العمل: «تسوية ودية وتعويض» للعاملة التي فقدت طفلتها الرضيعة بالإسكندرية    وزير الكهرباء يشهد مراسم تحريك وعاء ضغط المفاعل الأول لمحطة الضبعة النووية من مدينة بطرسبرغ الروسية    السيسي يصدر 7 قرارات جمهورية.. تفاصيل إنشاء جامعة شرق العاصمة    «تعليم قنا» يحرز مراكز متقدمة جمهوريًا في مسابقة التعبير والتصميم الفني    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء    تراجع في أسعار اللحوم بالأسواق والمنافذ اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    أسعار الحديد اليوم الاربعاء 24-9-2025 في الدقهلية    رئيس «الرعاية الصحية» يلتقي رئيس «العربية للتصنيع» ويبحثان سبل تعزيز التعاون    رئيس الوزراء يؤكد ترحيب مصر بكافة جهود التوصل لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية    3 دول أوروبية تمهل إيران أيامًا لمعالجة ملفها النووي    كوريا الجنوبية: الاعتراف بدولة فلسطين مرهون بتحقيق حل الدولتين    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره القبرصي على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك    رئيس الوزراء يشارك في اجتماع بشأن "اليوم التالي ودعم الاستقرار في غزة".. صور    بيراميدز يواصل التفوق المصري على عمالقة السعودية    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24-9-2025 والقنوات الناقلة    الأرصاد: طقس خريفي مستقر وأمطار محتملة على بعض المناطق اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين على الطريق الإقليمي بالقليوبية    حبس مدير المدرسة المتهم بالتحرش بالقليوبية 4 أيام على ذمة التحقيقات    وصول الطفل ياسين إلى مقر محكمة إيتاي البارود الابتدائية    خبير مروري يوضح أهم الشروط لاستخراج رخصة القيادة المهنية (فيديو)    ضبط ورشة لغش بطاريات سيارات بالإسكندرية تستخدم علامات شهيره    تعرف على موعد تشييع جثمان مصممة الاستعراضات ميرفت زعزع    «شمشون ودليلة» يجمع أحمد العوضي ومي عمرلأول مرة في عمل سينمائي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 24-9-2025 في محافظة قنا    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم 217 ندوة بمساجد شمال سيناء    وكيل صحة بني سويف: نعمل على رفع كفاءة الخدمات وتوفير بيئة عمل آمنة    مفاجأة.. تسعيرة الفراخ البيضاء اليوم تحت ال 60 جنيها    وفد السنغال يلتقي وكيل الأزهر لمناقشة تدريب الأئمة والوعاظ في مصر    الرئيس اللبنانى: اللجوء إلى القوة لتنفيذ حصرية السلاح أمر غير وارد    إعلام عبري: 80 بالمئة من العالم اعترف بدولة فلسطين ونتنياهو لن يرد فورا    تسريب غاز في محطة القصر العيني بالقاهرة| إجراء عاجل من الشركة    «التحرير الفلسطينية»: الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تحول استراتيجي هام    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/9/2025 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    حسين فهمي: القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في مهرجان القاهرة    حركة القطارات | 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 سبتمبر    رئيس «حماية المستهلك» يقود حملة ليلية مُفاجئة على الأسواق    جدول ترتيب الدوري المصري بعد فوز الأهلي وتعادل الزمالك    إنقاذ طفل حديث الولادة مصاب بعيب خلقي خطير بالقلب بمستشفى أطفال مصر للتأمين الصحي    انتصار الحب، إلهام عبد البديع تعود لزوجها الملحن وليد سامي بعد 4 أشهر من انفصالهما    «أوقاف أسوان» تكرم 114 من حفظة القرآن فى ختام الأنشطة الصيفية    محافظ الدقهلية يشارك في احتفالية تكريم الطلاب المتفوقين من أبناء المهندسين    هاني رمزي: الموهبة وحدها لا تكفي وحدها.. والانضباط يصنع نجمًا عالميًا    هشام حنفي: القمة فرصة ذهبية لعودة الأهلي والزمالك مطالب بتحسين الأداء    «احمديات»: لماذا ! يريدون تدميرها    ميلان يحجز مقعده في ثمن نهائي كأس إيطاليا بثلاثية نظيفة أمام ليتشي    «وريهم العين الحمرا.. واللي مش عاجبه يمشي».. رسالة خاصة من إبراهيم سعيد ل وليد صلاح الدين    وفاة النجمة الإيطالية كلوديا كاردينالي «ملكة جمال تونس 1957»    مسلم يفجر أسرار عائلته: «من 15 سنة سبت البيت والجيران كانوا بيسمعوا عياطي»    قرارات جديدة من وزارة التربية والتعليم بشأن الصف الأول الثانوي 2025-2026 في أول أسبوع دراسة    بدون صلاح.. إيزاك يقود ليفربول للتأهل في كأس الرابطة الإنجليزية    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 24 سبتمبر 2025    رسميًا.. موعد الإجازة المقبلة للقطاع العام والخاص والبنوك (يومان عطلة في سبتمبر)    النائب محمد زكي: ملفات التعليم والصحة والاقتصاد تتصدر أولوياتي    عمرو محمود ياسين عن تكريم والده بمهرجان بورسعيد: كنت أتمنى يكون حاضر تكريمه    إجراء جراحة ناجحة استمرت 17 ساعة لاعتدال عمود فقرى بمستشفى جامعة كفر الشيخ    مدير فرع الرعاية الصحية بالأقصر يطلق مبادرة "اليوم المفتوح".. صور    بعد انطلاق موسم الدراسة.. 5 أطعمة لا تضعيها لأطفالك في «اللانش بوكس»    أمين الفتوى يوضح كيفية الصلاة على متن الطائرة ووسائل المواصلات.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(سكان القصر) قصة لبهاء طاهر
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 05 - 2009

يحتل القصر ناصيتى شارعين متوازيين فى حى قاهرى، كان يوصف قبل عشرات السنين بأنه حى راق، بقيت فيه بعض قصور وبيوت قديمة جميلة تكاد الآن تختفى وسط عمارات خرسانية صماء يسكنها وافدون جدد يقال إنهم من تجار «البودرة» وتجار السلاح وأشياء أخرى، ووسط شوارع مفتوحة الأحشاء وأرصفة تعلوها أكوام من القمامة والحجارة المنكسرة، ويحتل ما بقى منها بائعات للخضار وللمناديل الورقية وشحاذات على حجورهن أطفال رضع مستأجرون خصيصا لهذا الغرض، وتأكل أسراب من الذباب وجوههم الصغيرة الشاحبة، وفى المقابل لافتات المحلات الجديدة التى تحمل عناوين مضاءة بالنيون ومتعددة اللغات مثل Takeit easy وكوافير سيدهم قسم خاص للمحجبات، ودولش فيتا، وجزارة الهدى والنور.. إلخ.
الجزء الذى يقع فيه القصر بعيد عن الأنشطة التجارية مازال هادئا شوارعه نظيفة وجيدة الرصف نسبيا تطل الواجهة على شارع عمومى تقل فيه الحركة ويتصدرها باب حديدى ضخم تربط مصراعيه جنازير حديدية سميكة ولم يره أحد مفتوحا أبدا. من خلف الباب تظهر حديقة نضرة من أشجار الكافور والجازورينا والأكاسيا ولا يبين من خلالها سوى جزء صغير جدا من القصر الأبيض عدا ذلك يحيط بالحديقة والمبنى سور حجرى بالغ الارتفاع.
( 2 )
تنقسم الحراسة للقصر إلى إجراءات صارت مألوفة وأخرى جديدة، فهناك مثلا الكتل الخرسانية المربعة التى تحف بالأرصفة من جميع الجهات والحواجز الحديدية التى تسد الشارعين المتوازيين وتقطع جزءا من الشارع العمومى فى مواجهة البوابة، وترفع هذه الحواجز فقط لمرور سكان البيوت المجاورة للقصر والمزودين برخص استثنائية مختومة يراجعها الحراس كل مرة عند الدخول والخروج يتفرسون طويلا فى وجوه حاملى الرخص ويضاهون أشكالهم بصورهم الفوتوغرافية المختومة.
عدد الحراس ما بين 15 إلى 20 يقفون حول القصر على مدار الساعة كلهم طوال القامة مفتولو العضلات.
أزياؤهم الموحدة بيضاء ناصعة وتتدلى من خواصرهم مسدسات رؤسائهم أكبر سنا ويميلون قليلا إلى الامتلاء وتكور البطن.
إلى جانب لك توجد فى أعلى السور كاميرات تليفزيونية تدور بشكل لولبى ويقال أيضا إنها مزودة بكاميرات حساسة جدا يمكن أن تلتقط همس المارة فى الطريق وما يدور فى غرف نوم الجيران.
وعند كل من النواصى الأربع تقف عربة سوداء زجاجها داكن فلا يرى أحد ما بداخلها أو من بداخلها.
بعد الغروب تضىء حديقة القصر وأسواره كشافات نورها أصفر باهر وتنتشر فى الشارع العمومى كمائن متفرقة من الحراس تفحص المارة وتوقف السيارات التى لم يتعلم سائقوها بعد تجنب هذا الشارع، وعند منتصف الليل تقريبا تطلق فى الحديقة كلاب ضخمة من سلالة واحدة لونها أبيض ومرقطة ببقع سوداء يقال إنها مدربة على أن تقتل أى متسلل بعضة واحدة فى الرقبة، ومدربة أيضا على الاكتفاء بشل حركته وعلى أشياء أخرى كثيرة، تجوس هذه الكلاب فى الحديقة دون صوت سوى لهاث متقطع ولكن نباحها الوحشى يخلع القلب إذا ما عبثت ريح قوية بفروع الأشجار أو إذا ما بكى رضيع فى الليل.
( 3 )
الشائعات حول هذا القصر لا نهاية لها ولكل منها أنصار ومكذبون من أبناء الحى.
فى البدء قبل سنوات قليلة شاع على نطاق واسع الاعتقاد بأنه مقر لأحد أجهزة الأمن السرية، خصوم هذه الإشاعة لفتوا الانتباه إلى أن الحراس ليسوا من الشرطة ولا من الجيش ولكنهم حرس خاص، ثم أين هم رجال جهاز الأمن هنا ومتى يمارسون عملهم؟
هذه الشائعة تتلاشى بالتدريج.
أصحاب الخيال الواسع أشاعوا أن القصر قصر لطائفة عبادة الشيطان ولا تستند هذه الشائعة إلى أى دليل سوى أن المبنى الذى يخيم عليه الصمت باستمرار تنبعث منه فى أحيان نادرة جدا أصوات فحيح أو صرير متصلة تشبه الموسيقى المعدنية الحديثة التى يقال إنها من طقوس العبادة الشيطانية.
أعداء الإشاعة دحضوها أيضا بدليل دامغ لا يمكن للحكومة أن تسمح بوجود مقر علنى لهذه الجماعة يعرقل حركة المواطنين مع ما هو معلوم من أن الحكومة لا تسمح أبدا بعبادة الشيطان.
شائعة ثالثة يتبناها مدّعو العلم ببواطن الأمور ،لا تقل غرابة عن سابقتها وإن يكن دليلها أقوى، مفادها أن القصر فى الحقيقة خال تماما ولا يسكنه أحد وتجد هذه الإشاعة صدى؛ لأن أيا من السكان لم ير على الإطلاق أحدا يدخل القصر أو يخرج منه فى أى وقت من النهار أو الليل، يرد منكرو هذه الإشاعة بأن جراج القصر يقع تحت الأرض وأن مخرجه يمكن أن يكون فى أى شارع قريب أو بعيد.
أنفاق سرية يعنى؟
لم لا. وإلا فلماذا كل هؤلاء الحراس والكاميرات والكلاب والحواجز.
كل هذا خداع وتمويه.
خداع لأى غرض وتمويه على من؟
عند توجيه هذا السؤال يحدث تراجع فورى من مروجى الإشاعة ويقولون معك حق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟نحن المخطئون فعلا.
لكنهم يتبادلون فيما بينهم نظرات تفاهم عميق.
أصحاب الفكر الظاهرى الذين لا يعترفون من حيث المبدأ بوجود بواطن خفية لأى شىء فى الحياة يقولون إن أصحاب القصر أو سكان القصر أو مستأجرى القصر يأتون وينصرفون بطرق مجهولة وفى أوقات لا يعلمها أحد وإنهم يزاولون عملا مهما أو لا يقومون بأى عمل ولكن حيثياتهم مهمة، قد يكونون مصريين وقد يكونون أجانب ولكن الحكومة تعلم بالتأكيد بأمرهم وتعلم أنه لا خطر منهم فأين المشكلة؟
الظاهريون إذن، وهم الكثرة الغالبة فى الحى، أراحوا واستراحوا على عكس المتمردين والساخطين.
( 4 )
ذات ليلة مثلا يجلس عجوزان من البقايا النادرة لمثقفى الزمن الماضى فى أحد بارات الحى القليلة المحكمة الإغلاق ذات الواجهات الشديدة التخفى.. أحدهما المهندس عاشور وكنيته بيكاسو تعرض لإصابة مباشرة من القصر يسكن فى مواجهته عبر الشارع العمومى ويجهل مثل الجميع أى شىء عنه.
شهد تطور الحكاية منذ البدء، ورث شقته القديمة الواسعة عن والده الذى كان مهندسا كبيرا يملك مكتبا استشاريا فى وسط القاهرة، أراد عاشور منذ صباه أن يدخل كلية الفنون الجميلة لكن الوالد أصر على أن يدرس الهندسة ليخلفه فى المهنة، قال إن الفن موهبة أكثر منه دراسة ووعد مع ذلك بأن يكلف مدرسين خصوصيين بتعليمه الرسم فى العطلات الجامعية، نفذ أبوه وعده لكن اهتمام عاشور بالفن بعد تخرجه فى الجامعة فاق تركيزه على الهندسة، وبعد وفاة والده تنازل طواعية عن المكتب لأخيه الأصغر الذى لمع اسمه فى عالم المقاولات، قنع عاشور بالعمل مهندسا فى الحكومة، وأقام معرضا واحدا غير أن أعماله السوريالية لم تحقق أى نجاح فلم يكرر التجربة، كان مرتبه أيامها كبيرا نسبيا فاستطاع أن يقتنى لوحات لفنانين كبار مثل عزالدين حمودة ورمسيس يونان وناجى، بل اقتنى لوحة صغيرة لمحمود سعيد نفسه.
كان خبيرا بالفعل فكوّن مجموعة قيمة من لوحات الفن المصرى الحديث وقال مازحا: إن لم أشتهر كفنان فسأشتهر بعد ذلك بمجموعتى مثل محمد محمود خليل.
غير أن ذلك أيضا لم يتحقق مع الأسف، فقد تغيرت الظروف ولم يعد المرتب يكفى فاضطر إلى بيع معظم مقتنياته ليدفع أجور الدروس الخصوصية لابنته التى درست الطب.
كان القصر ملهما له فى بعض فترات حياته، جاوره عندما كان فى الأصل سفارة لإحدى دول أمريكا اللاتينية وشهد الحفلات التى كانت تقام فى حديقته الكبيرة واستوحى منها بعض لوحاته، وعندما انتقلت السفارة إلى حى آخر علقت على بابه لافتة «للبيع لعظيم» إلا أن العظماء تأخروا فتدهور حال الحديقة والقصر، وألهمته الحديقة الجرداء بأشجارها الذابلة وغصونها العارية من الخضرة بعضا من أفضل اللوحات السوريالية التى يعتز بها، والتى تتشابك فيها خطوط عشوائية يغلب عليها اللونان الأصفر والرمادى على خلفية حمراء نارية أعطاها عناوين تليق بها مثل إيقاعات خربة و«أهازيج الجنون» إلخ.
ثم قيض لعاشور فى شيخوخته أن يعايش التغير الذى انتاب القصر والحى فأضيفت إلى همومه وخيبات أمله فى الحياة هموم جديدة.
مع أن بيته يقع خارج الشارعين المحظورين ومع أن كل الحراس ورجال الكمائن يعرفون شكله جيدا ويحفظون وجهه فالأمر لا يسلم يوقفونه بين الحين والآخر ويطلبون بطاقته بلطف وأدب. فى العهد الجديد الذى سبق ترميم القصر لم يكن يحمل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ للبوابين وسائقى التاكسى، اعتاد بعد أمسيات البار أن يمضغ لبانا وأشياء كثيرة تعطر رائحة الفم وينفث بلا انقطاع دخان سجائر، والآن أصبح عليه أيضا أن يراعى المشى فى الشارع بخطوات مستقيمة وأن يتجنب أى شبهة للترنح أصبح يسير ناظرا بعناية إلى حركة قدميه بالإضافة إلى ذلك أرغمته إشاعة الميكروفونات الحساسة والكاميرات المتلصصة على تجنب الخوض فى كثير من الموضوعات وإتيان كثير من الحركات فى بيته.
تباعدت مرات زيارته وقل حديثه فى البيت وجدت زوجته ذلك تغييرا إلى الأفضل، اعتبرت مظاهر الاكتئاب التى بدت عليه نوعا من النضج.
فى تلك الليلة إذ به كان يجلس فى البار مع زميل دراسته وصديق عمره المهندس البهنسى، ومع أن البهنسى قد خرج مثله إلى المعاش قبل بضع سنين إلا أنه ما زال يعمل مستشارا بعقد يتجدد كل سنة فى إحدى الهيئات الحكومية الحساسة.
مع ندرة مرات الشراب أصبح المهندس عاشور يشعر بشىء فى رأسه بعد أول كأس غلب عليه ليلتها الحنين إلى الماضى واعتبره جميلا جدا، بدا يتحدث للبهنسى عن أمسيات الصيف أيام الشباب فى الإسكندرية عندما كانا يجلسان على رصيف المقهى المواجه للبحر يحتسيان البيرة ويشتريان الجندوفلى والجمبرى من الباعة الذين يطوفون عليهم بسلال معلقة فى مرافقهم، بينما تمشى على الكورنيش فتيات ونساء رشيقات لسن أفيال أزياؤهن أنيقة وزينتهن جميلة، ويذكّر ذلك عاشور بشىء ما فيسأل صاحبه بصوت مرتفع قليلا: هل رأيت أيامها يا سعادة البك أحدا أصابه سعار جنسى لأنه رأى امرأة تلبس المايوه على البلاج؟ وهل قرأت أيامها بنفسك عن أى جرائم اغتصاب؟
لا. لم ير البهنسى بك ذاك ولم يقرأ عن هذا، غير أنه يريد أن يغير الموضوع الشائك فيقول لعاشور وهو يضحك: على فكرة أتعرف أننى اكتشفت من الذى يسكن القصر؟
يتطلع له عاشور مبتسما مدركا أن صديقه يمزح فيكمل البهنسى: هو بالضبط جبلاوى نجيب محفوظ ولا أحد غيره! وسئم أولاد حارتهم فانتقل إلى حيِّنا المنكوب ليعذب أولاد الأفندية.
يضحك عاشور ويقول: أو ربما يكون القصر قلعة كافكا.
لم يكن البهنسى قد قرأ رواية كافكا فلم يفهم الدلالة الرمزية لحكاية القلعة هذه، لكنه هز رأسه موافقا وقال بعد لحظة تأمل استوعب بها جرعة من كأسه.
كأنه ما كان ينقصنا هو هذا القصر، كما لو كانت هناك أزمة فى الألغاز!
أكمل عاشور وقد تجدد انفعاله: نعم كما لو كانت كل الأشياء الأخرى مفهومة فى هذه المعيشة الزفت والبلد ال....
رفع البهنسى يده أمام وجه صديقه وقال بحزم: كفى!
انتاب عاشور الخجل عندما لاحظ أنه رفع صوته أكثر مما ينبغى وأن كل الأنظار فى البار مصوبة نحوه رفع كأسه ولوح بها لكل من حوله وهو يقول بابتسامة مذنبة أنا آسف!
أما البهنسى فكان يجول ببصره متلصصا يفحص الزبائن: هل منهم من يعرفه؟ ثم نقل الحديث بعد ذلك ببراعة إلى بيكاسو الحقيقى كان عاشور يعتبره أعظم عبقرية عرفها تاريخ الفن بينما يعتبره البهنسى منحلا ومهرجا وهادما لقيم الفن الحقيقى، احتدم النقاش بين الصديقين حول الرسام السوريالى فيما تبقى من الأمسية ولكنه احتدام لا خطر منه يشبه مشاجرات ضيوف الندوات التليفزيونية فى الموضوعات المسموح بها.
( 5 )
فى الليلة نفسها كان يدور حوار آخر بين حراس القصر، والحراس بالطبع أناس من الناس لهم مسراتهم وهمومهم، صحيح أنهم أشداء على الغرباء لكنهم متعاطفون فيما بينهم، يقضون معظم أوقاتهم فى مكان العمل فلا يخفى سر واحد منهم عن أخيه، لحظتها كانوا متجمعين بجوار السور يستمعون فى انتباه إلى زميل لهم يشرح شيئا هو «جابر» أقدمهم فى العمل وأكبرهم سنا.
كان جابر يقول: إنه يعانى من البواسير منذ سنين أجرى جراحتين ومع ذلك لم يتوقف النزيف ولا الألم، كل المجالس لا مؤاخذة عبارة عن تعنية وعذاب داخ طويلا مع الأطباء وجرب كل المراهم والأقماع وحتى وصفات العطارين و(لبخات) الأعشاب ولكن دون أى فائدة.
الخلاصة أن له صديقا صالحا هو أستاذ فى كلية الهندسة وصالح كأنه ولى من الأولياء سمع أن له بالفعل كرامات ويعرف هذا الأستاذ مشكلته ويعرض عليه عرضا لم يسمع بمثله من قبل أن تجرى له الأرواح جراحة تخلصه من البواسير إلى الأبد، قال له إن الذين يجرون هذه الجراحات الدقيقة هم من نوابغ الأطباء الأتقياء الذين انتقلوا إلى العالم الآخر يمارسون المهنة من هناك بطرق روحية لعمل الخير لا غير وإن كان لابد أيضا من واسطة من الأرض لابد من اتصال يجريه معهم أحد الصالحين لعرض الحالة واستئذانهم ليقوموا بالتدخل الجراحى، جربهم صديقه الجامعى فى جراحات أصعب من البواسير بكثير ونجحت بنسبة مائة
فى المائة.
يضحك أحدث الحراس التحاقا بالعمل المسمى أمين فينهره بقية زملائه ويغمغم معتذرا فيقول له زميله عثمان بصوت عميق وقويا: أخ أمين أنت طيب ولكن لو ظللت على تهورك فلن تكمل معنا ثم يلتفت إلى جابر قائلا باهتمام شديد: وبعد؟
يرد جابر قائلا: هذا هو كل شىء هو يصدق بالطبع كل ما يقوله صديقه الجامعى الصالح ويثق أنه لا يكذب أبدا لكنه مع ذلك خائف.
يسأله عثمان: هل طلب منك شيئا لاستشارة أرواح الأطباء؟
فيرد: أبدا لم يطلب شيئا غير تاريخ ميلادى وفصيلة دمى واسم أمى الثلاثى، عند ذلك يدلى الحراس بآرائهم فى الموضوع وتتداخل تعليقاتهم وأسئلتهم فيرد جابر:
لا. قال صديقه أنه لن يكون هناك تخدير ولن يشعر بألم.
نعم هو يفكر مثله يسأل نفسه ما الذى ستخسره يا جابر لو حاولت؟
ولكنه خائف فقط سيتلو أدعية خاصة قبل النوم يزوده بها صديقه ليلة الجراحة، نعم ستجرى الأرواح الجراحة أثناء نومه ولن تكون هناك مشارط ولا دماء لا يعرف إن كان الأطباء الراحلون يعالجون آلام الأسنان أم لا سيسأل.
ما الذى يخيفه؟ لا يدرى ربما لأنه لم يجر جراحة من هذا النوع من قبل، يرتفع صوت عثمان الغليظ الذى لم يشارك فى هذه الأسئلة ليقول بهدوء ولكن بشكل قاطع: ابتعد عن هذه السكة يا جابر يحدث صمت يتطلع الجميع نحوه يكمل: لك حق أن تخاف أنا أعرف هذه المسالك.
أصدق أن صاحبك رجل صالح وأنه يريد أن يخدمك ولكن فلتحذر أنت وليحذر هو هل يعرف يا جابر ما يمكن أن يحدث لو وقع اسم أمك وهو يتصل بالأرواح على سمع جن كافر؟
ثم سكت لحظة قبل أن يضيف بلهجة حزينة لو رقد عليه جن شرير يا جابر فستتحسر على أيام البواسير أسألنى فأنا أعرف.
لكن لم يكن هناك وقت ليسأل جابر زميله.
فجأة ينقطع التشاور وتعيد القعقعة المفاجئة الحراس من عالم الأرواح إلى الأرض.
يتطلعون فى ذهول إلى ما يحدث وسط الشارع الذى تسده الحواجز الحديدية.
( 6 )
كيف لم ينتبهوا إلا والعربة الصغيرة تتدحرج فوق المطب الصناعى؟
كيف غفلوا عن واجبهم الأول؟
هجموا جميعا على الرجل الأشيب فأصابه الذعر، أسرع وهو يدفع أمامه عربته النحيلة فزاد ارتجاجها وصريرها تناثرت بعض حبات السودانى على الأرض.
ورسم الدخان الأبيض المتصاعد من المدخنة ضبابا متعرجا مع تقافز العربة.
لم يستغرق ذلك غير لحظة. فى ثوان أحاط الحراس جميعا بعربة السودانى وأمسكوا بذراعى صاحبها العجوز الذى ظل مع ذلك متشبثا بمقودى عربته الخشبيتين.
بطاقتك؟
لا أستطيع أن أخرجها يا باشا إلا إن تركت ذراعى، لكن صوت جابر يرتفع وهو يشير لزملائه ليس هنا أخرجوه هو وعربته أولا.
تغيرت لهجة جابر الآن من وداعة التشكى إلى لهجة مهنية حازمة يعيد الأمر إلى الحراس أخرجوه نحن لا نعرف ماذا فى هذه العربة المصيبة.
يشير إلى عدد من الحراس بأن يبقوا فى الموقع، بينما يتبع هو الآخرين الذين يدفعون البائع أمامهم بعنف اتجاه الرجل والعربة نحو
الشارع العمومى وأرغموه على أن يقود عربته وهم يقبضون على ذراعيه ويدفعونه فى ظهره.
ينفذون من بين فتحات الحاجز الحديدى ويقفون فى الشارع العمومى على بعد مسافة من القصر.
يرفعون قبضاتهم عن ذراع واحدة ليخرج البطاقة من جيب جلبابه الداخلى يتفحص جابر البطاقة تحت عمود النور ويبدأ تحقيقه، يسأل الرجل عن عمله.
يبيع الفول السودانى
هل لديه ترخيص بائع جوال؟
لا هو بائع سريح «يا باشا»
يهوى كف مفاجئ له رنين على قفاه: أجب على قدر السؤال.
يكتم العجوز تأوهه، تعوّد من زمن بعيد على احتمال النوازل بصبر.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لا ليست معه رخصة بائع شيال «يا باشا».
يتطلع جابر فى البطاقة من جديد مقربا إياها من عينيه ثم يضحك.
المهنة المكتوبة فى البطاقة تاجر.. تاجر فى أى شىء يا شاهبندر.
كان ينوى بعون الله أن يفتح «مقلة» أراد أن يدخر و ...
يقاطعه جابر بصوت خشن: يكفى هذا اللعب من أنت يا شاطر؟ من أرسلك ماذا فى هذه العربة؟
لا يعرف بم يجيب هل يضربونه مرة أخرى لو قال إنه بائع سريح؟
فيها فول سودانى «يا باشا»
وماذا أيضا؟
لب أبيض ولب أسمر.
وقنبلة؟
حد الله يا باشا أنا أرزقى على باب الله
إذن كم دفعوا لك؟
لكن جابر يتذكر شيئا وسط مجرى التحقيق فيصدر أمرا إلى عثمان: بسرعة جهاز الكشف
يجرى عثمان ملبيا الأمر ويقترب أحد الحراس من جابر يجذبه من ذراعه ويهمس فى أذنه: رأيت هذا الرجل كثيرا يتجول بعربته فى شوارع قريبة من هنا.
فيرد جابر هامسا بدوره إذن فالملعون كان يراقبنا من مدة دون أن ندرى؟
يعض الحارس على شفته ويقول خجلا من نفسه: فاتتنى هذه سامحنى يا أخ يعود جابر إلى مخاطبة الكهل.
رد دون استعباط هل أنت أعمى مثلا؟ ألم تر الحواجز التى تسد الشارع؟ من الذى أمرك بالتسلل منها؟ وكم دفعوا لك؟ أم أنك واحد
منهم؟
تتغير لهجة جابر للمرة الرابعة فيقول بصوت غاضب مذبوح: تكلم يا إرهابى يا ابن الكلب!.
يفهم الحراس الآخرون رسالة خاصة من هذا السؤال ومن التغيير الأخير فى اللهجة فينهالون على البائع من كل جانب ضربا بالأيدى
والأرجل على وجهه ورأسه وفى جنبيه وظهره وساقيه ولم يستطع فى هذه المرة أن يكتم ألمه فصرخ مستغيثا: يا باشا فى عرضك يا باشا أنجدنى يا باشا ...
فى تلك اللحظة عاد عثمان مهرولا ونقل لجابر رسالة موجزة: جهاز الكشف فى السيارة والسيارة مغلقة مفتاحها مع الباشا والباشا يصلى العشاء فى الزاوية.
يهز جابر رأسه ولكنه يقول فى غضب دون أن يحول وجهه عن عثمان:
يا أمين بطل دناوة ليس هذا وقته.
يكف أمين عن كبش السودانى والتهامه يخرج أيضا بعض الحبات من جيوبه ويعيدها إلى العربة كان قد سمع الرسالة التى حملها عثمان فأراد أن يصلح غلطته.
قال: يا باشا هل هذه العربة مشكلة؟ ضربة واحدة تراجع للخلف خطوتين وثنى ركبته واندفع نحو العربة فارتفعت صرختان، صرخة جابر الذى أسرع يتشبث بذراعى أمين ويجذبه للخلف والبائع الذى نسى ألمه واندفع يحتضن عربته بامتداد ذراعيه وهو يصرخ: السبوبة!
وقال جابر لأمين وهو يكز على أسنانه: يا غبى لو فى العربة قنبلة فعلا كنت ستقتلنا كلنا.
ثم دفع أمين بيده بعيدا وعاد يخاطب العجوز مهددا: ألن تعترف يا ولد؟ هل أطلب لك البوليس؟ ستندم لو جاء البوليس وحكيت لهم عما فعلت. ستندم فعلا.
التفت العجوز نحوهم وقال فجأة بنبرة تحد سافر: تريد أن تعرف؟
الباشا هو الذى بعثنى ثم صرخ من جديد بأعلى صوته: يا باشا يا باشا
أى باشا يا حمار؟
لا حمير إلا أنتم
( 7 )
قالها رجل طويل يرتدى ملابس مدنية أنيقة خرج من مدخل عمارة مواجهة فى الشارع العمومى تقدم من الحراس المتجمعين حول العربة فصاح جابر متعرفا ومذعورا: الباشا الكبير!.
ثم تخشب جسمه ورفع يده بتحية رسمية. وعندما سمع بقية الحراس لقب رئيسهم الأعلى الذى لم يره أحد منهم أبدا لا يعرفه شكلا إلا أقدمهم فى الخدمة تجمدوا فى أماكنهم فى وقفة انتباه ورفعوا أيديهم بالتحية مثل جابر أشار لهم الباشا الكبير باشمئزاز فانزلوا أياديهم المرفوعة لكنه صاح بصوت عال آمر دون أن يرفع رأسه.
كله يقفل الشبابيك.
تتابع على نحو سريع صفق الشبابيك المفتوحة واختفت وجوه الجيران التى كانت تطل على ما يجرى.
قال المهندس عاشور لزوجته فى تشف بعد أن أغلقت الشيش: الحمد لله وقعوا فى بعض.
لكن زوجته أشارت بيدها عبر الشباك المغلق إلى حيث الكاميرات والميكروفونات فلزم الصمت على الفور.
فى الشارع خاطب الباشا الكبير جابر بهدوء شديد متى نويت أن تجرى العملية إن شاء الله؟ وكيف يمكن أن نهنئ أطباءك
لو نجحت العملية؟ هل هكذا علمناكم يا غجر؟
لم تخرج من فم جابر غير كلمة متقطعة: يا ... يا ... شا ...
غير أن العجوز اندفع نحوه وقال متشكيا: ضربونى يا باشا! نفذت أوامرك وصبرت عليهم فضربونى ناديت عليك كثيرا فلم تسمعنى يا باشا.
لم ينظر الكبير إليه لكنه أخرج من جيبه ورقة مالية قدمها له بامتداد ذراعه وهو يقول بلا مبالاة أمش أنت الآن.
أمرك يا باشا.
بدا يدفع عربته لكنه توقف أمام جابر حتى كاد يلتصق به وزعق فى وجهه آمرا: بطاقتى يا أفندى
مد جابر يده ذاهلا فاختطف منه البطاقة دون أن يرخى عينيه عن وجه معذبه وكرر بسعادة وهو ينصرف الإهانة التى ابتكرها: بالسلامة يا أفندى.
عاد الباشا الكبير يخاطب رجاله وغضبه يتصاعد هو لا يصدق نفسه حتى الآن لا يصدق فعلا أن ما حدث قد حدث كان يريد فقط أن يعرف كيف سيتصرفون لو حاول أحد أن يعبر الحواجز الحديدية، هل سيتركونه طويلا أمام الحاجز؟ وكيف سيفتشونه هو وعربته
إلكترونيا؟ ولكن أن يصل الأمر إلى أن يتوغل حتى الأسوار ويدمرها لو كانت هذه نيته! كيف سيبرر ذلك للناس؟ هل نلومهم لو طردونا
جميعا؟
ارتفع صوت أمين فجأة كأنما بالرغم منه: ولكن من هم الذين سيطردوننا يا باشا؟
ارتفعت أصوات زملائه همسا وصراخا: اسكت أخرس لا تضيعنا يا أمين! فدافع عن نفسه محتجا وأن تهدج صوته وكأنه على وشك البكاء:
ما الغلط؟ ألا يجب أن نعرف من الذين نحرسهم بالضبط لنؤدى عملنا كما يجب؟
عاد لغط زملائه من جديد يبرئون أنفسهم من تهوره لكن الباشا الكبير قاطعهم مخاطبا أمين:
تريد أن تعرف من تحرس؟ أنت تحرس أكل عيشك يا فندى فهمت؟
لو كررت هذا السؤال مرة أخرى أمامى أو من ورائى فستكون أخر ساعة عمل لك هنا.. فهمت؟
لكن ما أنقذ أمين لحظتها هو ظهور الباشا الصغير الذى وصل جريا
وهو يرفع جهاز الكشف الإلكترونى فى يده مثل مضرب التنس.
قال الباشا الكبير بهدوئه المبالغ فيه: حرما فتجمدت يد الباشا الصغير المرفوعة بالجهاز فى لقطة صامتة. ولم تدم هذه اللقطة طويلا ارتطم به الجسم الثقيل من الخلف فطرحه على الأرض.
ثم بدأت صرخات الحراس جميعا تختلط بالنباح المسعور وأخرج الباشا الكبير مسدسه من جيبه ولكن لم يطلق غير طلقة واحدة طاشت فى الهواء قبل أن يسقط بدوره على ظهره وهو يصرخ.
فتح بعض الجيران الشبابيك من جديد على صوت الطلقة والنباح فلم يروا أى شىء كانت أنوار القصر مطفأة والحى كله فى ظلام دامس لكنهم ظلوا لفترة يسمعون حشرجات مختنقة فى الطريق مع زمجرة نباح متصاعدة وبكاء الأطفال فى البيوت وصراخ النساء.
ظلوا يرهفون السمع غير أن كل الأصوات الآتية من الطريق انتهت بعد فترة قصيرة وأن ظل الظلام الحالك يلف الحى.
عندما عادت الأنوار بعد ساعة تقريبا فتح بعض الجيران جزءا من نوافذهم فاستبدت بهم الحيرة لم يروا كما توقعوا جرحى أو قتلى أو حتى دماء على الأرض كان سواد الإسفلت يلمع نظيفا تحت الأضواء الصفراء كالعادة.
الذين تواجه بيوتهم القصر رأوا الأضواء تتلألأ فى حديقته وتنير أسواره سمعوا لهاث الكلاب المعتاد ورأوا حراس القصر فى أماكنهم بثيابهم البيضاء الناصعة.
سأل المهندس عاشور زوجته وهو يحدق من خلف الشيش المغلق:
هل كنا نحلم؟ هل نحن الآن نحلم؟
قالت زوجته وهى تنظر مثله من وراء الشيش: ولكن هل هم نفس الحراس أم هم أشباه لهم؟
تهالك المهندس عاشور على مقعد مجاور للنافذة وهمس:
قولى أنت.. ما الذى يحدث لنا؟!
ثم هب فجأة من مكانه وفتح مصراعى الشباك بعنف وضجيج وصرخ بأعلى صوته:
قولوا !! ما الذى يحدث لنا؟ ما الذى يحدث؟
فجاوبه الصمت.
القصة من مجموعة «لم أعرف أن الطواويس تطير»
التى تصدر قريبا عن «دار الشروق».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.