«التجارة» تكشف حقيقة وقف الإفراج عن السيارات الواردة للاستعمال الشخصي    مصر تُرحِب بقرار محكمة العدل الدولية فرض تدابير مؤقتة إضافية على إسرائيل    الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة    سوف أشجع الأهلى الليلة    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    مع اقتراب عيد الأضحى.. تفاصيل مشروع صك الأضحية بمؤسسة حياة كريمة    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    مجلس النواب الأمريكي يعتزم فرض عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية بسبب الموقف من إسرائيل    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    عمليات حزب الله دفعت 100 ألف مستوطن إسرائيلي للنزوح    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    عاجل.. برشلونة يلبي أولى طلبات فليك    القناة المجانية الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري كرة اليد    عاجل:جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 للشعبتين علمي وأدبي.. كل ما تريد معرفته    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    في ثاني أيام عرضه.. فيلم "تاني تاني" يحقق 81 ألف جنيه    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    «العدل الدولية» تحذر: الأوضاع الميدانية تدهورت في قطاع غزة    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    الأزهر للفتوى يوضح أسماء الكعبة المُشرَّفة وأصل التسمية    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    "تائه وكأنه ناشئ".. إبراهيم سعيد ينتقد أداء عبدالله السعيد في لقاء فيوتشر    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    4 محاور فنية تحاصر «كاردوزو»    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب محفوظ 37 سنة خدمة فى وظائف الدولة.. شخصيات رواياته قابلهم فى المصالح الحكومية.. وعمله بالبرلمان علمه الكتابة عن المعارك السياسية.. وانتصر لأغنية "يا مصطفى يا مصطفى" ضد الرقابة
نشر في اليوم السابع يوم 30 - 08 - 2017

"أعطتنى حياتى فى الوظيفة مادة إنسانية عظيمة، وأمدتنى بنماذج بشرية لها أكثر من أثر فى كتاباتى، ولكن الوظيفة نفسها كنظام حياة وطريقة لكسب الرزق، لها أثر ضار أو يبدو كذلك، فلقد أخذت الوظيفة نصف يومى ولمدة 37 سنة، وفى هذا ظلم كبير، ولكن الوظيفة فى الوقت نفسه علمتنى النظام، والحرص على أن أستغل بقية يومى فى العمل الأدبى قراءة وكتابة، وجلعتنى أقضى كل دقيقة فى حياتى بطريقة منظمة، وهذا فى تصورى هو أثر إيجابى للوظيفة فى ظل المجتمع الذى نعيش فيه".. هكذا تحدث الأديب العالمى الراحل "نجيب محفوظ" عن حياته الوظيفية والتى استمرت لسنوات عدة من موظف بالأوقاف إلى رقيب على المصنفات الفنية ختامًا برئيس لجهاز السينما قبل خروجه إلى المعاش.
تدرج نجيب محفوظ فى العديد من الوظائف الإدارية سواء كانت فى وزارة الأوقاف أو مجلس النواب وإدارة الجامعة، وكان من حظه أن التقى عائلات قديمة فى وزارة الأوقاف تبحث عن مستحقاتها، وعرف كيف تدار الصراعات الحزبية حسبما شاهدها أمام عينه فى مجلس النواب، كثير من هؤلاء كانوا أبطالاً لروايته الأدبية.
وعن هذا التجربة يقول الدكتور "حسين حمودة" أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة: أتصور أن حرص نجيب محفوظ على أن يظل موظفًا كان مرتبطًا بكونه مهتمًا بالنظام الصارم فى حياته، لأن الوظيفة كانت تتيح له النوم فى وقت محدد والاستيقاظ فى وقت محدد والحركة اليومية أيضًا.
وتابع "رئيس تحرير دورية نجيب محفوظ" فى تصريحات ل"اليوم السابع": لكن كانت للوظيفة أهمية أكبر فى حياته، لأنها أتاحت لك فرصة الاحتكاك اليومى بالناس، وقد كان هذا جزءًا من طبيعته الشخصية كما أن هذا أتاح له تجارب متعددة للكتابة.
فبحسب كتاب "نجيب محفوظ: صفحات من مذكراته وأضواء على أدبه وحياته" للكاتب والناقد الراحل رجاء النقاش، يقول "محفوظ": كنت أرد على مشاكل الناس التى تصل إلى وزير الأوقاف مباشرة أو عن طريق النواب، ولاحظت كم أن الحزبية والمصالح الشخصية تتدخل بشكل سافر يضر بمصالح الناس، أما فى إدارة الجامعة فقد اصطدمت بنماذج بشرية أخرى، فبطل "القاهرة الجديدة" عرفته وهو طالب وتتبعته إلى أن حصل على وظيفة، ولكن "سقوطه" بدأ وهو طالب، وبطل "خان الخليلى" كان زميلاً لنا فى إدارة الجامعة اسمه أحمد عاكف، وقد جاء يشكرنى بعد قراءته للرواية على محبتى له، للدرجة التى جعلتنى أطلق اسمه على بطل الرواية.
وتابع محفوظ عن فترة وظيفته "كما اصطدمت فى الوظيفة بأشياء كثيرة مثل الشذوذ الجنسى بين الموظفين، وهو ما أتاح للبعض الحصول على وظائف كبيرة لا لشىء إلا بسبب ممارسته للشذوذ مع كبار الموظفين، وهو ما عطل ترقية محفوظ نفسه إلى الدرجة الرابعة رغم تبليغه بالأمر رسميا من قبل مديره ويقول ساخر: "وكان الشاذون جنسيًا فى نعيم حقيقى، وكانوا يجدون دائمًا من يساندهم".
الكاتب والروائى يوسف القعيد، يقول: الوظيفة أفادت نجيب فى تنظيم الوقت بشكل كبير، فكان يعمل موظفًا بالأوقاف صباحًا، ومن ثم يصبح المساء حر وقته للكتابة والإبداع.
وأضاف "القعيد" فى تصريحات ل"اليوم السابع" أن محفوظ عمل فترة بمؤسسة القرض الحسن، ومن خلالها قام بكتابة روايته الأدبية بداية ونهاية، حيث صادفه أبطالها خلال عمله بالمؤسسة.
وعن تلك الفترة يقول أيضًا الدكتور حسين حمودة "عمل نجيب محفوظ فى وظائف متعددة، وكلها كانت مفيدة لتجربته الإبداعية، ومن الغريب أن وظيفة من هذه الوظائف كانت نوعًا من العقاب أو نوعا من النفي، وكان ذلك بعد عمله مديرًا لمكتب وزير الأوقاف على عبد الرازق، وعندما خرج هذا الوزير من الوزارة تم إبعاد نجيب محفوظ وتوظيفه فى مكان مغمور سمى بعد ذلك قصر ثقافة الغوري، وقد كان بهذا المكان مكتبة نهل منها نجيب محفوظ، وكان من ضمن ما وجده بهذه المكتبة ما يشبه "الكنز" نسخة بالفرنسية لرواية مارسيل بروست "البحث عن الزمن الضائع".. وقد قرأها محفوظ بالفرنسية، وبجهد كبير، وبالاستعانة بالقواميس، خلال ستة شهور.. وكثيرون لا يعرفون أنه كان يقرأ بالفرنسية.
فى عام 1959 تغيرت ملامح حياة كاتبنا الراحل، فبعد نجاح كبير فى كتابة السيناريو لعدد من أنجح الأفلام السينمائية مثل "ريا وسكينة"، الوحش وإحنا التلامذة" أثناء فترة عمله كموظف أو سكرتير لمكتب على عبد الرازق، تم ترشيحه لشغل منصب مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية وذلك بناء على ترشيح من الدكتور ثروت عكاشة آنذاك، وكان قبلها انتدب "محفوظ" مديرًا لمكتب يحيى حقى مدير مصلحة الفنون فى ذلك التوقيت.
ويقول محفوظ عن دور الرقابة "إن الرقابة كما فهمتها ليست فنية ولا تتعرض للفن أو قيمته، ووظيفتها ببساطة هى أن تحمى سياسة الدولة العليا وتمنع الدخول فى مشاكل دينية قد تؤدى إلى الفتنة".
أما عن أبرز المواقف التى واجهت صاحب "نوبل" أثناء عمله بالرقابة، فكانت من بينها أنه فوجئ بمراقب الأغانى يمنع أغنية "يا مصطفى" والتى تقول كلماتها "يا مصطفى يا مصطفى/ أنا بحبك يا مصطفى/ سبع سنين فى العطارين".
ويأتى سبب الرفض كما ذكره محفوظ فى حواره مع الناقد الراحل "رجاء النقاش" أن المراقب قال أن مؤلف الأغنية يقصد مصطفى النحاس وأن "سبع سنين" الواردة فى الأغنية تشير إلى مرور سبع سنوات على الثورة، وهنا علق محفوظ موضحًا: "إلى هذا الحد من ضيق الأفق كانت العقليات التى تعمل فى جهاز الرقابة".
أما التى كانت بتدخل شخصى من "محفوظ" فاختلافه مع مدير الرقابة على الأفلام محمد على ناصف لأنه سمح بعرض فيلم سينمائى أجنبى يسيء لليابان، وكان احتاجاجه بحجة أن اليابان ساندت مصر ضد الولايات المتحدة وتعتبر دولة فى موقع الرضا والصداقة، وبالفعل تم وقف عرض الفيلم بعد احتجاج السفير اليابانى ل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذى أمر بوقف عرضه مباشرة.
وفى موقف آخر قام "محفوظ" بحذف بعض الأغانى للمطربة صباح من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب رأى أنها تؤديها بطريقة مثيرة.
الناقد الفنى الكبير طارق الشناوى يقول إن نجيب محفوظ كان يتعامل أثناء عمله مديرًا عامًا للرقابة على المصنفات الفنية بروح الفنان وكان واسع الأفق على حد تعبيره، مستشهدًا بموقفه من إذاعة أغنية "يا مصطفى يا مصطفى" ومن ثم الفيلم.
وأضاف "الشناوى" فى تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، أن "محفوظ" كان يمثل حالة خاصة من الرقباء، فهو لم يمنع "بوسة" –قُبلة- وكان يسمح بها على الشاشة، ولا يتدخل إلا إذا طالت فى عرضها ويعتبرها إثارة، لكن غير ذلك فصاحب الثلاثية لم يرفض أى ملابس مثل "المايوهات" ولم يحذف أى مشاهد.
وأتم "الشناوى" موضحًا: أن الأديب العالمى الراحل رفض عرض أى أفلام تكون مقتبسة من أعماله الرواية منعا للإحراج والشبهات.
استمر كاتبنا الراحل مديرًا عامًا للرقابة على المصنفات الفنية طيلة عام ونصف إلى أن تولى منصب رئيس جهاز السينما، والذى استمر به حتى خروجه إلى لمعاش عام 1971.
ويقول "محفوظ": ظللت فى موقعى كرقيب لمدة عام ونصف تقريبًا، وجاء خروجى منه كنتيجة أزمة رواية "أولاد حارتنا"، وتابع "ففى مجلس الوزراء شن الدكتور حسن عباس حلمى وزير الاقتصاد وقتها حملة على الدكتور ثروت عكاشة كانت وجهة نظر الأول أن "عكاشة" أسند مهمة الرقابة لرجل "متهم فى عقيدته الدينية".
وهو الأمر الذى جعل الدكتور ثروث عكاشة بطلب من الأديب الراحل ترك الرقابة والانتقال إلى رئاسة دعم السينما والتى كان تحت الإنشاء حينها.
وعن ذلك يقول الدكتور حسين حمودة: الوظائف الأخرى التى عمل بها محفوظ كانت مفيدة من حيث كونها نبعا ثريا للشخصيات والأحداث، وقد أفاد منها فى بعض رواياته، لكن منصبه مسئولا عن السينما كان خسارة له من الناحية المادية، لأنه أصدر قرارا فور توليه هذا المنصب بألا يتم تنفيذ فيلم عن أية رواية من رواياته، كما توقف منذ توليه المنصب هذا عن كتابة السيناريوهات، وقد كان هذا القرار جزءا من نزاهته الشخصية.
طيلة 37 عامًا، ظل نجيب محفوظ داخل أررقة أجهزة الدولة، انتهت بخروجه إلى المعاش، وعن إحساسه فى ذلك الوقت يقول فى محفوظ فى كتاب "أنا نجيب محفوظ: سيرة حياة كاملة" للكاتب إبراهيم عبد العزيز: إن إحساسى بالمعاش، كان الترحيب والتفاؤل والسعادة، وقد يبدو غريبًا فالموظف المحال على المعاش تعتريه كأبة من نوع خاص، لكنى أحس أن المعاش استمرار لحياتى العملية، بعد أن أتمتع بميزتين، أولاهما الحرية وثانيها التوحد للفن، أنا متلهف على التحلل من ذلك النظام الرهيب القاسى على فرضته على نفسى وأنا موظف، بل إننى لم أرتاح لفكرة مد الخدمة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.