لكى نتعرف على الاقتصاد الخليجى بصورة جيدة وحقيقية علينا أن نتعرض لتاريخ هذه الدول لنستطيع تحليل الآثار التاريخية والاقتصادية السابقة على اكتشاف النفط على الصورة الحالية لهذا الاقتصاد الضخم. وأول سؤال يفرض نفسه علينا هو، ما الخلفية التاريخية لدول الخليج؟ وللرد على هذا السؤال لابد أن نعلم أن دول الخليج (الكويت وعمان وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة) تتقاسم تاريخاً مشتركاً. فقد كانت هذه الدول تعيش فى القرن الثامن عشر على التجارة البحرية والصيد وتصدير اللؤلؤ والقرصنة. ثم وفى نهاية القرن التاسع عشر، خضعت دول الخليج للوصاية البريطانية، حيث كانت بريطانيا تسعى لتأمين اتصالها بالهند بعيداً عن الدولة العثمانية. بعد سقوط هذه الأخيرة عام 1918، اجتهدت بريطانيا فى الحد من اتساع نفوذ آل سعود، الذين قد نجحوا فى تحرير شبه الجزيرة العربية من أيدى الأتراك وأعلنوا قيام المملكة العربية السعودية فى 1932. كان اكتشاف البترول فى الخمسينيات فى أبو ظبى وعمان دافعاً لأن تقوم بريطانيا بتقوية سيطرتها فى هذه المنطقة، فى الوقت الذى كونت فيه سبع إمارات صغيرة، من بينها( دبى وأبو ظبى والشارقة)، مجلس إمارات الهدنة فى 1952، وهى النواة الأولى للإمارات العربية المتحدة. فى 1961 انسحبت بريطانيا من الكويت، ثم بعد عشر سنوات قامت بالانسحاب من دول الخليج الأخرى. لم يغير هذا الاستقلال أى شىء من سلطة الأسر الحاكمة التى كانت بعضها تحكم بعضها أحياناً منذ القرن الثامن عشر، مثل آل صباح فى الكويت وآل خليفة فى البحرين وآل ثانى فى قطر وآل بوسعيد فى عمان وآل مكتوم فى دبى وآل نهيان فى أبو ظبى وغيرها. فى 1981 كونت الدول الست مجلس التعاون الخليجى، الذى كان هدفه هو العمل على التنسيق بين سياسات الدول الأعضاء فى المجال العسكرى، وإنشاء سوق مشتركة، التى تأسست رسمياً فى بداية يناير 2008، وإقرار عملة موحدة فى 2010. ثم نجد أنفسنا أمام سؤال يفرض نفسه لأهميته وهو، ما المشروعات الاستثمارية فى هذه المنطقة؟ وفقاً لجريدة ميدل إيست إيكونوميك دايجست البريطانية نجد أن حجم الاستثمارات فى دول مجلس التعاون الخليجى بلغ 1534 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة. ويمثل قطاع البناء من هذه القيمة الإجمالية نسبة تتراوح بين 40% (قطر وعمان والمملكة العربية السعودية) إلى 83% (الإمارات العربية المتحدة). أما فى قطاع البتروكيماويات، تمثل البحرين 3% وقطر وعمان والمملكة العربية السعودية 45%، مقابل 5% فى الكويت و12% فى قطر والمملكة العربية السعودية فى قطاعى المياه والكهرباء. أما باقى الصناعات، تمثل الكويت فيها 1% فقط والبحرين 11%. ثم لابد أن نتساءل عن ما مستوى التضخم لهذا الاقتصاد؟ لقد سجل معدل التضخم السنوى فى بداية 2008، 3% فى البحرين و5.1% فى عمان و5.3% فى المملكة العربية السعودية و5.8% فى الكويت و9.4% فى الإمارات وأخيراً 11.2% فى قطر. يرجع سبب ارتفاع الأسعار إلى النمو الاقتصادى وانخفاض سعر الدولار. تعجز العملات المحلية المرتبطة بالدولار عن تأمين تكلفة الواردات من المواد الغذائية ومواد الاستهلاك وكذلك مرتبات المهاجرين القادمين أساساً من دول العملات القوية (الهند والاتحاد الأوروبى). يمثل عدد المهاجرين فى الكويت نسبة 33% من عدد سكانها، مقابل 35% فى المملكة العربية السعودية و62% فى البحرين و78% فى الإمارات العربية المتحدة و80% فى قطر. ثم ننتقل لنقطة مهمة تدور حول: من يمتلك المؤسسات الاقتصادية فى دول الخليج؟ ووفقاً لدراسة أجراها بنك أبو ظبى ومركز أبحاث حوكمة فى دبى وذكرتها الفايننشيال تايمز، فإن 75% من المؤسسات المسجلة فى البورصة فى دول الخليج تضم على الأقل فردين من نفس العائلة فى مجالس إداراتها. فى الكويت مثلاًًً، قد تشغل عائلة واحدة 100% من مقاعد مجلس الإدارة، مقابل 75% فى السعودية و50% فى دبى و30% فى قطر و19% فى البحرين. أما فى قطر، تمتلك الأسرة الحاكمة آل ثانى 25% من مقاعد مجالس إدارة ال38 شركة المسجلة فى بورصة الدوحة. وأخيراً لابد أن نعلم ما الطموحات العالمية للمؤسسات الخليجية الإقليمية؟ تأتى إيرادات دول الخليج أساساً من صادرات النفط. إلى جانب إيراداتها من توظيف الأموال، التى من المفترض أن تحل مستقبلاً محل إيرادات الذهب الأسود، بدأت هذه الدول تطبيق سياسة تنويع اقتصادها عن طريق استثمار أموالها فى مجالات أخرى كالبنية التحتية والبتروكيماويات وصناعة الحديد والاتصالات وشركات الطيران والإعلام. ساهمت رءوس الأموال الضخمة التى تمتلكها هذه الدول فى الإسراع فى تطوير هذه المجموعات الاقتصادية الخاصة الجديدة. وهكذا استطاعت، على سبيل المثال، شركة خدمات التليفون المحمول السعودية موبايلى، التى بدأت أعمالها فى مايو 2005،استطاعت أن تسجل أول أرباح لها بعد تسعة شهور ووصل عدد عملائها مع نهاية 2007 إلى حوالى 9.55 مليون عميل. احتلت شركات البترول الوطنية المراكز الأولى فى التصنيف الذى أجراه الموقع المتخصص على شبكة الإنترنت دينار ستاندرد عن أهم 100 مؤسسة فى العالم الإسلامى. جاءت شركات النفط الخليجية فى المركز الأول أرامكو السعودية والثالث الكويت للبترول والسابع أبو ظبى الوطنية للبترول والرابع عشر قطر للبترول والخامس عشر تنمية البترول. إلى جانب شركات البترول فى إيران وماليزيا والعراق ونيجيريا وليبيا والجزائر وإندونيسيا. أما فى باقى المراكز، فإن ظهور أسماء ما لا يقل عن 25 مجموعة خليجية، خاصة أو وطنية، يعكس طموحات هذه الدول فى قطاعات أخرى. موضوعات متعلقة: * أموال نفط دول الخليج إلى أين ؟ *مؤسسات خليجية ضخمة