انطلقت فعاليات الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان لوكارنو السينمائى، أحد أعرق التظاهرات السينمائية الأوروبية، التى تستضيفها مدينة لوكارنو السويسرية كل صيف، وعلى مدار عشرة أيام، تحولت «ساحة بيازا غراندى» الشهيرة إلى مسرح مفتوح ملىء بالنجوم، وصناع السينما، وعشاق الفن السابع من كل أنحاء العالم، حيث افتتح المهرجان فى 6 أغسطس الجارى ومن المقرر أن يستمر حتى 16 من نفس الشهر. 221 فيلمًا من 50 دولة شهدت هذه الدورة عرض أكثر من 221 فيلمًا، بينها 99 عرضًا عالميًا أول، تنوعت ما بين أفلام روائية طويلة وقصيرة، وأعمال وثائقية وتجريبية، وقد عبر القائمون على المهرجان عن رغبتهم فى تسليط الضوء على العلاقات الإنسانية وتحديات الهوية والانتماء، فى ظل عالم مضطرب يسعى للتوازن وسط أزمات متعددة، المهرجان هذا العام لم يكن مجرد منصة للعرض، بل كان مساحة حوار فنى وثقافى تعكس نبض العالم وهمومه، ما بين الهامش والمركز، بين الواقع والحلم، وبين السينما التقليدية والتجريبية. أفلام المسابقة الرسمية بين التنوع والتجريب.. تنوعت الأفلام المشاركة فى المسابقة الدولية، فجاء بعضها محمّلًا بالتجريب البصرى، وأخرى مشبعة بالروح الواقعية، ومنها: «Dracula»: معالجة ساخرة للأسطورة الشهيرة، بتوقيع المخرج الرومانى رادو جوده، و«Mare's Nest»: فيلم يدمج بين الوثائقى والخيال، يحكى رحلة فتاة فى عالم بلا بالغين، و«With Hasan in Gaza»: عمل فلسطينى مؤثر من إخراج كمال الجعفرى، يرصد بحثًا عاطفيًا عن صديق مفقود من أيام السجن، و«Dry Leaves»: عمل جورجى طويل وفنى للمخرج ألكسندر كوبيريدزه، يمتد إلى أكثر من ثلاث ساعات، ويخوض فى مفاهيم الزمن والذاكرة، كما يعرض «Solomamma»: دراما نرويجية تطرح بجرأة قضايا الأمومة والإنجاب خارج الإطار التقليدى. لجان التحكيم ترأس لجنة التحكيم الدولية المخرج الكمبودى ريثى بان، أحد أبرز الأسماء فى السينما الوثائقية والسياسية، ورافقه نخبة من السينمائيين والنقاد مثل أورسينا لاردى وكارلوس ريغاداس وجوسلين بارنز. وقد اختارت اللجنة أفلامًا من مختلف القارات، تشارك فى المسابقة الكبرى للفوز بجائزة «الفهد الذهبى». حضور عربى فى المسابقة الرسمية، التى تضم 17 فيلمًا تعرض لأول مرة عالميًا وتتنافس على جائزة الفهد الذهبى، تشارك ثلاثة أفلام عربية تعكس تنوع التجربة السينمائية فى المنطقة: «Mektoub, My Love: Canto Due» للمخرج عبد اللطيف كشيش، يشكّل الفصل الجديد من ثلاثيته التى بدأها ب«Canto Uno» و«Intermezzo»، حيث يواصل الغوص فى تفاصيل الحياة والمشاعر بعين شاعرية حساسة، و«حكايات الأرض الجريحة» للمخرج عباس فاضل، هو عمل تأملى عميق، يستعرض من خلال عدسة شخصية معاناة العائلة والمنفى والحرب، فى سردية مفعمة بالحنين والوجع الإنسانى.. وأما «مع حسن فى غزة» للمخرج كمال الجعفرى، ينطلق من شرائط فيديو قديمة تعود إلى عام 2001، لتوثق حياة غزة قبل أن تبتلعها التحولات، وتتحول الرحلة إلى مغامرة بحث عن رفيق سجن قديم، يرافقه فيها دليل محلى، يظل مصيره غامضًا حتى النهاية، وفى قسم «Piazza Grande» الشهير، يحضر المخرج العراقى محمد الدراجى بفيلم جديد يروى قصة طفل شوارع مصاب بالسكرى، يهرب من فوضى بغداد إلى عوالم الأساطير، فى حكاية تمزج بين الرمزية والأسطورة، مستلهمة رموز كلكامش والثور المجنح، لتطرح أسئلة الطفولة والمصير وسط واقع مضطرب.. كما يعرض فى نفس القسم الفيلم التونسى الفرنسى «الصغيرة الأخيرة» للمخرجة حفصية حرزى، المقتبس عن رواية للكاتبة فاطمة داس، ويتناول قصة فتاة فرنسية مسلمة من أصول مهاجرة، تعيش صراعًا داخليًا حول هويتها الدينية والجندرية والاجتماعية. وقد نالت بطلته ناديا ميليتى جائزة أفضل ممثلة فى مهرجان كان هذا العام، والمخرج مهدى هميلى يشارك بفيلمه الجديد «فولاذ» ضمن العروض الرسمية خارج المسابقة. والفيلم القصير «شوارع القاهرة» للمخرج المغربى عبد الله طايع، يشارك فى مسابقة «نمور الغد»، إلى جانب الفيلم الفلسطينى التشيلى «بايسانوس»، وهو وثائقى ثنائى السرد عن الهوية والانتماء، من خلال قصة مشجعى نادى ديبورتيفو بالستينو فى تشيلى. أما الفيلم القصير «جهنمية» للمخرج ياسر فايز، فيُعرض ضمن قسم «عروض الأبواب المفتوحة»، المخصص لدعم سينمائيين من مناطق العالم غير الممثلة، ويروى الفيلم قصة ست نساء معتقلات خلال ثورة ديسمبر 2018، يعشن أيامهن الأخيرة داخل زنزانة ضيقة، بين الخوف والعزيمة، والحزن وأمل المقاومة. الافتتاح والختام افتتحت الدورة بفيلم فرنسى- أرمنى بعنوان «In the Land of Arto» للمخرجة تامارا ستيبانيان، وهو عمل شعرى يروى قصة فنان يبحث عن جذوره فى أرض الأجداد، بمشاركة النجمتين كاميل كوتان وزار أمير إبراهيمي، والعرض تم فى الهواء الطلق بساحة «بيازا غراندي»، وسط أجواء احتفالية وموسيقية مميزة، أما ختام المهرجان، يعرض فيلم «Kiss of the Spider Woman» للمخرج بيل كوندون. تكريمات النجوم من أبرز لحظات المهرجان كانت تكريم النجمة الإيرانية الفرنسية جولشيفته فراهاني، التى تسلمت جائزة «Excellence Award Davide Campari»، اعترافًا بمسيرتها الحافلة، والتى جمعت بين السينما المستقلة والعالمية، والتزامها بقضايا الحرية والمرأة.. كما احتفى المهرجان بأسطورتين من السينما الآسيوية والأمريكية، حيث منح جاكى شان جائزة الإنجاز المهنى «Pardo alla Carriera»، بينما تلقت لوسى ليو جائزة تقدير عن مجمل أعمالها، وكانت لحظات التكريم فرصة للربط بين أجيال السينما ومدارسها المختلفة.. كما شهد قسم Cineasti del Presente، المخصص للأعمال الأولى والثانية، بروز عدد من الأصوات الجديدة من آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، فى تأكيد على أن لوكارنو لا يكتفى بالنجوم، بل يصنعهم.