سادت حالة من الحزن الممزوج بالسخط الشديد مدينة تلا بمحافظة المنوفية، حيث يقيم فؤاد منصور النورى مساعد الشرطة، ضحية حادث حريق مجلس الشورى، الذى لفظ أنفاسه الأخيرة تحت أنقاض المجلس المحترق، أثناء محاولته وزملائه إخماد ألسنة اللهب التى أتت على كل محتويات المجلس، بما فيها جسده ليذهب شهيدا للواجب، ورغم مرور أيام وليالى قضتها زوجة الشهيد بين اليأس والرجاء أملا فى عودة الزوج المكافح، تأكد خبر استشهاده تحت الأنقاض ولم يرحم أحد دموعها وتوسلاتها أن ترى جثة زوجها، ومرت ثلاثة أيام كاملة ولا تزال جثته الطاهرة مدفونة تحت الرماد. اليوم السابع انتقلت إلى منزل الشهيد وحاورت زوجته، التى قاومت دموعها بصعوبة لتحكى عن زوجها الشهيد: ما هى ذكرياتك عن يوم الحادث؟ زوجى كان يذهب إلى الشغل يوميا ويعود فى نفس اليوم، إلا أنه فى يوم الحادث وبعد تناوله الإفطار فى المنزل وأخذ وجبة الغداء ليتناولها فى العمل، استقل قطار العاشرة صباحا وانتظرت عودته لأنه أكد أنه سيتناول معنا العشاء، إلا أنه لم يعد كعادته إلى أن سمعت فى التليفزيون عن حريق بمجلس الشورى فانزعجت وطلبت من محمد ابنى أن يعود للقاهرة للاطمئنان على أبيه وعمه، ولكن على مدار 3 أيام تضاربت الأنباء، ناس تقول مصابا وناس تقول مفقودا ولم نستطع الوصول لأى حاجة عنه، وعشنا فى عذاب لا نعلم إذا كان حيا أم ميتا. عند هذا الجزء انفجرت الزوجة فى بكاء شديد، ثم قالت والكلمات تختلط بالدموع، إن جزاءه بعد خدمة 35 سنة قضاها فى المجلس أن يموت تحت أنقاضه، ويتركون جثته ثلاثة أيام ويحرمون أولاده حتى من زيارة قبره؟ وأين كان المسئولون قبل وقوع الحادث، يعنى هما يقعدوا فى المكاتب المكيفة وسايبين الغلابة يضيعوا .. حسبى الله ونعم الوكيل!! وكيف استقبلتم الخبر؟ فى يوم الحادث خرجنا مع حوالى 50 "جدع" من أشقائه وأحبائه من البلد إلى القاهرة، لم يدلنا أحد إذا كان حيا أو ميتا ولم نعثر حتى على جثته، مما زاد من عذابنا، فقد كان ورجلا بمعنى الكلمة وكان صاحب كلمة ورأى ونحب نأخذ مشورته فى كل كبيرة وصغيرة فى العيلة وتساءلت .. "إزاى مبنى ضخم زى ده يبقى معمول من الخشب ولا توجد به أى وسائل أمان، ويتركون جثة تحت اللهيب 3 أيام"؟ أولاده كيف استقبلوا الخبر؟ ولاده عارفين أنه مات شهيدا .. وكان بيحبهم أكثر من أى حد تانى، ودايما يشجعهم فى الدراسة ويجيب لهم كل اللى نفسهم فيه الله يرحمه. من تحملين مسئولية موت زوجك؟ زوجى راح فى "شربة ميه" وساب عياله يتامى والموت حق على كل إنسان، إنما المهمل لازم ياخد جزاءه .. منصور كان حنين، وعزائى فيه أنه مات شهيدا و جزاءه الجنة بإذن الله. كيف كانت علاقته بأهل البلد؟ كانت علاقته طيبة بكل أهل المنطقة وقمة الطيبة اللى فى الدنيا لدرجة أن الناس كانت تستعجب إزاى شغال فى الشرطة وغلبان كده.. عمره ما افترى على حد، وكان راجل مكافح يذهب ويعود من عمله فى القاهرة يوميا، وأيام الإجازة يراعى أرضه وعمره ما كان فيه مشاكل بينه وبين حد، ويوم الحادثة الحكومة تركتنا محتارين 3 أيام دون حس أو خبر. هل ستحاولون طلب تعويض عما حدث لزوجك؟ ليس لنا سوى التسليم بقضاء الله وبوفاة الشهيد، ونجلس فى انتظار وصول الجثمان حتى ولو رماد ليلقى ربه بجوار الصديقين والشهداء.