منال عوض: اختبارات تحديد المستوى بمركز سقارة تُجسّد نموذجًا لتطوير منظومة التدريب الحكومي    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    محافظ الجيزة يتابع استعدادات تطوير امتداد شارع الكيلاني    تغطية الطرح العام ل "الوطنية للطباعة" 8.92 مرة في ثالث أيام الاكتتاب    القائم بأعمال رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: اليوم تحقق حلمنا بتخريج أول دفعة    محافظ المنوفية يستعرض الموقف الحالي لمنظومة النظافة والمشروعات    السيسي يؤكد أهمية بدء عملية إعادة الإعمار ورفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم    الداخلية السورية: مزاعم حصار محافظة السويداء كذب وتضليل    العثور على دقيقة مفقودة في تسجيلات المجرم الجنسي إبستين تثير الجدل.. ما القصة؟    بفريقين مختلفين.. الأهلي يخطط لخوض وديتين يوم الأحد المقبل    منتخب مصر يواجه تونس وديا في سبتمبر استعدادا لكأس العرب    قبل الرحيل.. الجفالي يظهر مع فتوح في التأهيل المنفرد    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه تونس خلال أجندة سبتمبر    رسميا.. المقاولون العرب يعلن ضم لاعب الزمالك السابق    الداخلية تضبط عصابة تنقيب عن الآثار في القاهرة    إصابة 7 أشخاص في انقلاب سيارة سوزوكي على الطريق الغربي بالفيوم    صاحبة دعوى إثبات نسب طفل للاعب إسلام جابر: "ابني هيقدم الدعوى الجاية"    3 شباب يستدرجون فتاة من ذوي الإعاقة ويعتدون عليها في العجوزة    لسماع مرافعة النيابة.. تأجيل محاكمة متهم تنظيم ولاية سيناء    الداخلية تعثر على طالبة متغيبة بالقاهرة وتعيدها لأسرتها    أشرف عبدالباقي ينعى لطفي لبيب: "مع السلامة يا أجمل حد في الدنيا"    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    الصحة: افتتاح وتطوير عدد من أقسام العلاج الطبيعي خلال النصف الأول من 2025    بعد ترشحه لرئاسة ساحل العاج.. من هو الحسن واتارا؟    35 ألف طالب تقدموا بتظلمات على نتيجة الثانوية العامة حتى الآن    تقارير: الاتفاق السعودي يعلن خلال ساعات ضم أحمد حسن كوكا    رئيس الوزراء: استراتيجية وطنية لإحياء الحرف اليدوية وتعميق التصنيع المحلي    هيئة فلسطينية تثمن جهود مصر لإدخال كمية كبيرة من المساعدات إلى قطاع غزة    روسيا تلغى تحذير تسونامى فى كامتشاتكا بعد الزلزال العنيف    مصنعو الشوكولاتة الأمريكيون في "ورطة" بسبب رسوم ترامب الجمركية    رئيس جامعة بنها يترأس اجتماع لجنة المنشآت    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    مي طاهر تتحدى الإعاقة واليُتم وتتفوق في الثانوية العامة.. ومحافظ الفيوم يكرمها    "التضامن" تستجيب لاستغاثات إنسانية وتؤمّن الرعاية لعدد من السيدات والأطفال بلا مأوى    ضبط عاطل و بحوزته 1000 طلقة نارية داخل قطار بمحطة قنا    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    «تنمية مستدامة»    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    حميد أحداد ينتقل إلى الدوري الهندي    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن المهلبية !!
نشر في اليوم السابع يوم 31 - 12 - 2010

كلما انخلع أو سقط ضرس أو ناب أو سنة من فكى تنتابنى حالة عميقة من التأمل مقرونة بالأسى، فهذا جزء من تاريخى يسقط أو يخلع خلعاً، ذلك الذى صاحبنى مشوار العمر، طحناً وقطعاً ومضغاً، وشاركنى الاستمتاع بطيب الطعام والشراب، وتلون بدخان سجائرى وسائل القهوة، وصرخت منه ألماً فى ليال لا تنسى.. ذلك الجزء العضوى الحميم، يغادر بلا عودة.. فهو مثل العمر لا يعود...
واليوم فقدت سنة أخرى، ظلت تترنح لفترة طويلة بينما أتفادى الاعتراف بهذه الحقيقة، فهى من ضمن تشكيلة أسنان الواجهة، أى تلك التى تظهر عند الحديث أو الابتسام، ولن يكون سقوطها سوى بداية لتوالى سقوط باقى الواجهة مع ما يلزم من تجعيدات وتشوهات أخرى، لذلك ظللت أعاند وأقنع نفسى أنها سوف تثبت وتستعيد مكانتها وأن ذلك الترنح ليس إلا أمراً طارئاً يرتبط بشدة انفعالى، بسبب المذابح التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى، وتغافلت عن ازدياد الترنح المصحوب بالتهاب وألم، وساعدنى فى ذلك أن آلاماً أكبر كانت تحتوينى ويهون أمامها أى ألم... ظللت صامداً، إلا أن السنة المتآمرة لم تستطع، فسقطت اليوم وحدها، دون أى ضغط أو إجبار، وحملتها بين أصابعى – كالعادة – متأملاً فى أسى..
(2)
لماذا يترنح كل شىء ويسقط وحده، دون ضغط أو إجبار؟.. هل هو فعل الزمن وحده؟.. ولكن أين فعل الإرادة؟؟.. أن منظر "السنة الساقطة" لا يغرينى بالتفلسف، ويكفى القول هنا إن ذلك هو عمرها الافتراضى، لقد أدت مهمتها على خير وجه وجاء دورها فى التقاعد، بالضبط كما سيحل دورى ذات يوم، ولكنها لم تنتقل إلى التقاعد، لأن المتقاعد يمكن أن يقوم، إنها ماتت، شطبت من سجل الحركة والنشاط بلا عودة، وأياً ما كانت إرادة المقاومة عندى فإنها كانت ستسقط، وأياً ما كان تغافلى عن الحقيقة فإنها غالبة وها هى أمامى بلا حول أو حركة.
هل يمكن أن تسقط الأمم والشعوب مثل الأسنان؟، هل يمكن أن تتخلخل وتترنح ثم تسقط؟، وهل تفيد محاولة التغافل أو التعامى عن هذا الترنح، على أمل أنه مؤقت وطارئ ؟، ولكن ما العمل إذا سقطت بالفعل؟.. وإذا ماتت، هل تعود؟؟.
(3)
ذهبت الأمثال على أن صعوبة انتزاع الشىء به "خلع الضرس"، فيقال مثلاً إ فلان لا تنازل عن الموضوع الفلانى ولا بخلع الضرس، ولكن ذلك يعنى أيضاً أنه يمكن أن يتنازل بعد خلع ضرسه!!.. ويبدو أن فلان على استعداد كامل للتنازل وأنه فقط يتمحك بموضوع خلع الضرس ربما كى يقوم خصمه بعملية الخلع مجاناً... ولكننى لم أكن أتمحك، وكنت أريد الاحتفاظ بسنتى، لكنها سقطت وحدها، دون أن أتنازل عنها، ودون أى استعداد للتنازل أصلاً... وهكذا يمكن استنتاج أن هناك نوعين من "خلع الضرس": نوع لا مناص منه، ونوع يسعى بعض الناس إليه، ولكن النتيجة فى الحالتين واحدة وهى الخسارة، سواء أكان التنازل طوعاً أم إجباراً..
والحديث عن الأسنان يستدعى على الفور فواتير أطباء الأسنان، فطبيب الأسنان يعيش على خسارتى وخسارتك لأجزاء حية من تاريخنا، فهو حيناً يوهمك بأن المسألة لا تعد تسوسا بسيطا فى ذلك التاريخ يمكن علاجه، ويقوم بآلاته الحديثة بتخريم تاريخك، وحشوه بجزء من تاريخ مصنوع، ولأنه غير أصيل يسقط، كى يعاود حشوه، وفى كل مرة تدفع مقابل تزييف تاريخك من مالك ومن وقتك ومن أعصابك، ثم فى مرحلة معينة ينصحك الطبيب بتركيب "طربوش"، وتخرج من عيادته سعيداً بذلك الطربوش الذى يحمل بعد ذكريات الماضى فى ثوب عصرى، ولكن سرعان ما يسقط الطربوش أيضاً لنفس السبب السابق، وينصحك الطبيب – كى تحافظ على تاريخك – ألا تأكل أو تشرب ساخناً أو بارداً، فالعلاج هو الفتور، أن يصبح طعامك وشرابك فاتراً، أى التوقف عند الوسط تماماً، ومع ذلك، أو رغماً عن ذلك يستمر التدهور، وتستمر محاولات الطبيب المخلصة فى إنقاذ التدهور بحلول صناعية مبتكرة، دون أن يتوقف لحظة واحدة عن إنتزاع مالك ووقتك وأعصابك.
والمشكلة أن عصب الضرس قد مات وتعفن.. ولم تعد هناك عوائق للتنازل، فما أسهل خلع الضرس، وكل محاولات الطبيب لا تعدو سوى خداع للنفس وتمويه على الحقيقة..
(4)
لقد خارت الأعصاب وانكمشت اللثة وأصبح الفك منفكاً، لابد من التسليم بواقع الحال، لقد انقضى زمن طحن اللحوم وحل زمن المهلبية، فلا بارد ولا ساخن ولا حتى فاتر، لقد تساوى المذاق وأصبح "لا مذاق".. ومن محاسن هذا الاعتراف أنه يوفر مبالغاً طائلة لأطباء لا يفعلون شيئاً سوى خداعنا وإيهامنا بقوة لم تعد موجودة، وإرادة مسوسة، وطرابيش لا تثبت فوق الرؤوس.. لن يكون أحد مضطر للادعاء بأنه لن يتنازل إلا بخلع الضرس، حيث لا يوجد ضرس ولا دياولو، وإذا أراد أحد أن يكون جاداً فعليه أن يهدد بأنه لن يتنازل إلا بخلع الرأس أو خلع الروح نفسها..
ولأنه زمن المهلبية فلن يفيد التباكى على زمن مض، فالماضى لا يعود مثل الأسنان تماماً، وعلى كل من يعنيه الأمر أن يبحث عن طاقم أسنان صناعية تتيح له بالكاد أن يلحس سائل المهلبية، دون أن يتعجب إذا أحس أن عقله أصبح مهلبية، وأن أفكاره مهلبية، وأن جماع إرادته وقراراته مهلبية ثم لماذا يتعجب، إذا كانت حياته كلها فى التحليل الأخير كانت مجرد سوساً وخلخلة واهتزازا تمهيداُ للخلع أو السقوط..
(5)
تأملت فى السنة الساقطة وقد حال لونها وغشت أطرافها بقايا من آخر لون أسود لدخان سيجارتى.. سترتاح هذه السنة أخيراً بعد نصف قرن من مكابدة عنادى وإصرارى، فكم كززت بها غضباً وانفعالا، كم عضضت بها على أصابع الندم، وكم تحملت مرارة لعابى وأحزان أيامى... أنها ترحل اليوم عن عالمى، آثرت ألا تصاحبنى إلى مقبرتى، رفضت أن تدفن معى.. لقد قررت أن تمضى وحيدة مثل صاحبها، وكأنها لا تريد أن تعيش معى زمن المهلبية بعد أن أستمتعت بزمن اللحوم والفواكه والخضروات، أننى شديد الزهو بها لإصرارها على الاستقلال رغماً عن كل محاولاتى، لقد أنفذت إرادتها وانتحرت فى ريعان شبابها تفادياً لمهانة زمن المهلبية.. والخوف كل الخوف من أن ما تبقى فى فكى من أسنان وضروس قد يتخذون كذلك قرارات مشابهة ويتركوننى أواجه وحدى هذا الزمن الرجراج الأملس... وداعاً يا سنتى العزيزة، وأشكرك على سنوات الخدمة الطويلة التى تفانيت فيها لإسعادى، واعذرينى إذا كنت عاجزاً عن أن أفعل شيئاً فى تاريخك المسوس، كان لا بد أن تسقطى.. تلك هى الحقيقة بكل الأسى والأسف...
* عضو اتحاد الكتاب المصرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.