الشعب هتف للجيش حقيقة لا تحتمل الجدال والمناقشة: مصر بعد 25 يناير مختلفة بشكل جذرى عما كانت عليه، والذين صنعوا هذه الحالة الفريدة مجموعة من الشباب الجاد المحترم، لا ينتمون إلى النظام ولا يعبرون عن المعارضة التقليدية. من حق الجميع أن يسيروا فى ركاب الثورة، ولا يحق لأحد من هؤلاء الثائرين أن يركب الموجة ويعتليها، ويدعى فضلاً لا شاهد عليه أو دليل. ثورة يناير 2011 هى الأعظم فى تاريخ مصر الحديث بعد ثورة مارس 1919 فالثورة التى اشتعلت قبل اثنين وتسعين عاما هى الأصل والجوهر، ويمكن القول - على نحو ما - أن ما حدث فى يناير بمثابة رد الاعتبار للثورة القديمة، والاستلهام لتراثها المجيد. السطور التالية اجتهاد لا يدعى العصمة من الخطأ، ولا يزعم امتلاك اليقين المطلق والسيف المبصر، والهدف الأسمى هو تقديم رؤية لبلورة الثوابت التى يمثل الوعى بها والسير على هداها. مدخلاً ضرورياً لتجنب العثرات، فالمؤلم المدمر بحق أن يُسرق إنجاز الثائرين، وأن يسطو على دماء الشهداء من اقتصر دورهم على التبشير بالفوضى ومبايعة العدم. * سقوط يوليو الثابت الأول هو سقوط شرعية ثورة يوليو فى يناير 2011 وإسقاط نظام الرئيس مبارك يعنى الإطاحة بتجربة تعود جذورها الحقيقية إلى يوليو 1952 جوهر المطالب الثورية الشابة يتعلق بإيجاد نظام ليبرالى بديل، ولا يملك موضوعى منصف أن يشكك فى معاداة ورفض هذه الليبرالية، من عهد محمد نجيب إلى حقبة مبارك. لقد استمد الرئيس السابق شرعيته من الثورة العسكرية التى أطاحت بالنظام الملكى، وبسقوطه يمكن القول أن فكرة الحكم الرئاسى قد تلاشت إلى الأبد، وأن احتكار الحديث باسم الشعب ومصالحه العليا قد ولى بلا رجعة، مثل هذه الحقيقة الساطعة. يسعى الكثيرون إلى إنكارها، لأن الإقرار بها يتعارض مع مصالحهم وبرامجهم ورؤاهم، لكن هؤلاء أنفسهم يضطرون إلى ترديد شعارات نافية لأفكارهم، وكم يبدو غرائبيا أن يتغنى الناصريون واليساريون والإسلاميون بالدستور والديمقراطية وحرية الفكر والتعبير، وهم الذين يطالبون علانية ببدائل لا متسع فيها للحكم الدستورى والنظام الديمقراطى وحق التعبير الحر وفق القواعد الليبرالية. المسألة هنا لا تعنى مصادرة الحق فى الدعوة إلى تحالف قوى الشعب، أو المطالبة بديكتاتورية البروليتاريا، أو التبشير بدولة الخلافة، لكن الحد الأدنى من المصداقية يقتضى أن يعرف الشعب من هؤلاء الدعاة: هل يستهدفون مجتمعا يقوم نظام الحكم فيه على مبدأ تداول السلطة والاحتكام إلى صندوق الانتخابات، أم أنهم يرددون ديمقراطية المرة الواحدة، ثم يسوقون القطيع أمامهم تحت شعار أن الحرية كل الحرية للشعب.. ولا حرية لأعداء الشعب، أو شعار أن الحكم لله وحده ولخليفته.. ظل الله على الأرض؟! * وظيفة الجيش الثابت الثانى هو ضرورة الاتفاق على وظيفة الجيش فى إطار دولة المؤسسات المصرية، فهو ليس طرفا فى العملية السياسية ولا ينبغى أن يكون ودوره الحقيقى أن يحمى الاستقرار والشرعية، وأن يكون حاميا للدستور والنظام الديمقراطى، فضلاً عن الوظيفة الأولى والأهم: حماية حدود الوطن والدفاع عن سيادته ومجابهة أعدائه والطامعين فيه. سقوط ثورة يوليو لا يعنى تهميش المؤسسة العسكرية، فعندما تحرك الجيش فى يوليو 1952 بهدف الإصلاح والتغيير، لقى ترحيبا شعبياً واسعا، وانعقدت الآمال على أن يؤدى مهمته النبيلة خلال فترة مؤقتة، تعود بعدها الحياة الدستورية والحكم النيابى، لكن العملية المؤقتة تقترب الآن من عامها الستين، وخلال هذه السنوات الطوال تعرضت الشخصية المصرية لاضطرابات ضخمة، وأدى الحكم الديكتاتورى الفردى المباشر وغير المباشر. إلى آفات وعلل، وأبرزها على الإطلاق هو تأميم العقل المصرى، وإجهاض روح المشاركة والانتماء. لقد برهن المصريون جميعاً. خلال أيام ثورة يناير. على احترامهم للجيش وتقديرهم لمكانته، وأثبت الجيش بدوره أنه من الشعب وإليه، وأن سلاحه لن يهدر نقطة واحدة من دم مصرى، من هنا نبدأ، فالجيش ليس سياسياً أو طرفاً فى صراع سياسى، بل إنه القوة الحامية الحارسة لضمان الاستقرار على أرضية مدنية، نزوله إلى الشارع هو الاستثناء النادر عند وقوع الكوارث والأزمات، وملازمته للثكنات هى القاعدة الراسخة فى غير ذلك من الأوقات. * الشعب مصدر السلطات رفع الزعيم الجليل سعد زغلول شعارا جديراً بالاحتذاء وأهلا للاستدعاء: الشعب فوق الحكومة، ذلك أن الشعب هو من يختار الحكومة بهدف تحقيق مطالبه وطموحاته وآماله، فإن أخفقت الحكومة وخذلت من انتخبوها، تذهب ويجئ غيرها. دستور سنة 1923 يجسد هذه الحقيقة المضيئة، وإذا كانت التجربة الليبرالية الأولى قد شهدت انتكاسات وتراجعات، فإن الأمر مبرر بوجود الاحتلال وعبث السراى، وهانحن الآن دولة مستقلة كاملة السيادة، نظامها جمهورى. وطموحها برلمانى، وغايتها حكم دستورى. الشعب هو المصدر الأول والوحيد للسلطة والتشريع، وفى خدمة هذا الشعب ينبغى أن يتنافس المتنافسون. دون تكفير أو تخوين. رسالة ثورة يناير .2011 أن تعود مصر إلى الليبرالية البريئة من أمراض وعلل أفسدت التجربة القديمة. ليس صحيحا أن الشعب المصرى غير مهيأ للحكم الديمقراطى، ففى الأيام التى عاشت فيها مصر بلا حكومة أو هيبة للدولة. كشف المصريون عن معدنهم الأصيل الجميل، وعادوا إلى دفء التكاتف، وتآخى المسلمون والمسيحيون، وظهرت لجان شعبية عفوية، واختفى اللصوص والمتحرشون إلا قليلاً لا يستحق الذكر. كيف لأصحاب هذا السلوك الرفيع أن يكونوا غير جديرين بالديمقراطية؟!. احترقت القاهرة فى يناير 1952 فسقط النظام الملكى عمليًا، وأوشكت القاهرة أن تحترق فى يناير 2011 فانبثقت قيمة شكك فيها قبلاً من يركبون الموجة الآن: يحتاج المصريون إلى الدولة ويتمسكون بها، ويراهن المصريون على النظام والاستقرار، ويتطلعون إلى حياة جديدة لا سلطة فيها إلا للشعب. * الدولة المدنية أجمل ما رسخه الشباب الثائر فى يناير 2011 يتعلق بفكرة الدولة المدنية التى تنتصر للمواطنة وحقوق الإنسان، وتنبذ التعصب وضيق الأفق، وتُعلى من شأن تداول السلطة فى إطار سلمى، كانت مصر قبل ثورة 1919 حافلة بالاحتقان الطائفى والتباين الاجتماعى، وإذا بها مع ميلاد الانتفاضة الشعبية العارمة تولد من جديد، وتظهر شعارات لا شأن لها بما كان. الجلاء والدستور هما الهدف، والحرية والاندماج فى منظومة الحضارة المصرية، هما الطموح، والاستقلال السياسى والاقتصادى غاية وحلم، والاعتزاز بالانتماء المصرى يضفى على الوجوه ملامح غير المعهود رؤيتها. هاهو التاريخ يعيد نفسه، وأبناء أحفاد الثائرين القدامى هم الذين يعيدون إنتاج شعارات أجدادهم، والشعار الأهم هو الدعوة إلى بناء دعائم الدولة المدنية، التى تجعل من الهوية المصرية هوية وحيدة جديرة بالاعتزاز والاحترام، ولا شك أن هذا الشعار يمثل صدمة للكثيرين من دعاة الدولة الدينية، لكن هؤلاء المصدومين أذكى وأمكر من الوقوف فى وجه الطوفان، فهم يراوغون ويناورون، ويظهرون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم. انتظاراً للحظة مناسبة ينقضون فيها ويقودون البلاد والعباد إلى هاوية ظلامية، قوامها قيم وتقاليد العصور الوسطى، أنيابهم مخبأة تحت قفازات مغطاة بالشعارات الكاذبة، ودروس التاريخ شاهدة على أنهم يهيئون قواتهم الآن للحظة فتح مصر!. * ضد الدولة الدينية الفساد المادى الذى عانت منه مصر جريمة يمكن التصدى لها فى ظل الدولة التى يحكمها القانون، لكن الكابوس المرعب هو الوصول إلى الدولة الدينية عسيرة المقاومة، إذا استقرت وكشفت عن وجهها الفاشى. فى ظل هذا الخط من الحكم. لا وجود لقانون أو دستور، وكل من يعارضها كافر ومفسد فى الأرض، وقد أظهر الشباب الثائرون وعياً ناضجاً عندما هتفوا ضد المرشد الروحى للثورة الإيرانية ووصفوه بالسفاح والطاغية، فالذين يدعون إلى حكم رجال الدين، المستبد بالضرورة، والذين يوجهون خطابًا باللغة العربية يدعون فيه المصريين إلى تبنى خُطى الثورة الخومينية الدموية. ينسون أو يتناسون أن كتاب جرائمهم لا يخفى، وأن القمع فى بلدانهم غير مسبوق، وأن المعارضين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والاضطهاد. الهتاف الواعى ضد آية الله يؤكد أن من خرجوا لمواجهة الموت. فى سبيل الحرية والكرامة الإنسانية. لا يستهدفون السقوط فى هاوية الدولة الدينية، ودعاة هذه الدولة فى مصر هم من صرحوا علانية بأنهم لا يضعون الوطن فى حسبانهم، وقال مرشدهم الدجال عبارته المشهورة: «طظ فى مصر»، وأكد دون خجل أنه لا ضرر فى تحويل مصر العظيمة إلى ولاية هامشية بلا اسم، يحكمها خليفة ماليزى! بكل تراثهم الانتهازى المعهود. يتراجع الإخوان المسلمون وفق تكتيك مؤقت اضطرارى، ويظهر رموزهم فى الفضائيات مرددين الشعارات الليبرالية، فهل نسوا ما يبشر به حسن البنا وسيد قطب ومهدى عاكف، دعاة الدولة التى لا يحكمها إلا كتاب الله كما يفهمونه؟! إجهاض ثورة الشباب هو الهدف الذى يسعى إليه الإخوان، وتأسيس الدولة الدينية القمعية هو طموحهم، والثابت الراسخ أن النضال ضد هذه الفكرة الرجعية فرض عين على كل ثائر وثائرة. ممن سطروا ملحمة ميدان التحرير. * الوحدة الوطنية يصلى المسلمون فى ميدان التحرير فيلتف المسيحيون حولهم سياجا للحماية والتأمين، ويقيم المسلمون صلاة الغائب على أرواح الشهداء بعد قداس مماثل للمسيحيين، ويرتفع الهلال والصليب والقرآن والإنجيل فى تناغم وانسجام. يعيد أمجاد الثورة الشعبية العظيمة سنة .1919 أيام من الانفلات الأمنى لا تشهد محاولة واحدة للاعتداء على كنيسة، ويخلو المعبد اليهودى فى وسط القاهرة من الحراسة فلا يتعرض له أحد، ويُطلق الرصاص الأهوج على جموع المتظاهرين فلا يدرى القاتل هل يصيب به المسلم أم المسيحى. آه يا مصر! هاهى الروح تعود إليك بلا شعارات رنانة، وها هو الجسد تدب فيه الحيوية والعافية، وها هم دعاة الفتنة والصراع الطائفى اللعين يتوارون خجلاً ويأسًا. هذه النتيجة وحدها تستطيع أن تحقق من المكاسب ما يفوق كل خيال، وهذه السيمفونية لم تتحقق عبر لجان وبرامج فضائية ومنظرين مسلحين بالمصطلحات والكلمات المعقدة لملء الصفحات الطوال وساعات الإرسال. ثورة 1919 بكل قيمها ومبادئها السامية. تُبعث من جديد فى إطار عصرى، والذين يتكسبون من إشعال الحرائق لن ترضيهم وحدة حقيقية متينة طال الاشتياق إليها. لنتكاتف جميعًا للحفاظ على هذا الثابت العظيم: مصر شعب واحد يبهر العالم، والهوية المعترف بها هى المصرية، الدين لله. والوطن للجميع، ليس شعاراً يسخر منه مدعو خفة الظل، لكنها الوقائع العملية التى تسجلها الكاميرات وتبث على الهواء. * بشر وملائكة لا ينجو مجتمع بشرى. فى كل زمان ومكان. من مظاهر الانحراف والفساد، ولا يخلو مجتمع من أغلبية شريفة سوية ملتزمة. هذا هو الثابت السابع الذى ينبغى أن نعيه ونقره، فالفساد ظاهرة إنسانية لا نجاة منها، والطموح الحقيقى أن تتم محاصرته أولاً بأول حتى لا يستفحل، وأن يتعرض الفاسدون للردع والمحاكمة والتشهير والحساب. المجتمع الإنسانى قوامه البشر لا الملائكة، والكارثة فى تجاوز المعدلات الطبيعية بحيث تفوح الروائح الكريهة، وتهتز الثقة والمصداقية، وتتبخر كل مظاهر الانتماء والالتزام. ستشهد الأيام القادمة فتح الملفات وكشف المخالفات وفضح التجاوزات، وسيعى المصريون جميعًا أن الفاسد المسلح بالحماية والدهاء يستطيع خداع الكثيرين لبعض الوقت، لكن النهاية الحتمية يشهد عليها التاريخ فى عصوره جميعا، الدرس هذه المرة من القوة والوضوح بحيث لن يُنسى سريعا، لكن المجتمع المثالى لن يتحقق أبدًا، العلة فى الجسد تحتاج إلى المقاومة واستئصال العضو الفاسد للحفاظ على سلامة الكتلة السوية، والمهم ألا تتوقف عمليات الاستئصال هذه حتى لا يتراكم العفن. مصر الجديدة حافلة بالعمل والبناء والإنتاج، وقوامها الحلم والخيال، وحمايتها تقع على عاتق القانون ورجاله، سلطة مستقلة مهيبة ذات صلاحيات تتيح إقامة العدل وبث الثقة وضمان المساواة، لن نكون ملائكة بطبيعة الحال، فلا أقل من أن نكون بشرًا أفضل. * حرية بلا ضفاف الثابت الثامن أنه لا عاصم من معاودة السقوط فى هاوية الفساد والانحراف إلا بحرية الفكر والتعبير، وبمؤسسات إعلامية قوية تقوم بدورها الرقابى الشعبى على أكمل وجه، وأحزاب غير ورقية تقوم بالدور المنشود فى صناعة الكوادر والقادة والكفاءات. كلمات مثل الرقابة والمصادرة لا مكان لها إلا فى المتاحف وقواميس اللغات الميتة، والجسد السليم المعافى لا يخاف من التعرض للشمس والهواء والأمطار، وهو قادر على الصمود فى مواجهة الزلازل والبراكين. لا سلطة بعد اليوم إلا للشعب، والحرية الكاملة غير المنقوصة هى السلاح الناجع الذى نستعين به لنشق طريقنا إلى المستقبل: حرية تكون الأحزاب غير الدينية بإخطار دون لجان، وحرية إصدار الصحف والمطبوعات، وحرية العقيدة والفكر دون وصاية الأدعياء. المثقفون هم طليعة الأمة، والصراعات بين الفرقاء يحسمها الحوار والنقاش، ولا متسع فيها لهراوات الشرطة أو ميليشيات الإخوان أو عبارات التكفير والتخوين والاتهام بالعمالة. مصر الليبرالية هى الهدف، والحفاظ على المجتمع المدنى هو الغاية، وفضح القوى الفاشية واجب وفريضة. ترسيخ قيم هذا المجتمع الجديد سينبت كل الخير، وتزدهر الطاقات الكامنة فى الشخصية المصرية. عندها، تظهر أسماء تملأ مقاعد طه حسين ومصطفى مشرفة وأم كلثوم وسيد درويش والسنهورى ونجيب محفوظ. يشعر زائرو مصر أنهم يشاهدون أحفاد المصريين الذين علموا العالم، وأشرق من أرضهم فجر الضمير، وخلفوا من الآثار والروائع ما يذهل كل من يراه ويعى عظمته. * راية العقل التقدم والبناء الإيجابى رهينان بالاحتكام إلى العقل، وتجنب الإسراف العاطفى، والهرولة بعيدًا عن دوامة الانفعالات غير المحسوبة، الثورة ليست هدفا. بل هى وسيلة لصناعة حياة أفضل، وهى علم التغيير الذى يراود الصعود. لن ترقى مصر وتنهض بالهتافات والمظاهرات والشعارات والاعتصامات والإضرابات، فالمفردات السابقة جميعا وسائل مشروعة ومطلوبة فى توقيت بعينه، لكن النهوض رهين بالجدية وإتقان العمل والعطاء غير المحدود ومعرفة الواجبات والحقوق، وما أعظم احتياجنا إلى الثابت التاسع فى خريطة المستقبل الذى نتطلع إليه بعد الثورة، رفع راية العقل والالتفات إلى التعمير. التعمير الذى نعنيه ليس ماديا فحسب، بل إنه فى المقام الأول إعادة بناء العقلية والشخصية، ما هُدم فى عقود لن يُعاد بناؤه فى يوم وليلة، لكنه يتطلب منهجا مختلفًا. تحتاج مصر الجديدة إلى تعليم عصرى، وصحافة ملتزمة، وفضائيات رشيدة، وفن محترم، ومرور منظم، وخيال يدعم العقل وينمى حاسة الابتكار والإبداع. الاحتفال بانتصار الثورة مطلب مشروع ومنطقى، لكن التحديات القائمة والقادمة تحتاج إلى تجاوز سريع لطقوس الفرحة. تعالوا نبنى وطناً عصرياً لا يضيق بأبنائه من مختلف الاتجاهات والاجتهادات، وتقوم دعامته الأولى على التسامح وقبول الآخر، والاعتراف بأن الحقيقة قيمة لا يحتكرها صوت أكثر ارتفاعًا! * التاريخ والمستقبل الثابت العاشر فى خارطة الطريق أن الوعى بالتاريخ ضرورة لبناء المستقبل، وأن مغادرة كهف الماضى هو المدخل الوحيد للتخلص من إدمان البكاء على الأطلال أو الغناء لها. التوازن مطلوب بين ثلاثية الماضى والحاضر والمستقبل، وإذا كان عدة آلاف من الشباب قد وعوا الدرس فأشعلوا الثورة، فكيف إذا امتد الوعى إلى الملايين، فأدركوا أن تاريخهم حلقات متصلة، وأن القيم التى تحكمهم وتوجههم حصيلة عمل أجيال متعاقبة واجتهادات متعانقة. تعيش مصر الآن لحظات فارقة، وقد وضع المصريون قدماً فى طريق المستقبل الأفضل، والمأمول أن توضع القدم الثانية لكى تبدأ المسيرة. الخوف كل الخوف من وقوع القطيعة، وسيطرة المراهقين الذين قد يعودون بنا خطوات إلى الوراء.