإن كنا قد تخلصنا من تزاوج الاقتصاد بالسياسية إلا قليلا فها نحن نعود إلى تزواج الدين بالسياسية فى معادلات لا حصر لها وترهات من الأقاويل التى لا تنتهى فى محاولة للزج بنا إلى غياهب من الادعاءات واللامنطق فى ظل عالم ملىء بالتوحش فى انتظار الفرائس مثلما حدث فى بلدان عالمنا العربى، ولا داعى لذكر هذه المآسى التى تحزننا فى العراق أو غيرها من بلدان العالم العربى، إن هذا الشعب العظيم الذى حافظ حتى الآن على ثورته وعلى تقاليده ودعم نفسه بنفسه فى أيام صعبة وكرس وقته لنقاء ثورته ساعيا إلى التقدم بفضل إصراره بقفزات متخطيا العشرات من المؤامرات فى وقت قياسى تاركا وراءه التخلف الذى وُصِم به ردحا من الزمن، وصار شبابه فى أروع صورة لهم قادرا على فهم الرؤى، التى تتضح يوما بعد يوم والتصدى للذين يحاولون النيل منها ثانية.. وبعيدا عن هذه الزيجات الفاشلة بين الاقتصاد والسياسية أو بين السياسية والدين لأنها جميعا تؤدى بنا إلى متاهة الغوص فى الظلام والسرية والرؤى الغامضة. ولا تسعى أبدا إلا لخدمة أهدافها ونيل مقاصدها بعيد عن صالح الوطن والمواطن وإقصاء لكل الأطراف التى لا تتشابه معها بطبيعة الحال.. حمى الله مصر بسواعد أبنائها المخلصين.