يبدو لى أن عام 2011 سيكون عام الغضب غير المسبوق فى العالم العربى بعد أن فشلت الحكومات التى طال بقاؤها فى السلطة لمدد تتراوح بين عقدين وأربعة عقود كحالة العقيد القذافى فى الشقيقة ليبيا فى أن تقدم لشعوبها شيئا نافعا أو مفيدا سوى الاستقرار الظاهرى الذى لم يسمن ولم يغنِ من جوع! فتونس التى كانت مصدر الهام لبعض الليبراليين خصوصا فى مصر - فيما يتعلق بما عرف بسياسة تجفيف المنابع- والتى وصلت إلى تجفيف وتنشيف دم الشعب التونسى، ها هى تونس بعد عقدين ونيف من حكم الرئيس زين العابدين بن على تتراجع وتتقهقر ويصل الغضب فيها مدى غير مسبوق، وأعتقد أنه لن يتوقف حتى وإن زعمت السلطة ومن شايعها أن المظاهرات الشعبية هى من تدبير عصابات ملثمة أو تنظيمات إرهابية أو قنوات فضائية! كل ذلك لم يعد يجدى نفعا مع شعب يجوع ويرى كبار رجال الدولة يتقاسمون الثورة دون أن ينغص أحد عليهم تلذذهم بثروة الوطن. والجزائر بلاد النفط والغاز تعانى هى الأخرى من تظاهرات الجوع والغضب، وأتعجب من غباء المسئولين فى هذا البلد الذين لم يفعلوا شيئا سوى تكرار عبارة (محاربة الإرهاب) كالببغاوات، وفى الوقت الذى يبحث الشعب فيه عن لقمة عيش ومكان آمن تفتقت أذهان المسئولين عن سياسات غبية تفرط فى الثروة وتشترى السلاح بدلا من أن تبنى المصانع والمدارس والمستشفيات، حكومات بهذه العقلية لا يمكنها الاستمرار فى بيع نفس الوهم عدة مرات. وفى اليمن وصلت الأمور إلى حد الحرب الأهلية مع الجنوبيين تارة ومع الحوثيين تارة أخرى ناهيك عن الحرب المفتوحة على ما يسمى (الإرهاب) والتى تبتلع كل المعونات وتشفط كل الموارد ليبقى الشعب وحده يعانى بينما السيد الرئيس على عبد الله صالح وحده يتمتع بالسلطة، لا بل يبحث فى قرار بقائه فى السلطة مدى الحياة. هذه تصرفات تشى بأن الشعوب فى واد والسلطات فى واد، وأتصور أن وصول وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون إلى اليمن هو بداية لإدارة الملف المشتعل فى هذا البلد العريق على الطريقة الأمريكية يعنى "تفكيك المفكك وتفتيت المفتت" مرة ثانية ولا أعرف ماذا يشعر حاكم تجاه هذا التصرف الأمريكى بعدما أعلنت كلينتون صراحة عن تدخل أمريكا للم الشمل وجميع الأطراف وإجراء تسوية! والسودان الذى انشطر أو أوشك على الانشطار لن ينعم بالهدوء حتى بعض انفصال الجنوب فعديد القوى السياسية هناك ترى أن الشمال كثير على حزب المؤتمر الحاكم وعلى البشير الذى حكم ما يزيد عن عقدين من الزمن كان ختامها انفصال الجنوب ولا يزال الحوار مفتوحا حول دارفور وربما شرق السودان أيضا، كل هذا والحكام يرون أنهم "مبعوثو العناية الإلهية لإنقاذ السودان من التفكك"، ومن المؤامرة الدولية وأسألهم عن أى وحدة يتحدثون والسودان قد أصبح سودانيين اثنين وربما يصبح أكثر من ذلك! وفى مصر لا أتصور أن غضب الشعب سيتوقف، فالسلطة فى بلادى تمارس أجندة القهر والكبت والظلم، وتبرر لذلك بالقول "بأن مصر طول عمرها دولة مركزية قوية وأننا شعب لا يمكن السيطرة عليه إلا بالقوة". والخطأ يولد أخطاء، والجريمة لا تولد إلا كبائر، وما يحدث فى مصر بعد الانتخابات هو دليل على أن السلطة فقدت رشدها وباتت تتعامل مع المصريين بالقطعة وأخشى القول – على الهوية - وليس لديها إستراتيجية للتغيير الحقيقى، اللهم إلا تغيير اسم رئيس الدولة فى الانتخابات المقبلة. جرائم السلطات مستمرة سواء بإهمالها عن عمد لمطالب الشعب مسلميه وأقباطه أو بالعنف غير المبرر ضد الشعب عبر قمع المظاهرات وتعذيب المعتقلين، وأسوأ من ذلك كله الاستهانة بعقول الناس وأفكارهم وتسفيه أحلامهم، والتقليل من شأنهم واختزال السلطة فى مجموعة هى أبعد ما تكون عن نبض الشارع. الأمثلة كثيرة ويمكننا أن نستمر فى السرد، ولكن ما طرحناه يكفى للتدليل على أن هذا العام لن يمر بسهولة ويسر، وربما يكون أشبه بالسنين العجاف التى مرت على أهل مصر قديما وتبنأ بها نبى الله يوسف عليه السلا.. وأعتقد أن السلطات العربية "المستقرة" ستشعر أكثر بأن الأرض من تحتها لم تعد مستقرة، كما كانت، وأنه آن الأوان لكى تقول الشعوب كلمتها، وأن تسمع الحكومات أو لترحل غير مأسوف عليها. آخر السطر سنين مرت والوعود لم تتحقق وحكومات شاطرة فى الكدب وشعوب بتصدق وعجبى!