التدخين ممنوع فى الشوارع إلا فى أماكن محدودة، ويمكنك التدخين شريطة أن تصطحب معك طفاية شخصية، وهى عبارة عن حافظة بلاستيكية صغيرة توضع فى الجيب ولا تشتعل بوضع السجائر فيها مشتعلة، لا تستخدم المحمول فى القطارات أو الأوتوبيسات أو المترو أو الترام، هل لأنها تؤثر على الأجهزة الملاحية لهذه المركبات؟ بالطبع لا ولكنها قد تؤثر على أجهزة تعويضية يستخدمها مواطنون مثل الأجهزة المعاونة للقلب أو للسمع. وإذا قدم لك يابانى قطعة من البنبون فلا تنزع الغلاف الورقى الخارجى لأنه مصنوع من مادة سكرية تذوب فى الفم وقد صنعوها على هذا النحو لحماية الشوارع من التلوث ويجب أن تسير موازياً للرصيف من الناحية اليسرى، وتترك منتصف الرصيف لأنه مخصص للدراجات. أكره المقارنة بيننا وبين غيرنا لأنها تصب فى النهاية بخانة الإحباط وطوكيو التى يسكنها 17 مليوناً لا تكاد تشعر بزحام فيها رغم كثرة المارة، الناس منظمون، يسيرون بشكل آلى فى الشوارع وأكبر محطة مترو فى العالم لا تفقد فيها طريقك.. التزم بالألوان وستصل فى النهاية إلى المكان الذى تريده. أسبوع كامل لم أسمع فيه آلة تنبيه إلا مرة واحدة وعندما استطلعت الأمر مثل غيرى، باعتباره حدثاً جللاً، قيل لى إن "كلاكس السيارة" أصيب بعطل مفاجئ.. نزل قائد السيارة منها وهو ينحنى للمارة وحمرة الخجل تسكن كل ملامحه.. اعتذر الرجل عن عطل صفارة التنبيه. الأمطار سيول لا تتوقف ولا تجد سيارة من الحى تسحب مياه الشوارع .. الرصيف يلمع مثل رخام القصور. حياة الناس لا تتأثر بأمطار أو زلازل وكلاهما يتسم بالاستمرارية.. لم نر عادماً يخرج من مؤخرات السيارات وآخر اختراعاتهم سيارة تقطع ال400 كيلو متر بلترين من البنزين فقط ولا عزاء لأصحاب آبار البترول .. لها محرك هجين أى يحمل مواصفات محركان احدهما يدار بالبنزين لبداية الحركة والآخر كهربائى يقوم ببقية الدور ويولد طاقته الكهربائية من حركة البنزين الأولى. واليابانيون لادينيون وتحكمهم عادات وتقاليد صارمة ويعقد العمال والموظفون فى كل شركة أو مصنع.. فى مطعم أو بار اجتماعاً صباحياً للاتفاق على العمل الذى سينجزونه فى يومهم ويقسمون بشرفهم وبصوت مرتفع على إنجاز ما اتفقوا عليه ولا يأخذ هذا الاجتماع أكثر من خمس دقائق، والدولة تكفى الفقراء إن وجدوا حاجتهم ولا يوجد فى اليابان متسول واحد.. فيها مجانين فقط يفقدون أعصابهم بسبب صرامة الحياة وجديتها رغم أنهم يتمتعون بإجازاتهم بشكل جنونى. والخطأ غير قابل للتكرار فى اليابان .. قام مريض عقلى بدفع بعض الواقفين فى انتظار المترو على القضبان .. أقاموا أسواراً زجاجية، بحيث لا يكون هناك أى فراغ يمكن تكرار الحادث من خلاله بحيث لا يتفتح الفراغات أمام أبواب المترو إلا مع أبواب المترو.. سقط طفل من على سلم متحرك فبترت أصابع يديه فألزموا جميع الأسواق التجارية بتركيب شريط كاسيت يكرر فى الإذاعات الداخلية، تحذير الأمهات من ترك أبنائهم. فى اليابان يمنحون الطفل الثالث فى الأسرة راتباً شهرياً ويشجعون الآباء والأمهات على الإنجاب إذ أنهم يتوقعون أن ينخفض عدد السكان عشرة ملايين خلال السنوات الخمس المقبلة والفشل فى اليابان عار لا يقل عن عار فقد الفتاة لعذريتها .. ينتحر الفاشل ويقتل الفاسد نفسه .. يحكمهم ضمير إنسانى لا علاقة له بالأديان. والشرطة ليست فى خدمة الشعب فقط، وإنما تخشى غضب الشعب، وعندما يتصادف أن ترى حواراً بين شرطى ومواطن تستطيع أن تعرف جيداً كيف تحترم الدولة شعبها ولا ترى رجال الأمن بزيهم فى محطات المترو أو القطارات إلا إذا كانت هناك معلومات تشير إلى خطر مقبل، والمواطنون متعاونون إلى أقصى درجة، نسى أحد ركاب القطار حقيبة سوداء، فاتجهت سيدة كانت تجلس بجوارنا بعد أن حذرتنا من الحقيبة إلى قائد القطار الذى أمر أحد معاونيه وجرت اتصالات ولم يطمئنوا إلا بعد أن علموا أن صاحبها أبلغ فى المحطة السابقة عن مواصفاتها ومحتوياتها. فى اليابان شعب يعمل ليل نهار وحكومة تسترضى الشعب وتسهر على خدمته وفى مصر حكومة تستعبد الشعب وشعب يضحك على الحكومة وفى اليابان لا يغنون لليابان وفى مصر نغنى على مصر. طوكيو - عصام كامل