منذ أن طرح الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، فكرته عما يسمى "الاتحاد من أجل المتوسط"، والأقاويل والتأويلات لا تنتهى عن شكل ومضمون هذا الاتحاد وأهداف قيامه, حتى كاد الأمر أن يتحول إلى فتنة عربية جديدة, ما بين مؤيد ومعارض للمشروع، فيما يراهن البعض على أنه ستلحقه لعنة عملية برشلونة, لامحالة. مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، يضم الدول المشاطئة للبحر المتوسط شمالاً وجنوباً، ويهدف كما هو معلن أوروبياً إلى إقامة اتحاد اقتصادى وأمنى بين الشاطئين, لكن بعض الدول العربية تشكك فى الأهداف المعلنة، وتؤكد أن الاتحاد الجديد سيقوم على أنقاض عملية برشلونة. الرئيس الليبى معمر القذافى، الذى دعا إلى اجتماع قمة مصغرة فى طرابلس للدول الخمس الواقعة فى شمال أفريقيا ومعهم سوريا الثلاثاء، وصف المشروع الأوروبى بأنه إهانة للعرب. قائلاً إنهم أى الأوربيين يظنون العرب والأفارقة سذجاًَ ليوافقوا على هذا الاتحاد. دول الجنوب المدعوة للمشاركة فى الاتحاد هى: المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا ولبنان، بينما لم يشر إلى فلسطين، بل أضيفت إسرائيل. الدكتور سعيد اللاوندى خبير الشئون الأوروبية يصف المشروع عندما طرحه الرئيس ساركوزى فى بدايته بأنه غامض، وجاء على ما يبدو كفكرة بديلة عن مسار برشلونة 5 + 5، الذى فشل ومرت عليه أكثر من عشر سنوات. قمة طرابلس شهدت انقساماً عربياً كالعادة, فلم يحضرها من الأساس الرئيس حسنى مبارك، وقد بررت الخارجية المصرية تغيبه بأنه لم يخطر بالاجتماع قبله بفترة كافية, فى حين حضرها الرئيس السورى حافظ الأسد, وكان من الممكن أن يشكل تقابلهما هناك فرصة لرأب الصدع بين القاهرة ودمشق. القمة نفسها لم يصدر عنها بيان ختامى نظراً لاختلاف أراء القادة العرب حول مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، وطبيعة المشاركة الإسرائيلية فيه، باعتبارها باباً خلفياً (مجانياً) للتطبيع. مصر وتونس والمغرب, لاتمانع من حيث المبدأ من المشاركة الإسرائيلية, بينما أبدت باقى الأطراف العربية تحفظات وصلت إلى درجة الرفض أحياناً. اللاوندى يشير إلى أنه، وبحسب ما طرح ساركوزى ستكون هناك رئاستان دوريتان لمشروع الاتحاد كل 6 أشهر شمالاً وجنوباً. وهذه أكبر عقبة تواجه الفكرة فى رأيه, فبحسب الحروف الأبجدية سترأس إسرائيل أول دورة للاتحاد، وهذا ما تعتبره بعض الدول العربية تطبيعاً مجانياً. الغموض يمتد أيضاً إلى عملية صنع القرار فى الاتحاد المقترح والتمويل والمؤسسات التى ستنشأ على هامشه. ويضيف الدكتور اللاوندى أن أهم المشكلات التى تواجه الاتحاد، حجم التبادل التجارى بين دول الشمال والجنوب، إذا ما عرفنا أن دول جنوب البحر المتوسط، كان نسبة التبادل التجارى بينها وبين أوروبا 9% حصلت إسرائيل لوحدها على نسبة 90% من هذه ال 9% فى السنوات العشر الماضية بسبب مواقف دول الشمال من الدول العربية. أحد الأسباب الأساسية التى دفعت ساركوزى لتبنى فكرة الاتحاد الخشية من تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وهو صاحب المواقف الواضحة من انتفاضة الضواحى فى فرنسا عام 2005. يستشهد الدكتور اللاوندى بالصعوبات التى تواجه المشروع، بالقول إن العديد من الدول المتوسطية لم تؤكد حضورها قمة 13 يوليو المقبل مثل ليبيا وتركيا والجزائر, وزير الخارجية الجزائرى مراد مدلسى فى تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضى ربط مشاركة بلاده ودول عربية ب "توضيحات حول تداعيات" انضمام إسرائيل إلى الاتحاد، كما أن الاتحاد ربما سيفتح الباب أمام دول الشمال لتعزيز دورها المخابراتى من خلال فرضها على دول الجنوب، تزويدها بالمعلومات الأمنية الحساسة ضمن خطة ما يسمى بمحاربة الإرهاب. غير أنه استدرك قائلاً: إنى أتوقع أن المشروع سيمرر لأن دول الجنوب بحاجة إلى بديل عن مسار برشلونة الذى أثبت فشله. مصدر فى السفارة الفرنسية بالقاهرة رفض الكشف عن اسمه قال "لليوم السابع"، فى حال حضر الكثير من قادة الدول المتوسطية فى الثالث عشر من يوليه المقبل فى باريس فسيكون ذلك نجاحاً لفرنسا ولأوروبا وللدول العربية التى تشكل الدول المشاطئة للمتوسط نسبة كبيرة منها، وأضاف أن ما يجرى فى الولاياتالمتحدة يتطلب وجوداً أوروبياً أكثر فى المنطقة، وأن تكون لدينا مشاريع نعرضها على بقية العالم، فى الوقت الذى يتم فيه تغيير الإدارة الأمريكية للانتخابات الرئاسية الأمريكية .. وفيما يخص العمالة والهجرة غير الشريعة، أضاف المصدر الدبلوماسى "لليوم السابع"، أن فرنسا ستطرح نظام (كوته) لكل دول الجنوب يتم من خلاله استقبال العمالة الوافدة منها إلى دول الشمال بموجب آليات وضوابط معينة. وهذا سيوفر للبلاد المغربية الخمس فرص عمل لا تقل عن 40 ألف فرصة، إضافة إلى 70 ألف فرصة أخرى فى بلدان الاتحاد الأوروبى. فرنسا من جانبها عرضت أن يكون المقر الدائم للاتحاد فى تونس وسكرتير الاتحاد من المغرب، وعرضت على مصر أن يتوالى الرئيس حسنى مبارك رئاسة الاتحاد. لضمان نجاح الاتحاد وعدم تكرر الفشل الحاصل فى مسار برشلونة، وتبديد المخاوف التى طرحتها القاهرة، بعد أن طالبت بأن يشارك العرب تحت عباءة الجامعة العربية وليس بشكل منفرد. لا شىء مؤكد حتى الآن، وعلى الجميع انتظار منتصف الشهر المقبل، حيث تتوجه الأنظار إلى قصر الإليزيه، لمعرفة هل سينجح الاتحاد من أجل المتوسط، أم أنه سيلحق بعملية برشلونة؟