قرار وزاري بإصدار ضوابط وآليات إعتماد «الإستقالات» طبقًا لقانون العمل الجديد    تركيب 3 آلاف وصلة مياه مجانية فى قرى ومراكز محافظة الفيوم    مبيعات محلية تقود هبوط مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات جلسة الإثنين    وزير الخارجية القطري: الدوحة ستتخذ كل الإجراءات لحماية أمنها والمحافظة على سيادتها    نبيه يؤكد على ثقته فى اللاعبين مع انطلاق معسكر تشيلي    الإعدام لثلاثة متهمين والسجن لآخر في "مذبحة طوخ"    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق الناصرية بالفيوم    الداخلية تكشف حقيقة فيديو سرقة سيارة أجرة بالقاهرة    "هانا أينبيندير" تهتف لحرية فلسطين في حفل جوائز إيمي 2025    من الإسكندرية لأسوان.. قصور الثقافة تنشر البهجة في اليوم المصري للموسيقى    في ذكرى ميلاده.. إسماعيل ياسين أيقونة الضحك التي لا تغيب    الإعلان عن مسابقة للتعاقد مع 964 معلم مساعد حاسب آلي بالأزهر الشريف    البنك المركزي المصري يستضيف الاجتماع الأول لمجموعة عمل تقرير الاستقرار المالي الإفريقي    قيمة المصروفات الدراسية لجميع المراحل التعليمية بالمدارس الحكومية والتجريبية    ضبط 1193 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    تحرك ثالث أفواج قافلة المساعدات من مصر إلى غزة    تنسيق الجامعات 2025.. إعلان نتائج تنسيق طلاب الشهادات الفنية    موعد مباراة اتحاد جدة والوحدة في دوري أبطال آسيا.. والقنوات الناقلة    جنات: "ألوم على مين" هو الاسم الثالث للألبوم.. وخسرت وزني عشان صحتي    ويجز يشيد بمحمد منير: "أنت الكينج ومصدر إلهامي"    موعد إعلان الفائز بمسابقة أفضل ممارسات الحفاظ على التراث العمراني 2025    «الرعاية الصحية»: منصة إلكترونية جديدة تربط المرضى بخبراء الطب بالخارج    "الأوقاف" تعلن عن أسماء المقبولين للدراسة بمراكز إعداد محفظي القرآن الكريم    أسعار الذهب في مصر اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2025    استقرار حالة إمام عاشور.. وطبيب الأهلى يزور اللاعب فى المستشفى    كارلوس ألكاراز في الصدارة.. ترتيب التصنيف العالمي لكرة التنس    استقرار حالة أخصائى التدليك فى إنبي بعد تعرضه لأزمة صحية عقب مباراة الأهلي    هل تسببت واقعة المحلة في رحيل الخطيب عن الأهلي؟    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2025    تكليف رنا جوهر بالإشراف على الإدارة العامة للعلاقات الدولية والاتفاقيات بوزارة السياحة    خلال زيارته للإسكندرية.. رسائل حاسمة من كامل الوزير للعاملين بالسكك الحديدية    رئيس جامعة حلوان فى هاكثون الأمن السيبرانى: نفتح أبواب الإبداع أمام شبابنا    ما هي حالة الطقس اليوم؟.. تحذير من شبورة مائية صباحًا وانخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    ضبط 114.8 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «الداخلية»: ضبط 10 أطنان دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق    المرشحون لعمادة كلية الحقوق جامعة بنها يعرضون مقترحاتهم للتطوير أمام لجنة الاختيار    استعدادًا للعام الدراسي الجديد.. «تعليم الشرقية» تراجع جاهزية المدارس    حاكم يوتا: المشتبه به فى إطلاق النار على تشارلى كيرك لا يتعاون مع السلطات    كوريا الشمالية تُطالب أمريكا بنزع سلاحها النووي: واشنطن تُعرض السلام العالمي للخطر    أوروبا تنتفض ضد الاحتلال تزامنا مع قمة الدوحة.. إسبانيا تمنع العلم الإسرائيلي وبريطانيا تقصي طلابه تعليميًا    برشلونة ضد فالنسيا.. البارسا يسحق الخفافيش 3 مرات فى 2025 ويحقق رقما قياسيا    «أونروا»: لا مكان آمن في غزة.. وقصف 10 مبان تابعة للوكالة خلال 4 أيام    خطة لتسريع تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بجميع المحافظات    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت 88 مليون خدمة طبية مجانية خلال 61 يومًا    لأول مرة بمظلة التأمين الشامل.. نجاح جراحة دقيقة بالمخ لمريض بمستشفى حورس بالأقصر    جامعة الإسكندرية تطلق أولى قوافلها الطبية لعام 2026 (صور)    آمال ماهر: أداء حسن شاكوش لأغنيتي "في إيه بينك وبينها" ضحكني وعمل ليّ حالة حلوة    بسنت النبراوي: تركت مهنتي كمضيفة جوية بسبب ظروف صحية والتمثيل صعبة للغاية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 15-9-2025 في محافظة قنا    أيمن الشريعي: الأهلي واجهة كرة القدم المصرية والعربية.. والتعادل أمامه مكسب كبير    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : هذا ما تعلمناه؟؟    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى إبراهيم البحراوى    ما حكم قتل القطط والكلاب الضالة؟ دار الإفتاء المصرية تجيب    «بيفكر في بيزيرا».. رضا عبدالعال يهاجم زيزو    فلكيًا بعد 157 يومًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 في مصر    الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يعتبر نتائج الانتخابات المحلية ليست كارثية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    تسمم 4 أشقاء تناولوا "سف فئران" بالخطأ في البحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة الروح.. وشرعية الثورة
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 02 - 2011

كتبت عما تمثله ثورة 25 يناير المصرية الرائعة، ثورة الشباب والجيل الجديد ومصر كلها، من عودة حقيقية للروح المصرية، والعربية من ورائها. ليس فقط تلك العودة الأسطورية التى تحدث عنها توفيق الحكيم فى روايته الرائدة، وإنما عودة الروح بكل دلالاتها المتعددة، وطاقاتها التى لا تحد. وهى عودة مغايرة كليا وجذريا لتلك التى نجدها فى رواية توفيق الحكيم، والتى نعرف جميعا أنها، أى الرواية، كانت الملهم الأساسى الذى دفع جمال عبدالناصر الشاب لتكوين تنظيم الضباط الأحرار والقيام بحركته «حركة الضباط الأحرار» أو انقلابه العسكرى، والتى سميت فيما بعد بثورة 23 يوليو.
وتبدو الآن بالمقارنة مع ثورة 25 يناير العظيمة، وما خرج فيها من ملايين، انقلابا عسكريا وليست ثورة بأى حال من الأحوال. وربما كان اسم حركة الضباط الأحرار الأول هو ما قرّ فى وعى رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال، أحمد شفيق، ولذلك يشير دوما لثورة 25 يناير الرائعة باسم الحركة لا الثورة، إذ يبدو أن فكره ووعيه لم يتجاوزا بعد حركة الضباط الأحرار، والنصف الأول من القرن الماضى.
وعودة الروح التى أتحدث عنها هنا يدرك أبعادها بشكل مادى ملموس جيلنا، المعروف بجيل الستينيات، أكثر من غيره من الأجيال التى تعيش الآن فى مصر. لأنه الجيل الذى عاش انكسار هزيمة 1967 المروّع والمدمر معا وهو فى شرخ الشباب.
وهى الهزيمة التى رفضها هذا الجيل، جيل الشباب وقتها، فى مظاهرات عام 1969 الشهيرة، كما رفضها جمال عبدالناصر بلاءات مؤتمر الخرطوم الثلاثة، ولكن سرعان ما كرسها السادات بحرب التحريك التى انتهت بجيش العدو الصهيونى على بعد 101 كيلومتر من القاهرة (حيث كانت تدور المفاوضات المعروفة بهذا الاسم) يفاوض ويساوم ويسوم مصر الهوان.
وانتهت تلك المفاوضات بفض الاشتباك، وجولات كيسنجر المكوكية، التى أفضت فى نهاية المطاف، وبعد مسيرة غريبة نزع فيها الشعب المصرى عن نظام السادات كل شرعية، حينما خرجت مظاهرات 18و19 يناير الشهيرة عام 1977 من شواطئ بحيرة ناصر جنوبا وحتى شواطئ البحر المتوسط شمالا ترفضه، فما كان منه بعد شهور من نزع الشرعية عنه، إلا أن ذهب إلى العدو الصهيونى، ووقف فى الكنيسيت تحت الخريطة التى تقول إن المشروع الصهيونى «من الفرات إلى النيل»، ووضع أوراقه كلها فى سلة عدو مصر الأساسى، وبقية القصة التى أدت كامب ديفيد وتكريس الهزيمة بالصلح المنفرد والكريه مع العدو الصهيونى، وفتح سفارة له فى القاهرة، معروفة ولا تحتاج إلى تكرار.
كل ما أريد تأكيده هنا أن النظام المصرى، وليس الشعب المصرى الذى رفض التطبيع ولايزال، ارتمى فى أحضان عدو مصر الصهيونى منذ ذلك التاريخ وحتى اندلاع تلك الثورة المصرية الرائعة، وهذا هو سر هلع العدو الصهيونى على فقدان ذخره الاستراتيجى فى المنطقة ومناوراته بل مؤامراته المحمومة ضد الثورة.
أقول إن جيلنا ضربته الهزيمة وهو فى شرخ الشباب، وتابع وقعها الرهيب ليس فقط على نفسية الشعب المصرى، الذى كان أى رفض له للهزيمة يقابل بالبطش والقمع والخذلان، كما جرى فى مظاهرات عام 1972 الشهيرة، والتى كتب عنها أحد أبرز شعراء جيلنا، أمل دنقل، قصيدة خالدة بعنوان «الكعكة الحجرية»، ولكن أيضا على أدائه وسلوكه فى كل مجالات الحياة لسنوات طويلة، وعرقلت طاقة العطاء والإبداع فيه. فلا يوجد شىء يعطل طاقات شعب بأكمله مثل الانكسار والهزيمة، وافتقاده للروح.. روح العزة والكرامة التى تبث فى نفس الشعب الثقة بذاته وبمشروعه، وتزرع فيه القدرة على اجتراح المستحيل.
وليس ثمة ما يبدد طاقة شعب قدر تغييب أى مشروع له، وهذا ما عاشته مصر طوال أربعة عقود، دون مشروع وطنى أو شعبى. لذلك لابد أن يبدأ بهذه الثورة عهدا جديدا، بروح جديدة بعدما عادت لمصر روحها المتوفزة المبدعة الخلاقة، لأن الهزيمة وما تبعها من انكسار تسلل إلى ثؤر الروح المصرية، وعشش فيها لأربعة عقود، كانت السبب فى نجاح النظام المصرى الفاسد والذى يستند على شرعية ما سمى بثورة يوليو التى أنهتها الهزيمة، فى قهر هذا الشعب العظيم والعصف بإرادته وأحلامه وكل حقوقه.
وقد عاش جيلنا وقائع هذا العصف وعانى من كل تجلياتها الشوهاء. لهذا فإنه يدرك وبشكل مادى ملموس معنى عودة الروح إليه وإلى مصر، وربما أدرك أنا شخصيا أكثر من غيرى من أبناء جيلى، وبشكل مضاعف، دلالات تلك العودة.
لأننى عملت لما يقرب من أربعة عقود فى عدد من أكبر الجامعات الغربية، من هارفارد وكاليفورنيا، إلى أكسفورد وأدنبره واستكهولم، وأمضيت ربع القرن الأخير أستاذا فى جامعة لندن.
وخلال هذه السنوات الطويلة، التى كنت اتعامل فيها مع شباب الطلاب والطالبات فى أوروبا وأمريكا، كنت أدرك أهمية أن تكون روح الشعب حاضرة فيه، وكيف أن هذا الحضور يفجر طاقات هذا الشعب، ويبث فى شبابه خاصة قدرات غير منظورة، وكنت أرى الفرق الواضح بين هذا الشباب الذى أعلّمه، وإنجازه الكبير برغم تواضع قدراته، وبين شباب مصر الذى عانى من غياب الروح أو شحوبها برغم تميز قدراته. وكيف أن شبابا أقل قدرة وذكاء من الشباب المصرى كان قادرا على أن يفعل ما لا يفعله شبابنا الذى كان يربى على الانصياعية والخنوع، ويتجرع كل يوم ممارسات الاستبداد.
وها هى ثورة مصر العظيمة قد أعادت الروح لمصر بعد غياب طويل، وأصبح واجب كل مصرى شريف، وكل مثقف وطنى أن يعمل ليل نهار كى تظل هذه الروح حية، تمكن الشعب الذى خرج من قمقم القهر والتزييف والخذلان من اجتراح المعجزات التى تعود بمصر إلى عهدها، وتبوئها ما تستحقه من مكانة بين الأمم. عودة الروح هذه لم تتحقق إلا بتلك الثورة الجبارة، وبمخاض دموى راح ضحيته أكثر من أربعمائة شهيد. أقترح أن تحفر أسماؤهم وتنقش بماء الذهب على مسلة بازلتية حديثة تنصب فى ميدان التحرير، كى تظل محفورة فى ذاكرة مصر التاريخية، وظاهرة للعيان فى جغرافيا أهم ميادينها. ليس فقط باعتبارها شاهدا على ما جرى، ولكن أيضا تذكيرا بأن تلك الثورة التى عمّدها الشباب بالدم وأعادت لمصر روحها لابد من حضورها فى وعى كل أجيال الحاضر والمستقبل، والحفاظ على وهجها واستمرارها.
هذا ما تفعله الأمم الراقية، وقد اثبتت الثورة السلمية الرائعة أن مصر من أرقى أمم الأرض بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء. ومن يريد مثالا ما عليه إلا أن يعود لعمود الباستيل الشهير فى وسط باريس، والذى يخلد حتى اليوم شهداء ثورة الأيام الثلاثة الشهيرة من يوليو عام 1830. ويحيل ما حققته من حرية تعبير وتأسيس لحقوق المواطنة إلى خطوط حمراء لا يمكن النكوص عنها، او انتهاكها، أو القفز على مؤسساتها حتى اليوم. وأقترح أيضا واقتراحى لا يتعارض مع الاقتراح الذى كتب عنه الأستاذ سلامة أحمد سلامة بإطلاق أسماء الشهداء على المدارس التى تحمل اسماء المستبد المخلوع أو زوجته، بل يكمله أن تنصب هذه المسلة البازلتية فوق الكعكة الحجرية التى كانت مصنوعة من الجرانيت الأحمر، والتى أزيلت من هذا الميدان فى عهد السادات الكئيب، وقيل إنها نقلت لمكان مجهول وإنها سوف تعاد ولم تعد، لأن مسلة هذه الثورة التى أقترحها هى بنت تلك الكعكة الحجرية التى خلدها أمل دنقل فى قصيدة، فأزالوها كى تظل ذاكرتنا ممحوة، وكى يسهل البطش بشعب مهزوم وبلا ذاكرة تاريخية. على أن تقوم مسلات مشابهة فى ميادين مماثلة فى كل المدن المصرية التى سقط فيها شهداء أثناء الثورة للغرض نفسه.
والواقع أن مصر كلها قد بدأت تلمس تجليات عودة الروح تلك فى حياة المصريين فى الأيام الأخيرة، فى سلوكات الناس اليومية، وفى إحساسهم بأنفسهم وارتفاع سقف تطلعاتهم وصبواتهم. ولو حافظنا على الثورة، ورعينا خطاها لتحقيق كل مطالبها المشروعة، وهذا هو واجب كل مصرى، وواجب كل مثقف حرّ شريف لم يعمل مع النظام البائد، ولم يسهم فى تكريس فساده وإطالة عمره، فإن مصر التى يعتز أبناؤها بأنفسهم وبوطنهم معا، ستحقق المعجزات، وستتبوأ المكانة التى تستحقها بين الأمم.
وقد تابعت طوال أيام تلك الثورة وحتى اليوم ما يكتبه عنها العالم، وخاصة العالم الغربى، الذى كان يعتبر الرئيس المخلوع حليفه الأساسى فى المنطقة، ولكنه اضطر أمام رقى الثورة وتحضرها إلى الاعتراف بأنها احتلت بسلوكها الراقى ومطالبها العادلة الموقع الأخلاقى الأعلى، فبُهِر العالم بها ووقف بجانبها، بينما سقط النظام بعنفه وغزوة إبله وبلطجيته إلى حضيض أخلاقى غير مسبوق، فتخلى عنه العالم كما تخلى عنه شعبه.
لكن أهم ما يحافظ على هذه الروح ويضمن استمراريتها وفعاليتها كى تحقق لمصر مستقبلا أفضل وأرقى، هو الاعتراف بشرعية الثورة والانطلاق منها لتأسيس نظام حرّ جديد، ومسألة الشرعية تلك من أهم المسائل فى استمرار توقد الروح العائدة وتجذرها، لذلك سنتناولها بالتفصيل فى المقال القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.