تنسيق الثانوية العامة 2025.. القواعد الواجب مراعاتها عند ترتيب الرغبات للقبول بالكليات    بفائدة تصل إلى 22.5%.. بنك القاهرة يطلق أقوى حساب توفير في 2025    خلال ساعات.. قطع المياه عن هذه المناطق بالجيزة    الصين تُعرب عن قلقها تجاه التوتر بين كمبوديا وتايلاند: جارتان صديقتان لبكين    المجلس الوطني الفلسطيني يشيد بجهود مصر في تأمين المساعدات إلى غزة    زيلينسكي: دفاعاتنا تصد الهجوم الروسي خلال الصيف    الزمالك يعلن تعيين فرد جديد في جهازه الفني    الداخلية تكشف تفاصيل استغاثة أهالي شبرا الخيمة من إطلاق خارجين عن القانون أعيرة نارية في الشارع    محافظ الجيزة يوجه بضبط «الاسكوتر الكهربائي للأطفال» من الشوارع    النيابة تحقق مع محامٍ بتهمة هتك عرض طفل في الإسكندرية    مي عز الدين توجه رسالة ل أنغام بعد دخولها مستشفى بألمانيا    قصور الثقافة تختتم ملتقى فنون البادية التاسع بشمال سيناء    المدير التنفيذي للتأمين الصحي الشامل: 493 جهة متعاقدة مع المنظومة.. و29% منها تابعة للقطاع الخاص    مصرع شخصين وإصابة آخرين إثر حادث تصادم في الطريق الزراعي بالشرقية    عامل يقتل زوجته ويدفنها خلف المنزل تحت طبقة أسمنتية بالبحيرة    استشهاد شخص في استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لسيارة في جنوب لبنان    بيراميدز يتجه إلى إسطنبول لمواجهة قاسم باشا    فيلمان تسجيليان عن الخيامية والأوانى التراثية بأوبرا دمنهور    رحيل هالك هوجان| جسد أسطوري أنهكته الجراح وسكتة قلبية أنهت المسيرة    "الإصلاح والنهضة" ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز جاهزية الأعضاء الجدد للعمل الانتخابي    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    شقيقة مسلم: عاوزة العلاقات بينا ترجع تاني.. ومستعدة أبوس دماغة ونتصالح    محافظ أسيوط يشهد الكرنفال السنوي لذوي الهمم بدير العذراء والأمير تادرس (صور)    جامعة القناة تنظم دورة عن مهارات الذكاء العاطفي (صور)    ضبط 596 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    طريقة عمل العجة فى الفرن بمكونات بسيطة    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    الوقار الأعلى.. أسعار الأسماك اليوم في مطروح الجمعة 25 يوليو 2025    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    حكم الصلاة خلف الإمام الذي يصلي جالسًا بسبب المرض؟.. الإفتاء تجيب    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    تقارير: الفتح يستهدف ضم مهاجم الهلال    ملحمة طبية.. إنقاذ شاب عشريني بعد حادث مروّع بالمنوفية (صور)    تقنية حديثة.. طفرة في تشخيص أمراض القلب خاصة عند الأطفال    الليلة.. الستاند أب كوميديان محمد حلمي وشلة الإسكندرانية في ضيافة منى الشاذلي    صفقة الزمالك.. الرجاء المغربي يضم بلال ولد الشيخ    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    اسعار الحديد والاسمنت اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    أسعار البيض اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    إلكترونيا.. رابط التقديم لكلية الشرطة لهذا العام    أسعار النفط تصعد وسط تفاؤل بانحسار التوتر التجاري وخفض صادرات البنزين الروسية    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    رغم أزمة حفل راغب علامة، أحمد فتوح يستفز جمهور الزمالك بصورة جديدة مثيرة للجدل    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبعتلاف سنة حضارة !!
نشر في اليوم السابع يوم 16 - 09 - 2010

"إحنا سبعتلاف سنة حضارة يا عم.. إصحى".. يرددها المصريون فى مجالات المباهاة والتلاسن مع غيرهم من الجنسيات الأخرى، وخاصة العربية، ويهتفون بها فى مباريات كرة القدم التى يشارك فيها الفريق القومى، ويتداولونها فى صالونات المثقفين الضيقة باعتبارها فرضية علمية لا جدال فيها، ويستخدمها أغلب ولاد البلد فى نكاتهم اللاذعة للسخرية من واقع الحال..
وتصف سعاد بها زوجها سيد بعد أن تحول إلى رجل بركة لا يهش ولا ينش، تقول عنه وهى تمصمص شفتيها وتضرب فخذيها فى يأس: "راجل يا ختى سبعتلاف سنة حضارة.. مومياء يعنى!!"..
لا شك فى أن من يقف أمام شموخ الأهرامات فى الجيزة، ومعبد حشتبسوت فى البر الغربى، وكذلك أمام أعاجيب العمارة والفن المصرية القديمة.. لا شك أنه يشعر بعظمة ورقى تلك الحضارة التى أشرقت فأضاءت ظلمات الإنسانية، وحفرت أزاميل المصرى القديم أروع الصور لأبجدية تلك الحضارة الخالدة.
لا شك كذلك فى أن من يقف ليتأمل أهرامات "الزبالة" المتناثرة فى أركان شوارع المدن والقرى، وأعاجيب الطفح اللونى والهندسى فى مستوطنات العشوائيات.. لا شك أنه يصدم فيما آل إليه حال المصريين، ويملأه الشك فى انقطاع الصلة ما بين ذلك الماضى السحيق ذى العظمة والبريق، وذلك الحاضر الصفيق الذى ضل الطريق..
أتذكر حضورى لندوة قبل ما يزيد على خمسة عشر عاماً، حول كتاب لصديق حاول فيه أن يثبت بكافة البراهين الممكنة أن الإنسان المصرى الحالى هو امتداد للحضارة الفرعونية القديمة، ونافياً فى نفس الوقت أى ادعاءات لثقافات أخرى تحدد هويته، وخاصة الهوية العربية.. لقد وقفت لأسأله حينذاك "باللغة العربية" عما إذا كان يمكنه أن يدلنى على مصرى واحد يتحدث "باللغة الهيروغليفية"، مشيراً إلى أن اللغة ليست فقط أداة للتواصل بين البشر، وإنما هى وعاء ثقافى يحمل مفردات حضارة المجتمع البشرى، واستنتجت من ذلك أن هوية المصرى هى الهوية العربية، لأن ميراثه الفكرى والثقافى لا يحمل سوى سمات ما تحمله إليه اللغة من مكونات مختلفة فى السياسة والاقتصاد والعادات والتقاليد وتاريخ الفكر نفسه..
ولقد مثلت أزمة الهوية مشكلة كبيرة لدى قطاعات مختلفة من النخب المصرية، وتصارعت الديكة ما بين ديك فرعونى الهوى، وديك إسلامى الأصول، وديك عربى المنبت، وديك بحر متوسطى عميق.. ومن الملاحظ أن ذلك الصراع الذى نتف فيه ريش كثير، لا وجود له فى الساحات الشعبية التى تردد فى عفوية وتلقائية فى مجال التفاخر أو السخرية: "إحنا سبعتلاف سنة حضارة يا عم.. إصحى!!"، وكأنها صارت جملة تشير إلى "شهادة منشأ" تم صكها فى الوجدان الشعبى دون تمحيص أو تقصى، ودون شعور بأزمة من نوع أزمة النخب التى أضناها التفتيش فى أضابير الفكر عن هوية.
وقد ذهب بعض النخب إلى اقتراح حذف كل مايسفه الفرعون ويروى عن جبروته، أو على الأقل عدم تدريسها للنشأ حتى لا يحتقروا تاريخ بلادهم، بينما ذهب البعض الآخر إلى إبراز الجانب الفرعونى وتأصيله، فيما ذهب آخرون إلى أهمية البعد الحضارى الإسلامى فى التاريخ المصرى، ركز البعض على ضرورة إيلاء الثقافة القبطية اهتماماً مضافاً، بينما رأى فريق آخر أن "العروبة" هى الوعاء الذى يحتوى كل هذه العناصر، أصر فريق أخير على أن الهوية المصرية لا هى فرعونية ولا عربية ولا إسلامية ولا قبطية، بل بحر متوسطية، لولا الفاصل المائى لصارت أوروبية.
الحديث عن الهوية الحضارية بالشكل السابق يخلق معه الشعور بالشوفينية والتعصب واحتقار الآخر، ولا يخلو تاريخ البشرية من حضارات سادت ثم بادت، ومناطق جغرافية تألقت ثم انطفأت، وشعوب حملت شعلة الحضارة لأحقاب وقرون، ثم انكفأت فى حفرة تاريخية لأحقاب وقرون أخرى، لذلك فإنه من الصعب أن نجد شعباً لا يتباهى بفترة ما فى تاريخه، سوف نجد اليونانى الذى يقرع كؤوسه مع الماضى الإغريقى التليد، والصينى الذى يتباهى بالمجد الغابر، والهندى.. إلخ، وحتى الأمريكى الذى هو نتاج هجين مهاجر إلى قارة الهنود الحمر، سوف تجده يفاخر بحضارة لم يصل عمرها إلى ثلاثة قرون، ويحاضرك عن "أسلوب الحياة الأمريكى"، أو البريطانى الذى يثرثر بعد الظهر حول فنجان شاى متذكراً المجد الإمبراطورى لإمبراطورية لم تغب عنها الشمس..
ولقد كانت نتائج التعصب والشوفينية القومية وخيمة على الإنسانية، والأمثلة تستعصى على الحصر، ولكن أقربها تاريخياً هو النازية الألمانية التى اعتنقت فكرة نقاء العنصر الآرى، والفاشية الإيطالية التى روج لها موسولينى، وكذلك نظام الأبارتايد فى جنوب أفريقيا العنصرية، والنظرية الصهيونية التى تدعى امتداداً لأكثر من ألفى عام لقومية دينية، وأسست لاحتلال عنصرى استيطانى، هو فى واقع الأمر اقتلاع لشعوب عاشت فى هذه المنطقة.
من ناحية أخرى، فإن استدعاء تاريخ الشعوب وأمجادها الغابرة يعد أسلوباً من أساليب التعبئة التى تفيد فى فترات التحدى التى تواجهها الشعوب، مثل الحال عند مواجهة عدو خارجى، أو لتحقيق التنمية والنهضة، حيث يسهم ذلك فى رفع الروح المعنوية واستعادة الثقة بالنفس من خلال استلهام الجوانب المضيئة من التاريخ ومحاولة إسقاطها على الواقع، ولا يحقق هذا الأسلوب النجاح المنشود إذا كانت الهوة جد شاسعة ما بين النموذج التاريخى المستدعى، وبين الواقع المعاش، مثل أن يتذكر شخص مريض ضعيف منهوك القوى جده الذى كان بطلاً فى الملاكمة، فلو أنه تقمص روح جده فإنه فى الغالب سيسقط بالضربة القاضية قبل أن يبدأ المنازلة.
وتقديرى أن الحضارة بمفهومها الواسع هى ملك للبشرية جميعاً، ولا يتميز دور شعب أو إقليم إلا بما يتميز به متسابق فى سباق التتابع الذى يسلم العصا لمن يليه كى يواصل التقدم، فالحضارات تتواصل، وكأنها فروع نهر تصب فى مجراه الرئيسى لتمده بالقوة والخصوبة، ويفيد كل من يحيا على ضفتيه، لذلك فإن ادعاء احتكار الحكمة أو العبقرية أو الإنجاز الحضارى ليس سوى نظرة ضيقة قاصرة عن فهم التاريخ البشرى.
لا توجد حضارة عمرها "سبعتلاف أو عشرتلاف سنة"، فعمر الحضارات مرتبط بازدهارها وما تقدمه من تقدم فى تاريخ الإنسانية، والحضارة الفرعونية نفسها شهدت مداً وجزراً، تقدماً وانحطاطاً شأنها شأن كل الحضارات، ثم أغلقت بابها التاريخى لتصبح صوراً وتذكارات فى المتاحف وكتب التاريخ، وعلى من يريد استلهامها أن يثبت قدراته فى مجال بناء الحضارة، فليس كافياً أن تقتصر قدراته على التغنى بأمجاد لم يشارك فيها، وذلك يذكرنى برجل أرستقراطى من أعرق السلالات الأوروبية توجه إلى برنارد شو متفاخراً بنفسه وأنه من عائلة كذا، وسأل برنارد عن عائلته فأجابه ساخراً: أنت آخر سلالة عائلتك، أما أنا فبداية سلالة برنارد شو..
ختاماً، فلعل وصف سعاد لزوجها سى السيد يلخص كل شىء: "راجل يا ختى سبعتلاف سنة حضارة.. مومياء يعنى!!"..
عضو اتحاد الكتاب المصرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.