رئيس رابطة تجار السيارات: أزمة سيارات ذوي الهمم تحتاج إلى إعادة نظر.. والله ما يستاهلوا اللي حصل    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر في القاهرة والمحافظات    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمباني شرقي مدينة غزة    عزيز الشافعي يخطف الأنظار بلحن استثنائي في "ماليش غيرك"... والجمهور يشيد بأداء رامي جمال وروعة كلمات تامر حسين وتوزيع أمين نبيل    الآثاريون العرب يدعون لتحرك عاجل لحماية تراث غزة وتوثيق الأضرار الميدانية    معرض مونيريه بالاكاديمية المصرية للفنون بروما | صور    "درش" يشعل سباق رمضان 2026... ومصطفى شعبان يعود بدور صادم يغيّر قواعد الدراما    دعاء الفجر | اللهم احفظني ووطني وأهلي وأحبابي من كل سوء    المصل واللقاح: الإنفلونزا هذا العام أكثر قوة وشراسة.. واللقاح ضروري للغاية    صلاحيات رئاسية دون الرجوع للكونجرس، سر المادة التي لجأ إليها ترامب لتصنيف الإخوان "إرهابية"    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    أميرة أبو زهرة تعزف مع لانج لانج والأوركسترا الملكي البريطاني في مهرجان صدى الأهرامات    وزارة الصحة تحذر من إساءة استخدام المضادات الحيوية لهذا السبب    الأمن يكشف ملابسات اقتحام أحد المرشحين وأنصاره لمركز شرطة فارسكور بدمياط    كان من قادة ميلشيا البلاك لوك الداعمة للانقلاب .. إعتقال شريف الصيرفي بعد تشبيه تزوير الانتخابات بالديناصورات    بعد واقعة مدرسة السلام، الطفولة والأمومة يعتزم وضع تشريعات جديدة لمنع الاعتداء على الأطفال    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة محاولة اقتحام مرشح وأنصاره لمركز شرطة فارسكور    تعرف على موارد صندوق إعانات الطوارئ للعاملين    البيت الأبيض يطلب تقريرًا خلال 30 يومًا لتحديد فروع الإخوان في الدول العربية    وصول يسرا و إلهام شاهين وصابرين إلى شرم الشيخ للمشاركة بمهرجان المسرح الشبابي| صور    ترامب يبدي استعداده للتحدث مباشرة مع مادورو رغم تصنيفه ك"رئيس منظمة إرهابية"    10 حقائق مذهلة عن ثوران بركان هايلي غوبي.. البركان الذي استيقظ بعد 10 آلاف عام    مركز محزن ل ليفربول، ترتيب الدوري الإنجليزي بعد نهاية الجولة ال 12    طقس الثلاثاء.. انخفاض في درجات الحرارة وأمطار محتملة على البحر الأحمر    نعمل 24 ساعة ولا يمكن إخفاء أي حالة، أول رد من الصحة على شائعات وفاة أطفال بسبب الإنفلونزا    ناشطون ألمان يروّجون ملابس من مكبات إفريقية ضمن حملة الجمعة السوداء    "الطفولة والأمومة": نعمل على توفير الدعم المادي والنفسي للأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات    خبراء: استعدادات رمضان والضغوط الموسمية تدفعان الدولار للارتفاع    بالأسماء| إصابة 23 شخصاً في حادث انقلاب سيارة بالبحيرة    التنظيم الإرهابي يحتضر.. هل أطلق ترامب الرصاصة الأخيرة في نعش الإخوان؟    محلل: الاقتصاد الصربي على حافة الهاوية بعد محاولات تأميم النفط    وكيل الجزار يكشف حقيقة انتقاله إلى الأهلي وموقف الأندية الكبرى    أحمديات: تعليمات جديدة لدخول السينما والمسارح والملاعب    محاكمة 115 متهماً في خلية المجموعات المسلحة.. اليوم    قائمة بيراميدز لمواجهة المقاولون العرب في الدوري المصري    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة تشيلسي.. صراع النقاط الكبرى يبدأ غدا    اتحاد السلة يصدر بيانًا بشأن أحداث مباراة الاتحاد والأهلي في نهائي دوري المرتبط    ترامب يوجه ببدء عملية تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية    طرح برومو فيلم خريطة رأس السنة.. فيديو    عمرو أديب يعلق على بيان النيابة العامة حول واقعة مدرسة سيدز: التفاصيل مرعبة.. دي كانت خرابة    تضامن قنا تعيد إعمار منزل بعد مصرع 3 شقيقات انهار عليهن السقف    ضبط سيدتين من الفيوم حاولتا إدخال مخدرات داخل الطعام لمسجون بالمنيا    مصدر بالاتحاد السكندرى: تقديم اعتراض على رفض تأجيل مباراة نهائى دورى السلة    أول تعليق من رئيس الاتحاد السكندري بعد أحداث نهائي المرتبط    إصابة سيدة بطلق ناري على يد طليقها في المنيا.. ما القصة؟    عمرو أديب: التجاوزات طبيعية في الانتخابات بمصر.. والداخلية تتعامل معها فورا    هل يجوز للزوج الانتفاع بمال زوجته؟.. أمين الفتوى يجيب    عمرو أديب عن انتخابات مجلس النواب: سني علمني أن الطابور الكبير برا مالوش علاقة باللي جوا    أيمن العشري: المُنتدى المصري الصيني خطوة مهمة وجديدة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري المشترك    إطلاق أكبر شراكة تعليمية بين مصر وإيطاليا تضم 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية.. غدًا    ارتفاع حالات التهابات الجهاز التنفسي العلوي.. اللجنة العلمية لكورونا تحذر: اتخذوا الاحتياطات دون هلع    وزارة الأوقاف الفلسطينية تُشيد ببرنامج "دولة التلاوة"    هل يجوز طلب الطلاق من زوج لا يحافظ على الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح!    رئيس الوزراء يشارك بالقمة السابعة بين الاتحادين الأفريقى والأوروبى فى أنجولا.. صور    خلال زيارته لوحدة بني عدي.. محافظ بني سويف يوجه بمتابعة رضيعة مصابة بنقص هرمون الغدة الدرقية    «الرزاعة»: إنتاج 4822 طن من الأسمدة العضوية عبر إعادة تدوير قش الأرز    د. أحمد ماهر أبورحيل يكتب: الانفصام المؤسسي في المنظمات الأهلية: أزمة حقيقية تعطل الديمقراطية    بث مباشر.. مانشستر يونايتد ضد إيفرتون في الدوري الإنجليزي 2025/2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالفيديو.. ننشر نص كلمة الإمام الاكبر شيخ الأزهر بالبرلمان الألمانى
نشر في اليوم السابع يوم 15 - 03 - 2016

ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، خطابا عالميا، فى البرلمان الألمانى "البوندستاج"، اليوم حيث أكد فى كلمته على تقدير الأزهر الشريف للموقف الإنسانى للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل تجاه الفارين من جحيم الحروب وويلاتها فى الشرق، وتنديدها بالإسلاموفوبيا قائلةً: الإسلام جزء من ألمانيا.
كما أكد الإمام الأكبر فى كلمته أنه ليس لديه أى انتِمَاء سياسى أو توجه حِزبى ولا يتبنى أيَّة أيديولوجيَّة من أيديولوجيات اليمين أو اليسَار، وسيشدد على سعيه الدائم فى البحث عن السَّلام وتمنيه لكل النَّاس، مَهْمَا اختلفت أوطانهم وأجناسهم وقوميَّاتهم، وكيفما كانت أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم.
كما خاطب الإمام الأكبر مسلمى أوروبا قائلا لهم: أنتم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطنى الأوروبى فحافظوا على تعاليم الإسلام وصورته السمحة، موضحا دور عُلَمَاء الأزهر وكيف أنهم يُواجهون الآن فى كل مكان الأفكار المَغلُوطة التى تَحرف الدِّين وتستغله فى الدعوة إلى الفِتنة العَمْيَاء الَّتى تَسْتَحِلّ الدِّمَاء وتُدَمِّر الأوطَان.
وإلى نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة البرلمان الألماني
البروفيسور/ نوربرت لامرت رئيس البرلمان الألماني
السيِّدات والسَّادة: أعضَاء البوندستاج الموقَّرُون
الحُضُور الكَرِيم!
السَّلامُ عَليْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبرَكَاتُه
واسْمَحُوا لِى فى بِدايَة حَديثى أنْ أتقدَّم لَكُم بِخَالِص الشُّكر، لإِتاحَة الفُرصَة لِأْن أَكُون بَينكَم أتحَدَّث إلَىكم وإلى الشَّعب الألمَانى العَرِيق مِنْ خِلَالُكم أيُّهَا السَّادَة البَرلَمانيُّون، والسَّادَة الحُضُور.
وَكَمْ أنَا سَعِيد بِوجُودِى فى مَبْنَى البُوندستاج التَّارِيخيِّ، الَّذِى تَخْتَزِن جُدرَانه ذِكْرَيَات أحْدَاثِ عَالَمِيَّةٍ كَانَت نُقْطَة تَحوُّل فى مِسَار التَّارِيخ الأُوُربِّي. وكَيْفَ أَنَّ هَذا البَرلَمَان اسْتَطَاع أنْ يَعْبُر بِالشَّعْب الألمَانى مِن أزَمَاتِه السِّياسِيَّة والاقتِصَادِيَّة والاجتِمَاعيَّة إلَى دَولَة مَرمُوقَة يُشَار إليهَا بِالبَنَان كَأنمُوذج يحتذى فى التِّنمِيَة المُسْتَنِدَة إلى قِيَم الحُريَّة والعَدْل والمُسَاوَاة.
وَبِهَذِه المُنَاسَبة أُحَيى المستشارة السيدة/ أنجيلا ميركل، وأقدِّر لها باسم الأزهر الشريف، موقفها الإنسانى النبيل من الرجال والنساء والأطفال الفارِّين من جحيم الحُروب وويلاتها فى الشرق، رغم ما قد تعانيه هذه السيدة الفاضلة من ظروف ضاغطة لم تستطع أن تثنيها عن هذا الموقف الشجاع الذى سيكتبه لها التاريخ بحروفٍ من نُور، وقد أصدر الأزهر بيانًا شكر فيه المستشارة ميركل على أريحيتها الكريمة تجاه الإسلام والمسلمين حين شاركت سيادتها فى مظاهرات برلين المندِّدة بالإسلاموفوبيا وثبَّتت – فى شجاعة الأبطال – مقولة الرئيس الألمانى الأسبق كرستيان فولف: إن الإسلام جزء من ألمانيا.
وأستسمحكم -أيُّهَا السَّادة البرلمَانيون!– أن أُقَدِّم نفسِى لحضراتكم بحُسْبَانى رَجُلًا مُسْلِمًا تخصَّص فى دِراسَة الإسلام، وفَهمه كما أراده الله للنَّاس، وكما بلَّغه لهُم رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم.. وأنَّه لا انتِمَاء لى إلى أى تيَّار سياسى أو توجه حِزبيِّ، ولا أتبنَّى أيَّة أيديولوجيَّة من أيديولوجيات اليمين أو اليسَار، أو غيرها من أيديولوجيات العصر، ولا أسعى إلى ذلك، لا اعتقادًا ولا ترويجاً، وإنَّمَا أنَا مُسْلِم مُحِبّ للبَشريَّة جمعَاء، مهموم بقضايا «السَّلام»، بكل أبعاده الدِّينيَّة والاجتماعيَّة والعَالَميَّة، أبحث عن هذا السَّلام وأتمَنَّاه للنَّاس كل النَّاس، مَهْمَا اختلفت أوطانهم وأجناسهم وقوميَّاتهم، وكيفما كانت أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم.
.. .. ..
أيُّهَا السيدات والسادة الأجِلاء!
ما جئتكم واعِظًا ولا متغنيا بينكم للإسلام، ولكن جئت أُخاطِب عَدالتكُم فى إنصاف هذا الدِّين الذى يستحق منكم أن تدفعوا عنه ما لحق به من ظلم وتهم، يبرؤ منها وينكرها أشد الإنكار، بسبب تصرفات قلة من المنتسبين إليه، فهمته فهمًا قبيحًا، وقدمته للناس فى صورة دين دموى يعادى الإنسانية ويدمر الحضارات.
هذا الدين – كما تعلمون حضراتكم - دين مرتبط بالأديان السماوية برباط عضوى لا ينفصم؛ فنحن المسلمين نؤمن بأنَّ كلاً من التوراة والإنجيل والقرآن، هُدىً ونور للناس، وأن اللاحق منها مصدق للسابق، ولا يتم إيماننا بالقرآن ولا بمحمد إلا إذا آمنا بهذه الكتب السماوية وبموسى وعيسى وبمن قبلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، ونقرأ فى القرآن قوله تعالى:"إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة، آية 26)
وليس صحيحًا ما يقال عن الإسلام من أنه دين قتال أو دين سيف، فلفظة «السيف» هذه ليست من ألفاظ القرآن ولم ترد فيه ولا مرة واحدة.. ويؤمن المسلمون بأن الله أرسل محمدًا رحمة للعالمين، وليس رحمة للمسلمين فحسب، بل أرسله الله رحمة للإنسان والحيوان والجماد والنبات، جاء فى القرآن الكريم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال محمد عن نفسه: "أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"، ومن يفهم تعاليم هذا النبى خارج إطار الرحمة العامة والسلام العالمي، فهو جاهل به وبتعاليمه ومسيئ إليه.
والإسلام لا يبيح قتال غير المسلم بسبب رفضه للإسلام أو لأى دين آخر، فالله كما خلق المؤمنين خلق غير المؤمنين أيضًا: ?هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {التغابن: }، وما خلق الله غير المؤمنين ليأمر بقتلهم واستئصالهم، فهذا عبث لا يليق بحكمة البشر، فضلًا عن الحكمة الإلهيَّة، وحريَّةُ العقيدة مكفولة فى القرآن بنص صريح، وذلك فى قوله تعالى: فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ? {الكهف: 29}. وقوله أيضًا: لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ{البقرة: 256}، وجاء فى الدستور الذى بعث به النبى صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: «مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِى وَنَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، ولم يسجل التاريخ عن المسلمين فى البلاد التى حكموها حالة واحدة خيروا فيها أهل البلاد بين اعتناق الإسلام أو السيف، بل كانوا يُقِرُّون أهل هذه البلاد على أديانهم وعاداتهم وتقاليدهم، ولا يرون بأسًا من العيش بجوارهم والاختلاط بهم والتزاوج معهم.
والجهاد فى الإسلام ليس منحصرًا فى القتال الذى هو رد العدوان، بدليل أن الجهاد الأكبر فى الإسلام هو جهاد النفس والشيطان ونوازع الشر، ويدخل فى مفهوم الجهاد الشرعى كل جهد يبذل من أجل تحقيق مصالح الناس، وفى مقدمتها المجهود الذى يبذل من أجل مقاومة الفقر والجهل والمرض، وإغاثة المحتاج، وخدمة الفقراء والبؤساء ومساعدتهم، والإسلام لا يأمر المسلمين بالجهاد المسلح ولا يحضهم عليه إلا فى حالة رد العدوان، والتصدِّى للحروب التى يشنها عليهم أعداؤهم، فهنا يجب القتال للدفاع، وهذا النوع من الجهاد تقره كل الأديان والأعراف والحضارات. وليس صحيحًا، بل من الخطأ الفاحش ما يقال من أن الجهاد فى الإسلام هو حمل السلاح لقتال غير المسلمين وتعقبهم والقضاء عليهم، ومما يؤسف له أشد الأسف أن يُروَّج هذا الفهم الخاطئ والتفسير المغرض لنصوص القرآن والحديث للإساءة إلى الإسلام والمسلمين.
وشريعة الإسلام شريعة مؤسسة على مبادئ العدل والمساواة والحرية وحفظ كرامة الإنسان، وقد أعلن نبى الإسلام مبدأ المساواة بين الناس فى زمن لم يكن قد نضج فيه العقل البشرى لأن يستوعب فحوى هذا المبدأ أو يتصوره، لأنه لم يكن يعرف مجتمعًا غير مجتمع الطبقية والعبيد والسادة، ورغم ذلك أطلق محمد صلى الله عليه وسلم صرخته الخالدة : «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ»، ولم تمض على وفاة النبى عشر سنوات حتى جاء الخليفة الثانى عمر بن الخطاب ليصرخ هو الآخر فى وجه أحد الولاة المسلمين، وهو يُعنِّفه: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا».
وأعتقد أنه لديكم أيها السيدات والسادة هنا فى أوروبا من القوانين والتشريعات كثيرًا مما يتطابق وتشريعات الإسلام –فى هذا المجال-، روحًا ونصًا، وبخاصَّة تلكم التشريعات التى تحفظ للإنسان كرامته وتؤمِّن له حريته، وتحقق له العدالة والمساواة مع غيره، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو العرقية.
وهنا أقول لأبناء دينى من المسلمين الذين يعيشون فى أوروبا وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الأوروبى الاجتماعى المتماسك، أن يراعوا هذه القِيَم العُليَا لمجتمعاتهم التى يعيشون على أرضها، وأن يفيدوا منها فى تقديم صورة مماثلة، عن الإسلام وتعاليمه السمحة الجميلة، التى تحترم الآخر، بغض النظر عن دينه أو مِلَّته أو جنسه، وأن يكونوا على ذكر دائم لقوله تعالى:لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {سورة رقم60، الآية: 8}، وكم وددت لو أن كل مسلم يعيش فو أوروبا كتب هذه الآية فى لوحة جميلة ووضعها على مكتبه أو متجره، أو على شاشة هاتفه النقال، وتذكَّر فى كل حين، أنَّ البِرَّ الذى هو قِمَّة الأدب والإحسان مع الوالدين، مطلوب هو بعينه مع من يسالمنا ولا يقاتلنا، وأن القسط والعدل والوفاء هو خُلق المسلم مع أخيه فى الإسلام وأخيه فى الإنسانية سواء بسواء.
أمَّا المرأة فهى فى شريعة الإسلام شريكة الرجل فى الحقوق والواجبات، وبتعبير نبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، ولا تظنوا أيُّهَا السَّادة أن بعض ما تعانيه المرأة الشرقيَّة من تهميش هو بسبب تعاليم الإسلام، فهذا زعم باطل، والصحيح أن هذه المعاناة إنَّما لحقتها بسبب مخالفة تعاليم الإسلام الخاصة بالمرأة، وإيثار تقاليدَ عتيقة وأعراف بالية لا علاقة لها بالإسلام، وتقديم هذه التقاليد على الأحكام المتعلقة بالمرأة فى الشريعة الإسلامية وقد فقد المجتمع المسلم كثيرًا من طاقاته الخلاقة والإنتاجية حين سَمَحْنا – نحن المسلمين - بتهميش دور المرأة وإقصائها عن مواقع التأثير فى مجتمعاتنا الشرقية.
أيُّهَا السيدات والسادة!
التعَدُّديَّة بينَ النَّاس واختلافُهم طبيعة قرَّرها القُرآن الكَريم، ورتَّب عليها قَانُونَ العَلاقَة الدَّوليَّة فى الإسلام، وهو «التَّعَارُف» الذى يَسْتَلزم بالضَّرورَة مبدأ الحوار مع من نتفق ومن نختلف معه، وهذا ما يَحتاجه عالَمُنا المُعاصِر -الآن- للخروج من أزماته الخانقة، ومن هنا كان من الصعب على المسلم أن يتصوَّر صَبَّ النَّاس والأُمَم والشعوب فى دين واحد أو ثقافة واحدة، لأن مشيئة الله قضت أن يخلق الناس مختلفين حتى فى بصمات أصابعهم، يقول القرآن: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، والمؤمن بالقرآن لا يرتاب فى أنه ليس فى إمكان قوَّة ولا حضارة أن تُبدِّل مَشِيئة الله فى اختلاف النَّاس،وينظُر إلى النَّظَريَّات الَّتى تحلم بجمع الناس على دين واحد أو ثقافة مركزية واحدة نظرته إلى أحلام اليقظة أو العبث الذى يُداعِب أحلام الطفولة.
وَمِنْ هُنَا كان من الطبيعى والمنطقى أن ينفتح الإسلام على المسيحيين واليَهُود انفتاحًا لافتًا للنظر، ويمد معهم من جسور العيش المُشْتَرك والسَّلام المُتبادَل، ما يصل إلى إقرار زواج المُسْلِم من مَسِيحيَّة أو يَهُوديَّة تبقى على دينها مع زوجها المُسْلِم، ولا يجوز لزوجها المسلم أن يحول بينها وبين الذِّهاب إلى كنيستها أو مَعْبَدها، أو يمنعها من مُمَارسة شعائرها فى بيت زوجها المسلم.
ولَعَلَّ بعض حضراتكم أيُّهَا السَّادة النواب المحترمون! – يتهامس مُعترضًا على ما أقول، أو مُتسائلِاً مُستنكِرًا فيما سمع: إذا كان الإسلام والمسلمون بهذه الصورة الورديَّة المُضيئة، فكيف خرجت الحركات الدِّينيَّة المُسَلَّحَة من عباءَة الإسلام والمسلمين، مثل «داعِش» وأَخواتها. تَقْتُل وتُدَمِّر وتقطَع الرِّقَاب بِاسْمِ الله وبِاسْمِ الإسلام وشريعته؟ ألا تهدم هذه المشاهد اللاإنسانيَّةُ المُرعبة كلَّ ما قُلتَه عن الإسلام من أنَّه دين السَّلام والأخوة الإنسانيَّة والتراحم بين النَّاس؟
وإجابتى على هذا السُّؤال
– باختصار- هي: لو أنَّ كل دين من الأديان السَّمَاويَّة حُوكِم بما يقترفه بعض أتباعه من جرائم والقتل والإبادة لَمَا سَلِمَ دين من الأديان من تُهمَة العُنف والإِرهاب، ذلك أنَّ الإرهابيين الَّذين يُمارسون جرائمهم باسم الأديان لا يمثلون هذه الأديان، بل هم – فى حقيقة الأمر - خائنون لأمانات الأديان التى يزعمون أنهم يقاتلون من أجلها.
إنَّ الأديان إنَّما تُفهَم من تعاليمها الإلهيَّة ومن تطبيقات الأنبياء الَّذين حملوا هذه التعاليم وبلَّغوهَا للنَّاس ودعَوهم إليها.. هكذا كانت رسالة سيدنا محمد، وهكذا كانت رسالة سيدنا عيسى وسيدنا موسى وكل رسالات السَّمَاء إلى البَشر.
ثُمَّ إنَّ هذا الإِرهاب الَّذى نعانيه جميعًا الآن أدَانَه العَالَم الإسلامى كله: شعوبًا وحكومات وأزهرًا وكنَائِس وجامعات ومفكرين ومثقفين وغيرهم، وعلينا جميعًا – مسلمين وغير مسلمين - أن نقف صفًا واحدًا لمجابهة التطرف والإرهاب والظلم بجميع أشكاله، وأن نبذل أقصى ما يمكن من أوجه التعاون من أجل القضاء على هذا الوباء القاتل.
ثمُّ إنَّ الإرهاب لا يُفَرِّق بين ضَحايَاه ما داموا لا يعتنقون أيديولوجيته وأفكاره المُتطرِّفة، وإذا كان البعض لا يزال يعتقد أن الإسلام يبرر جرائم الإرهاب فعلى هذا البعض أن يتذكر أنَّ المُسْلِمين هم من يدفعون ثمن هذا الإرهاب من دمائهم، وأشلاء أجسادهم ونسائهم وأطفالهم أضعاف أضعاف ما يدفعه غير المسلمين من ضحايا هذا الوباء.. فكيف يصح فى الأذهان أن ينسب المسلمون إلى هؤلاء القتلة الذين يبرؤ منهم الإسلام والمسلمون أنفسهم.
ولعلكم تتفقون معى فى أنَّه لا مفر للشرق والغرب حيال هذا الإرهاب العابر للقارَّات من انفتاح حقيقى متبادل بين الأديان والمؤمنين بها، بل لا مفر من صنع السلام أوَّلًا بين رجال الأديان وعلمائها، وأنا مِمَّن يؤمنون بقوة بالشعار الذى أطلقه منذ وقت قريب اللاهوتى المعاصر هانس كونج «Hans Kung» وأعلن فيه أنه: «لا يمكن أن يكون ثم سلام بين الشعوب مادام لا يكون ثَمَّ سلام بين الأديان»( ).. وهو نفس الشعار الذى أطلقه شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى فى لندن عام (1936) عندما نادى بالزمالة العالمية والفهم الصحيح المتبادل بين حضارة الغرب وحضارة المسلمين.
واسمحوا لى أيُّهَا السيدات والسٍّادة أن أقول: إنَّنِى حين أتحدَّث عن مجتمعاتكم بشيء من الإعجاب بسياساتكم التى تقوم على المُسَاواة والدِّيمُوقراطيَّة ورعاية حُقُوق الإنسان، يَسألنى البعض مُستنكِرًا: إذا صحَّ ما تقول فيما بين الشعوب الأوروبيَّة فإنَّنَا لا نَرى شيئًا من ذلك فى كثير من مواقف الغَرب حِيال البلاد الإسلاميَّة، فالكثيرون فى الشَّرق العَربى والإسلامى لا يعرفون من الغرب إلا سياسة الكيل بمكيالين، وسياسة المصالح الخاصة التى لا تراعى مصالح الشعوب، ويضربون من الأمثلة على ذلك ما حدث فى «العراق» و«ليبيا» وغيرهما، ورسالتى إليكم أو رجائى الكبير هو أنْ تعملوا – باهتمام – على تغيير هذه النَّظرة القاتِمة المتشائمة، ولَعَلَنا نبدأ معًا صفحة جديدة نعمل فيها على ترسيخ السَّلام العَالميِّ، وإخماد نيران الحروب ووقف شلالات الدماء والفرار من الأوطان، وحل القضية الفلسطينية حلًا عادلاً يضمن السلام والاستقرار فى المنطقة. فهذه يدى ممدودة إليكم للعمل سويًّا من أجل هذه الأهدف الإنسانية النبيلة.. فهل من مُجيب؟
السيدات والسادة !
إنَّ الديموقراطيَّة الَّتى نتطلع لأن ترفرف أعلامها عالية خفاقة فى بلادنا العربيَّة والإسلاميَّة، لَا يمكن أن تتحقَّق بالحروب وصراع الحضارات والفوضى الخلَّاقة وأنهار الدِّماء وقعقعة السِّلاح، بل بالتبادل الحضارى بيننا وبينكم، والحوار المتكافئ غير المستبد، وبرامج تبادل التعليم والصناعة والتكنولوجيا.
وَمَعَ أنَّ الأزهر دائم الاهتِمام بتجديد خطابه ومناهِجه التعليميَّة، إلَّا أنَّه ضَاعَف من هذه المُهِمَّة فى السَّنوات الأخيرة، ويضيق الوقت عن سَرد الخطة الشَّاملة للتجديد والتطوير، ويكفى أنْ تَعْلَمُوا أنَّ عُلَمَاء الأزهر يتصدون الآن فى كل مكان للأفكار المَغلُوطة، التى تَحرِّف الدِّين وتستغله فى الدعوة إلى الفِتنة العَمْيَاء الَّتى تَسْتَحِلّ الدِّمَاء وتُدَمِّر الأوطَان، وذلك من خلال وسائل عدة منها القوافل التى تجوب العالم للدعوة إلى السلام العالمي، وتُحصِّن عقول الشباب من التردى فى بؤرة الإرهاب، وكذلك من خلال مرصد الأزهر الإلكترونى الذى يعمل بلغات عدة، ونتوقع له انتشارًا عالميًا فى المستقبل القريب.
وقد عقد الأزهر مؤتمرًا فى ديسمبر من عام 2014 دعا إليه علماء المسلمين من الشيعة والسنة ورؤساء الكنائس الشرقية وبعض الكنائس الغربية وممثل الإيزيديين من العراق، وانتهى فى بيانه الجماعى إلى إدانة كل الفرق والجماعات المسلحة والمليشيات التى تنتهج العنف والإرهاب وتروع الآمنين، وأن المسيحيين والمسلمين فى الشرق إخوة عاشوا معًا على مدى قرون عديدة والجميع عازم على مواصلة العيش فى دولة وطنية تحقق المساواة وتحترم الحريات، وأن التعرض للمسيحيين وغيرهم باسم الدين هو خروج عن تعاليم الإسلام، وأن التهجير القسرى جريمة مستنكرة نجمع على إدانتها، وقد ناشد الأزهر المسيحيين أن يتجذروا فى أوطانهم حتى تزول موجة الإرهاب الذى نعانى منه جميعًا.
واليوم يدين الأزهر جميع الأعمال الوحشية التى يقترفها دعاة الإرهاب والتى كانت كوت ديفوار آخر مسارحها الكريهة، ولا يفوتنا هنا أن نعزى الشعب الألمانى فى ضحيتهم فى هذا الحادث المؤسف.
السيدات والسادة
يعيش فى أوروبا اليوم ما يَقْرُب من عشرين مليون مُسْلِم، معظمهم ولد فى أوروبا وأصبح أوروبيًّا ، وأقول: يجب أنْ يتمتع هؤلاء جميعًا بالمُسَاواة بينهم وبين المُواطِنين من أصول أوروبية، وألَّا تتركوهم يشعرون بأنَّهُم مُهَاجِرون يَعيشُون على هامِش المُجتَمَع، ويفتقدون ولاءهم لمجتمعهم الذى ينتمون إليه، فالولاء للأوطان هو «المَناعَة» القَويَّة الَّتى تَقِف ضِدَّ الانزِلاق إلى التَّطَرُّف والعُنف.
هذا وإنَّ شُعوب الشَّرق العَربى والإسلامى لتنظُر إلى أوروبا باعتبارها الشَّريك الأقرب فى حضارة البحر المُتوسط، ومن ثَمَّ فإنَّ هذه الشعوب تعوِّل عليكم كثيرًا فى نهضاتها التنمويَّة والعلميَّة، ولا يكون ذلك إلا بالتعاون المثمر وباحترام إرادة شعوبها فى اختيار مصائرها ورسم مستقبلها.
ومرَّة أُخرى أُكَرِّر ما قُلته آنفًا من أن الأزهر إنما جاء ليمد يده إليكم، وإلى الإتِّحاد الأوروبى من خلالكم.. من أجل ترسيخ علاقات الإخاء الإنساني، والسَّلام العالَمى بين الشَّرق والغَرب بصفة عامَّة وبين الأزهر والمواطنين المُسْلِمين فى أوروبا، الَّذين أتوجَّه إليهم فى ختامى كَلِمَتِى أمام هذا البَرلمَان العَريق بأنْ يمثلوا النموذج الإنسانى الرَّاقى للدِّين الإسلامى ولنبيهم الَّذى بُعثَ رَحْمَةً للعالَمين جميعًا وليس للمُسْلِمين وحدهم.. والأزهر مستعد لتقديم المناهج التى تعصمكم من الاستقطابات المنحرفة، وتعينكم على تمثيل دينكم الإسلامى بحسبانه دينًا صالحاً للتعايش فى كل زمان ومكان، وتذكَّروا أن دينكم هذا كانت له فى قلب أوروبا إضاءاتٌ إنسانيةٌ وحضاريةٌ، لا يزال صداها يتردد فى أروقة الجامعات الأوروبية حتى يوم الناس هذا، وحسبنا ما شهد به الأديب الألماني، جوته ومن قبله الأديب والناقد المسرحى ليسنج للإسلام وحضارة المسلمين..
لقد أطلت عليكم، وعذرى أننى جئت إليكم وفى قلبى أمل، يتردد مثله فى قلوب مليار وسبعمائة مليون مسلم، فى التعايش السلمى والحوار الحضارى بين الشرق والغرب، وليس أقدر على تحقيق هذه الأمنية من هذا البرلمان العريق، الذى يمثل شعبًا يقدر الحرية والديموقراطية تقديرًا حقيقيًا، جعلنا نحتفظ لألمانيا فى قلوبنا بشعور خاص وثقة نعتز بها. ونعول عليها فى علاقات متميزة فى المستقبل إن شاء الله..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد الطيب
شيخ الأزهر
موضوعات متعلقة
بعد قليل.. شيخ الأزهر يلقى كلمته بالبرلمان الألمانى ويوجه الشكر لميركل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.