ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    تشكيل مجلس إدارة نادى الاتحاد السكندرى الجديد    لحظة اشتعال النيران في سيارتين وانفجارهما بشارع الجيش بالمنصورة (فيديو)    السيطرة على حريق أكشاك بمحيط محطة قطارات رمسيس.. صور    مصطفى بكري: "إسرائيل عاوزة تحاصر مصر من مضيق باب المندب"    مدير إدارة المساحة العسكرية: رصدنا 2 مليون تعدٍ على أملاك الدولة| حوار    فلافيو يكشف عن توقعاته لطرفي المباراة النهائية بأمم إفريقيا    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    أمم إفريقيا – مدرب مالي: كنا نستحق ركلة جزاء إضافية أمام المغرب    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    الاتحاد الإفريقي يرفض الاعتراف ب إقليم «أرض الصومال»    فين الرجولة والشهامة؟ محمد موسى ينفعل على الهواء بسبب واقعة فتاة الميراث بالشرقية    4 ملايين جنيه تطيح بصلة الرحم| ضرب وسحل بسبب خلاف على ميراث بالشرقية    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    الزوجة والعشيق وراء الجريمة.. كشف لغز العثور على جثة بشوارع أكتوبر    بعد تداول فيديو على السوشيال ميديا.. ضبط سارق بطارية سيارة بالإسكندرية    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    ترشيح وائل جسار لغناء تتر مسلسل "توابع" ل ريهام حجاج    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    في هذا الموعد.. قوافل طبية مجانية في الجيزة لخدمة القرى والمناطق النائية    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    لم يحدث الطوفان واشترى بأموال التبرعات سيارة مرسيدس.. مدعى النبوة الغانى يستغل أتباعه    السكك الحديدية تدفع بفرق الطوارئ لموقع حادث دهس قطار منوف لميكروباص    البنك المركزى يخفض أسعار الفائدة 1% |خبراء: يعيد السياسة النقدية لمسار التيسير ودعم النمو.. وتوقعات بتخفيضات جديدة العام المقبل    في احتفالية جامعة القاهرة.. التحالف الوطني يُطلق مسابقة «إنسان لأفضل متطوع»    إدارة المواقف بالبحيرة تحظر جلوس السيدات بجوار السائق في سيارات الأجرة والسرفيس    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    طارق سليمان: شخصية محمد الشناوى الحقيقية ظهرت أمام جنوب أفريقيا    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    خبيرة تكشف أبرز الأبراج المحظوظة عاطفيًا في 2026    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لإعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    محمد خميس يحتفل بزفافه ب «الجلباب الصعيدي» | صور    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    بدون حرمان، نظام غذائي مثالي لفقدان دائم للوزن    أخبار مصر اليوم: رسالة عاجلة من الأزهر بعد اقتحام 2500 مستوطن للأقصى.. قرار وزاري بتحديد أعمال يجوز فيها تشغيل العامل 10ساعات يوميا..التعليم تكشف حقيقة الاعتداء على طالب بمدرسة للتربية السمعية    الشدة تكشف الرجال    جامعة قناة السويس تستكمل استعداداتها لامتحانات الفصل الدراسي الأول    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    وزير التعليم العالي يفتتح استوديو جامعة بورسعيد بتكلفة 21 مليون جنيه.. صور    رئيس جامعة كفر الشيخ يفتتح المؤتمر السنوي السادس لقسم القلب بكلية الطب    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    الليلة في أمم إفريقيا.. المغرب يصطدم بمالي في مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد صلاح يكتب: «مدينتى» العقدة.. والعقود
نشر في اليوم السابع يوم 29 - 09 - 2010

ما نريده ليس القضاء على مشروع «مدينتى» أو تحويل حلم الحاجزين وحملة الأسهم إلى كابوس، لكن ما نريده أن تحكمنا قوانين عادلة تساوى بين الناس فى أى وقت، وفى كل وقت، لا أن تصبح القوانين لعبة تستخدم الحكومة منها ما تشاء، متى تشاء
يمكنك أن تقرأ مقالى هذا بعد أن تطالع أولا النص الكامل لقرار نيابة الأموال العامة بشأن حفظ التحقيقات فى قضية «مدينتى»، وهو النص المنشور على صفحات هذا العدد، ويمكنك أن تؤجل قراءة هذا المقال مرة أخرى، وتنتظر، حتى تعيد مطالعة حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا التى أبطلت العقد نفسه، انتصارا للدعوى المقامة من المهندس حمدى الفخرانى.
أما إن قررت أن تكمل قراءة المقال على أى حال، وبدون الرجوع إلى هذين النصين القانونيين، فلا تسألنى لماذا أصف ملف «مدينتى» بأنه (معجزة).
معجزة هى تلك القضية، تماماً مثل معجزة صاحبها هشام طلعت مصطفى، فالرجل الذى كاد أن يبلغ بمجده آخر نجوم هذه المجرة بمشروعاته التى جاوزت الأفق، لم يعد يعرف من الأفق سوى ما يتيحه شباك زنزانته الصغيرة، والمدينة التى شكلت حلماً لصاحبها وللدولة ولأكثر من سبعة وعشرين ألفاً من الحاجزين، كادت أن تتحول إلى كابوس لا خلاص منه، ولا نجاة من فزعه الدائم، منذ توقيع العقد بين هشام والدولة، حتى قرار المحكمة الإدارية العليا الذى عصف بكل هذه التفاصيل.
معجزة هى تلك التفاصيل أيضاً، فمن أى زاوية تنظر إلى الملف تجد تبريراً لكل الأطراف، فالدولة أرادت أن تخلق فى الصحراء البائرة مركزا عمرانياً جديداً دون أن تدفع مليما واحدا فى البنية الأساسية، أو تحمّل خزانتها أعباء إضافية.
وهشام أراد أن يستثمر نجاحه كمطور عقارى فى أن يحقق حلم الدولة وحلمه الشخصى فى مضاعفة استثمارات شركاته إلى مستوى لا يستطيع مزاحمته فيه أحد، بالمنافسة الساخنة أو حتى بالحسد المقيت، صار محصنا بالمعوذتين وبأموال الناس معاً.
والحاجزون فى المشروع الذين راهنوا بأموالهم على هذه الصحراء، ارتضوا أن يسددوا هذه الأسعار المهيبة فى الوحدات السكنية والترفيهية فى «مدينتى»، بيقين كامل أن هشام لا يمشى على أرض إلا صارت ذهباً، ولا تضع شركته اسمها على مشروع إلا أصبح كنزاً، لا تتراجع قيمته إلى الأبد.
والمهندس حمدى الفخرانى صاحب الدعوى القضائية ضد عقد «مدينتى»، لم يشأ ولم يقرر لقاء العدو، لكنه صبر عند المواجهة إذ وجد نفسه وجها لوجه أمام عدالة ضائعة فى أركان وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية، بعد أن حرمته الإجراءات من أن يحصل على قطعة أرض صغيرة يبنى فيها وطنا صغيرا لعائلته الصغيرة فى ربوع بلاده.
المأساة الحقيقية هنا ليست فى تنازع الأطراف، ولكن المأساة هى أن كل طرف من الأطراف كان لديه قانونه الخاص من بين تراث التشريعات والقوانين المصرية، الذى يستند إليه لدعم حجته بالبرهان، وترسيخ وجهة نظره بالأسانيد القانونية، والمأساة هنا أن الكل تكلم باسم القانون، وكأننا نعيش فى بلد تحكمه قوانين متعددة، وتشريعات متضاربة، مرة يعلو قانون المناقصات والمزايدات، ومرة أخرى يعلو قانون المجتمعات العمرانية، ومرة يعلو التخصيص بالأمر المباشر، على النحو الذى لجأ إليه مجلس الوزراء مؤخراً فى حل هذه القضية من وجهة نظر الحكومة، ولمواجهة قرار المحكمة الإدارية العليا الذى قضى بإبطال العقد.
لا أستطيع هنا الزعم بأن إبطال العقد هو الحل النهائى المقبول، فنحن أمام صحراء تحولت إلى مدينة هائلة، ومواطنين راهنوا بمدخراتهم على هذه الوحدات، كما لا أستطيع الزعم هنا بأن استمرار المهندس الفخرانى فى مطاردة هذا النوع من العقود يمثل خطأ فى حد ذاته، لكننى أستطيع الزعم بكل تأكيد، وبكل اليقين الذى لا يرقى إليه الشك أن الدولة المصرية تعوم على رمال ناعمة من القوانين المتناقضة التى تحلو بها النقائص، أو تبرر بها الخطايا عند الضرورة.
نحن لا نعرف أى قانون يحكمنا، وفى أى وقت، وهل هناك قوانين تخص مواطنين دون غيرهم.. إن شئنا التعقيد والتضييق طبقنا قوانين المزايدات والمناقصات، وإن شئنا التيسير والتسهيل والتمرير، رفعنا شعار المصلحة العامة، والتخصيص بالأمر المباشر، هل يبدو لك هذا الأمر منطقياً أم أنه معجزة من معجزات الأداء السياسى والقانونى للدولة المصرية؟
أنا شخصياً لا أستطيع أن أقول لهؤلاء الذين وضعوا حصاد حياتهم فى وحدة سكنية أو استثمارية أو حتى ترفيهية فى مشروع «مدينتى»، إن عليكم الاستسلام لقضاء الله وقدره، ولتذهب خططكم فى الادخار، وأحلامكم فى السكن الناعم إلى الجحيم، كما لا أستطيع كذلك أن أقول لمن راهنوا على سهم مجموعة طلعت مصطفى فى البورصة، إن البحر من أمامكم والعدو من خلفكم، فإن أردتم أن تشربوا من البحر فاشربوا، وإن أردتم أن تموتوا بحسرتكم فلن يمنعكم أحد.. أتفهم هنا مشاعر آلاف الناس الذين دفعوا مليارات طائلة فى هذا المشروع، لكننى لا أستطيع أيضاً أن أقول للمهندس حمدى الفخرانى إنه لا أمل فى القانون، ولا حق لك حتى لو بحكم من المحكمة.. وهنا تكمن المعجزة بالفعل، معجزة الارتباك القانونى والتشريعى، ومعجزة تناقضات المواقف فى بناء الدولة، وفى أداء الحكومة، وفى الرهان المخيف على أموال الناس فى البورصة أو قوائم الحجز.
قلت لك إنها مأساة.. لأنه يشق عليك أن ترى من زاوية واحدة، لأن العدل نفسه صار مهدر الدم بين الجميع، وقلت لك إنها مأساة لأنك ببساطة تكتشف أنه لا قانون واحدا يظلل الجميع، ولا قرارات واحدة يصطف أمامها الناس سواسية، المشكلة ليست فى هشام، وليست فى مجموعة طلعت مصطفى التى ترى أنها جعلت من الرمال الصفراء واحة تساوى مليارات الدولارات، والمشكلة ليست فى حمدى الفخرانى الذى صار العدل والمساواة أملاً له فى ساحات المحاكم.. المشكلة الحقيقية هم فى هؤلاء الذين يتركون أمة كاملة فى فوضى من القوانين المتضاربة والتشريعات المرتبكة، والمأساة فى هؤلاء الذين يحررون عقوداً على أهوائهم، لا تتساوى فيها الفرص، ولا تعلو فيها قيم العدالة.
نحن نحيا فى فوضى قانونية، يمكن أن تتحول إلى عاصفة تطيح بكل المؤسسات الخاصة والعامة فى مصر، دون أن يلتفت أحد إلى أن لدينا القانون ونقيضه، والتشريع وعكسه، والقاعدة واستثناءاتها فى قالب واحد، وفى مؤسسة واحدة، وتحت يد حكومة واحدة، لها رئيس وزراء واحد، ويوجهها حزب واحد!
ما نريده ليس القضاء على «مدينتى» أو تحويل حلم الناس إلى كابوس، وما نريده ليس المساواة بين حمدى الفخرانى وهشام طلعت مصطفى فى مساحات الأرض وظروف التعاقد، لكن ما نريده أكبر وأهم من ذلك، وهو مراجعة هذا التراث البغيض من التشريعات المتناقضة التى تطبق فى كل حالة حسب الأهواء الخاصة، وحسب التفسير الشخصى لكل وزير لشكل المصلحة العامة، ما نريده هو أن يكون القانون واضحا ومنطقيا وعادلا لا يناقضه شىء، لا نريد للقانون أن يتحول من ميزان يتحاكم إليه الناس بالعدل، إلى مكيال آثم تكيل به الحكومة بين الناس على غير هدى أو نور أو قسطاس مستقيم.
فوضى القوانين هى المعجزة الأساسية التى كشفتها قضية «مدينتى»، وفوضى توظيف القوانين هى المأساة الحقيقية التى استثمرتها الحكومة كما تشاء، لا يمكنك أن تنحاز إلى طرف دون طرف، لكن يمكنك أن تصرخ فى وجه هؤلاء الذين يُلبِسون الحق ثوب الباطل عند الضرورة، أو يحافظون على هذه الفوضى، لأنها تمثل مخارج الطوارئ عند الأزمات، وأقنعة العدل المزيفة عندما يطغى الظلم على أنفاس الناس.
وفى بلد نحلم بأن تحكمه المؤسسات وتعلوه سلطة مدنية عادلة، لا يمكن أن نحافظ على هذه الأحلام البريئة إذا كانت القوانين نفسها تحتاج إلى المزيد من البراءة والكثير من الطهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.