الثلاثاء إعادة 55 دائرة فى «ثانية نواب» |139 مقرًا انتخابيًا بالسفارات فى 117 دولة.. وتصويت الداخل غدًا    منتدى «السياحة والآثار» وTripAdvisor يناقشان اتجاهات السياحة العالمية ويبرزان تنوّع التجربة السياحية المصرية    في جولة ليلية.. محافظ الغربية يتفقد رصف شارع سيدي محمد ومشروعات الصرف بسمنود    العمل: طفرة في طلب العمالة المصرية بالخارج وإجراءات حماية من الشركات الوهمية    مصير أسعار الذهب في 2026 بعد خفض الفائدة الأمريكية؟    مستشار رئيس «التعبئة والإحصاء»: بناء قاعدة بيانات دقيقة حول الثروة العقارية    رئيس مياه المنوفية: تحسين جودة الخدمات للمواطنين وتسهيل الإجراءات    الاتحاد الأوروبي يدرج 40 سفينة على القائمة السوداء لنقلها نفطا روسيا    زعيم المعارضة الإسرائيلية: نتنياهو أصبح وصمة عار على إسرائيل عالميًا    تامر أمين: مجلس نادي الزمالك يريد حل أزمة الأرض عاطفيًا.. والدولة ملزمة بالقانون    غزل المحلة يطلب ضم ناصر منسى من الزمالك فى يناير    الأمر سيصعب على برشلونة؟ مدرب جوادلاخارا: عشب ملعبنا ليس الأفضل    التعادل 4-4 يُنهي لقاء مان يونايتد ضد بورنموث بالدوري الإنجليزي    القبض على عاطل أنهى حياة شقيقته خنقًا بعد اكتشاف حملها سفاحًا من طليقها بالعمرانية    سقوط حاويات فارغة من أعلى قطار بجوار طريق الإسكندرية الزراعي دون إصابات    تعرف على تفاصيل تعطيل الدراسة اليوم بمحافظة شمال سيناء.. فيديو    إخماد حريق سيارة ميكروباص أعلى الطريق الدائري بالبراجيل    بتهمة الإتجار في المواد المخدرة المؤبد لعاطلين وغرامة مالية بقنا    السكة الحديد تكشف تفاصيل اصطدام قطار بسيارة نقل محملة بأعمدة كهرباء بمطروح    حضور ثقافي وفني بارز في عزاء الناشر محمد هاشم بمسجد عمر مكرم    إبراهيم المعلم: كتاب المفاوضات السرية لهيكل الأكثر مبيعا في مسيرة دار الشروق    عمرو أديب مُهاجمًا محمد صبحي بسبب فيلم "الست": أنت عايز تعمل مؤامرة على مصر؟    اعتماد أوروبى للبلازما |مصر سادس دولة فى العالم تحقق الاكتفاء الذاتى    يا أعز من عينى.. إحساس راق من نسمة محجوب فى برنامج كاستنج.. فيديو    متحدث الصحة: إطلاق الرقم الموحد 105 لتلقي استفسارات المواطنين    متحدث الوزراء: لا مساس بأسعار الخدمات الطبية المقدمة لمحدودي الدخل    بدء تطبيق المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحى الشامل في هذا الموعد    المحكمة الجنائية الدولية ترفض طلب إسرائيل بوقف تحقيق جرائم حرب غزة    دراما بوكس| ظهور مميز ل إنجي المقدم في «الست موناليزا».. وركين سعد تتعاقد على «أب ولكن»    شعبان يوسف: تجاهل معارك طه حسين مع درية شفيق غير جائز    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. "الإفتاء" تُجيب    تركيا تسقط طائرة مسيّرة اقتربت من مجالها الجوي فوق البحر الأسود    الإدارية العليا ترفض الطعون المقدمة في بطلان الدوائر الانتخابية في قنا    عيد البحرين ال 26 |القاهرة تثمن مواقف المنامة تجاه القضية الفلسطينية    خبير استراتيجي: داعش يعيد بناء نفسه في البادية السورية.. وواشنطن تستثمر حادث تدمر لشرعنة قاعدة عسكرية    "الوطنية للانتخابات": إغلاق 31 مقرًا باليوم الأول من جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب بالخارج    شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين يهنِّئ جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بمناسبة اليوم الوطني ال54 لمملكة البحرين    اللمسة «الخبيثة» | «لا للتحرش.. بيئة مدرسية آمنة» حملات توعية بالإسكندرية    الأهلي يستعد لضربة هجومية كبرى في الشتاء    نجلة جلال الشرقاوي تكشف سرا عن شقيقة الزعيم الراحلة    تقارير إعلامية: القبض على نيك راينر بتهمة قتل والده المخرج روب راينر ووالدته ميشيل سينجر    عاهل الأردن يلتقي رئيس الوزراء الهندي لتنسيق الجهود الإنسانية والإقليمية    وزير الأوقاف: الانضباط المؤسسي ومجابهة التطرف في صدارة أولويات المرحلة    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟ الأزهر للفتوي يوضح    نائب رئيس جامعة عين شمس: تقديم أوجه الدعم والرعاية للطلاب الوافدين    ضبط المتهمين في مشاجرة دامية بالبحيرة| فيديو    قمة عربية نارية الليلة.. السعودية تصطدم بالأردن في كأس العرب 2025 والبث متاح للجماهير    البحيرة تستعد لأمطار اليوم: المحافظ ترفع درجة التأهب بجميع المراكز والمدن    سعر طن حديد عز.....اسعار الحديد اليوم الإثنين 15ديسمبر 2025 فى المنيا    "صحة الشيوخ" تُسرّع دراسة إنشاء مستشفى جديد بحلوان بعد توقف القرار 3 سنوات    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    الزمالك ينتظر انتظام عدي الدباغ في التدريبات الجماعية اليوم    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عفاريت فى حقيبة صحفية
نشر في اليوم السابع يوم 14 - 10 - 2010

حينما توقفت عن كتابة مقالات صحفية خارج صحيفتى الأهرام، بعد قرار الإدارة العام الماضى بعقابنا مالياً على كتابة مقالات الرأى، بدأت كتابة مذكراتى عن عشرين عاماً فى بلاط صاحبة الجلالة على الفيس البوك، على أمل أن أجمع هذه المقالات لتكون نواة لكتاب يؤرخ إلى حد ما للعشرين عاماً الماضية فى الصحافة المصرية.
وحين اتفقت مع الصديق خالد صلاح على العودة للكتابة اليومية فى اليوم السابع توقفت عن تدوين هذه المذكرات، لكن آخر ما كتبته يظل عزيزاً على قلبى، لأننى تلقيت بسببه اتصالاً هاتفياً من المرحوم الصحفى الكبير والقدير والمحترم محمود عوض، مبدياً إعجابه بما كتبت، وداعياً أن أستمر فى كتابة مثل هذه النوعية.
غاب محمود عوض بسبب الموت، وبالأمس كنت أفتقده كثيراً، أحن إليه وإلى حوار قصير معه لأخذ رأيه فى بعض ما أمر به، فعدت إلى قراءة هذا النص وقررت أن أنشره هنا فى اليوم السابع مع حكاية آخر مكالمة مع محمود عوض، ربما لأنه لم يعد فى الوسط الصحفى أساتذة كبار من نوعية محمود عوض يتصلون هاتفياً بمن كانوا تلاميذاً لهم ليراجعوهم فيما كتبوا، ويشدوا على أياديهم، ويدعمونهم فى أيامهم الصعبة.
أمضيت 18 شهراً فى بداية عمرى الصحفى فى جريدة الشعب دون أن أتقاضى مليماً واحداً، ورغم أننى كنت صحفياً نشيطاً، وحققت انفرادات صحفية عديدة، خاصة فى مجال الآثار، فإننى لم أتقاضَ أى ميلم من الجريدة حتى ذهبت إلى المحلة الكبرى لتغطية مظاهرات عمالية فى عام 1989 استمرت عدة أيام، ورأى المرحوم الأستاذ عادل حسين رئيس التحرير أنها تغطية مميزة عن سائر التعطيات الصحفية الأخرى، فوضع يده فى جيبه وأخرج عشرين جنيهاً كمكافأة تميز.
شعرت بالإهانة ورفضت أخذها وقلت لطلعت رميح مدير التحرير: أرفض أن أخذ أية أموال من جيب أحد، فأنا أعمل منذ عام ونصف دون أى مقابل، ويبدو أن طلعت نقل هذا الكلام إلى رئيس التحرير، فقرر منحى مكافأة ثابتة مقدارها ثمانين جنيهاً قبل أن يقرر تعيينى فى الصحيفة بعدها بأشهر قليلة.
لم يكن الحصول على مكافأة مالية من "الشعب" هو الهدف، فأملى كان التعيين والحصول على عضوية نقابة الصحفيين، أما نفقات الحياة فقد وفرتها بالعمل الإضافى فى مجلة المجالس الكويتية بترشيح من عادل حسين وطلعت رميح، ولأنها لم تكن مجلة سياسية، فقد انصب عملى بها على التحقيقات الخفيفة جداً من نوعية علاج المس وإخراج الجان من جسد الملبوسين.
ذهبت للعمل فى المجالس مع صديقى أحمد مصطفى الصحفى فى الشعب، وأحمد من الناس الذين تقابلهم مرة واحدة فى حياتك، ولا تستطيع التخلى عنه مهما حدث، عرفت أحمد مصطفى فى المدينة الجامعية لجامعة القاهرة فى الثمانينات، كان يدرس بكلية الطب البيطرى، ويعمل خلال الدراسة كمشرف تغذية فى المدينة الجامعية ثم كمترجم فى منظمة اليونسيف، وواصل العمل فى الشعب وهو طالب فى السنة الأخيرة بكلية الطب البيطرى وظل لسنوات يرفض أداء امتحان التخرج.
علمنى أحمد مصطفى الكثير من أمور الحياة حينما عملنا معاً فى الشعب وأقمنا فى شقة واحدة بشارع قصر العينى، أذهلنى أحمد بعلاقاته المتعددة والمتشعبة وحكاياته ويومياته، فتقريباً عاش أحمد فى كل أحياء القاهرة، ومناطقها الشعبية والتاريخية، من قلعة الكبش إلى الزاوية الحمراء، ويعرف تقريباً معظم سكان العاصمة ويزورهم، ووصل به الحال إلى أنه أصبح يعرف معظم سائقى التاكسيات فى القاهرة معرفة شخصية، إلى جانب أصحاب المطاعم والمقاهى والكافتيريات، لذلك لم نحمل هم عدم وجود نقود أبداً، فإذا ضربنا الجوع دخلنا أى مطعم وتناولنا ما نريد، لأن أحمد يعرف صاحب مطعم أو أحد العاملين به سيؤجل الدفع.
ذهبنا أنا وأحمد إلى المجالس وبدأنا فى كتابة تحقيقات عن المس، ذهبنا إلى كل الشيوخ المعالجين وبالقرآن والقساوسة المشهورين فى هذا المجال، وسجلنا بالكلمة والصورة كيف تنتشر الخرافة بين المصريين جميعاً وفى كافة الطبقات والمستويات، واستمعنا إلى أحاديث الجان من مختلف الجنسيات، لكن الجان اختصوا أحمد بميزات لم يعهدوا بها لى، وربما عرفوا أنه يعمل مترجماً فى اليونسيف ويجيد الإنجليزية بطلاقة، فتحدث معه جان من إنجلترا باللغة الإنجليزية!
ولا أنسى حين ذهب أحمد إلى المنصورة للتحقيق فى ظاهرة طفل عمره خمس سنوات يزعم أهالى طلخا أنه "مبروك"، ودخل أحمد مصطفى إلى المسجد الذى وضعوا به الطفل لينعم على الناس ببركاته، وحين انتهى من ملاحظة الموضوع خرج فلم يجد حذاءه، الذى سرق على باب المسجد ولم تفلح كرامات الطفل المبروك فى إعادة الحذاء، وأعطاه خادم المسجد "شبشب" يرتديه لحين شراء حذاء جديد.
الشيخ الصحفى الدكتور أحمد مصطفى كان مغرماً بعلم النفس، وبالغوص داخل الشخصية، وحين كنا نقيم فى الزيتون فى بداية التسعينات كانت ابنة صاحب المنزل الذى نعيش فيه تعانى من مشاكل نفسية، ويعتقد أهلها أنها "ملبوسة"، تكلم معها أحمد لبعض الوقت واستطاع حل مشاكلها النفسية، لكن المشكلة أن الخبر ذاع فى الزيتون، وأصبحنا نستيقظ من نومنا على أناس يطرقون الباب بحثاً عن الشيخ أحمد، الذى ذاعت شهرته فى حى الزيتون لدرجة دفعتنا إلى لملمة أغراضنا والبحث عن مسكن جديد.
بعد أربع سنوات سافر أحمد مصطفى للعمل فى هيئة الإذاعة البريطانية فى لندن، وانتقل منها رئيساً لتحرير النشرة الاقتصادية بتليفزيون دبى ثم رئيساً لتحرير النشرة الاقتصادية بقناة الجزيرة، ثم عاد رئيسا للقسم الاقتصادى بجريدة الحياة اللندنية قبل أن يعود للاستقرار فى هيئة الإذاعة البريطانية، ترك الطب البيطرى والترجمة وإخراج الجان وتخليص الناس من العفاريت، لكنه لم يتوقف أبداً عن كونه مواطن مصرى بسيط لى معه الكثير من الذكريات والحكايات اللتى سأنشرها فى كتاب أتمنى أن أصدره قريباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.