بعد تداول منشور حزبي.. ضبط متطوعين خارج اللجان بزفتى بعد ادعاءات بتوجيه الناخبين    انطلاق تصويت المصريين في اليوم الثاني لجولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    محافظ القليوبية يتابع انتظام جولة الإعادة لانتخابات النواب في يومها الثاني    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: انطلاق اليوم الحاسم لجولة الإعادة وسط تصويت محسوب واستقرار أمني    محافظ البحر الأحمر يرفع درجة الاستعداد لمواجهة السيول بمدن الجنوب    أسعار الفاكهة اليوم الخميس 18 ديسمبر فى سوق العبور للجملة    ارتفاع سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 18 ديسمبر    وزير العمل يلتقي رئيس اتحاد الحِرَف والمنشآت الصغيرة الإيطالي لتعزيز التعاون في التدريب المهني وتشغيل العمالة المصرية    أستاذ علوم سياسية: التوسع الاستيطاني يفرغ عملية السلام من مضمونها    اندلاع نيران في سفينة شحن جراء هجمات أوكرانية على منطقة روستوف الروسية    المفوضية الأوروبية: لن نغادر قمة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق بشأن تمويل أوكرانيا    صراع ناري بين المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025    الكوكي: الأهلي المرشح الأبرز للدوري وبيراميدز أقرب منافسيه    تشكيل نابولي المتوقع أمام ميلان في كأس السوبر الإيطالي    وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر ويشارك في احتفالات اليوم الوطني    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    الأطعمة التي تسبب السالمونيلا وكيفية الوقاية منها؟    الأرصاد تحذر من شبورة كثيفة على الطرق.. اعرف تفاصيل حالة الطقس اليوم    السعودية.. تعليق الدراسة حضوريا في الرياض بسبب سوء الطقس وتساقط الثلوج    عاجل- السيسي يستقبل الفريق أول عبد الفتاح البرهان لبحث تسوية الأزمة السودانية وتعزيز التعاون الثنائي    سعر جرام الذهب صباح اليوم الخميس، عيار 21 وصل لهذا المستوى    سلطة ساندوتش طعمية تشعل مشاجرة تنتهي بجريمة قتل في مطعم بالمنصورة    الصحة العالمية: مقتل أكثر من 1600 شخص في هجمات على المراكز الصحية في السودان خلال 2025    زكريا أبوحرام يكتب: جماعة البهتان    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    أحداث مسلسل FALLOUT ستؤثر في الجزء الخامس من اللعبة    ترامب: نمتلك أقوى جيش في العالم وأنهيت 8 حروب    توقع تثبيت أسعار الفائدة في أخر اجتماعات البنك المركزي الأوروبي للعام الحالي    نائب لافروف يزور الدوحة ويبحث مع مسؤولين قطريين تعزيز علاقات التعاون بين البلدين    ترامب: أوقفت 8 حروب.. ولدينا أقوى جيش في العالم    إدارة ترامب تسخر من بايدن بلوحة تذكارية على جدار البيت الأبيض    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    أنشطة متنوعة لأهالي عزبة سلطان ضمن برنامج المواطنة والانتماء بالمنيا    السيطرة على حريق في أحد المحال بمنطقة ألف مسكن بالقاهرة    البرلمان تحت الاختبار.. بين ضغوط الأسعار وحصن الأمن القومي    شهادة المخالفات الإلكترونية أحدث الخدمات.. «المرور» يسير على طريق التحول الرقمي    تطورات جديدة في انهيار عقار المنيا.....مخالفات جسيمة وراء الانهيار    سوليما تطرح «بلاش طيبة» بالتعاون مع فريق عمل أغنية «بابا» ل عمرو دياب    يلا شووت.. المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025: صراع تكتيكي على اللقب بين "أسود الأطلس" و"النشامى"    ماذا حدث في اللحظات الأخيرة قبل وفاة نيفين مندور؟    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    بالفيديو.. محمد رمضان يعتذر لعائلته وجمهوره وينفي شائعة سجنه ويستعد لحفله بنيويورك    محافظ قنا يعزي أسر ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بترعة الجبلاو.. ويوجه بحزمة إجراءات عاجلة    نقابة المهن التمثيلية تتخذ الإجراءات القانونية ضد ملكة جمال مصر إيرينا يسرى    التهاب مفصل الحوض: الأسباب الشائعة وأبرز أعراض الإصابة    أمم إفريقيا - البطل يحصد 7 ملايين دولار.. الكشف عن الجوائز المالية بالبطولة    مصرع عامل تحت تروس الماكينات بمصنع أغذية بالعاشر من رمضان    إصابة 11 شخصاً فى حادث تصادم سيارتين ب بدر    كأس الرابطة الإنجليزية - نيوكاسل يواصل حملة الدفاع عن لقبه بفوز قاتل على فولام    نوبات غضب وأحدهم يتجول بحفاضة.. هآرتس: اضطرابات نفسية حادة تطارد جنودا إسرائيليين شاركوا في حرب غزة    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    باريس سان جيرمان وفلامنجو.. نهائي كأس الإنتركونتيننتال 2025 على صفيح ساخن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوطن" تنشر نص كلمة شيخ الأزهر أمام البرلمان الألماني
نشر في الوطن يوم 15 - 03 - 2016

تنشر "الوطن" نص كلمة شيخ الأزهر أحمد الطيب أمام البرلمان الألماني والتي جاءت كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة البرلمان الألماني
البروفيسور/ نوربرت لامرت رئيس البرلمان الألماني
السيِّدات والسَّادة: أعضَاء البوندستاج الموقَّرُون
الحُضُور الكَرِيم!
السَّلامُ عَليْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبرَكَاتُه
واسْمَحُوا لِي في بِدايَة حَديثي أنْ أتقدَّم لَكُم بِخَالِص الشُّكر، لإِتاحَة الفُرصَة لِأْن أَكُون بَينكَم أتحَدَّث إلَىكم وإلى الشَّعب الألمَاني العَرِيق مِنْ خِلَالُكم أيُّهَا السَّادَة البَرلَمانيُّون، والسَّادَة الحُضُور.
وَكَمْ أنَا سَعِيد بِوجُودِي في مَبْنَى البُوندستاج التَّارِيخيِّ، الَّذِي تَخْتَزِن جُدرَانه ذِكْرَيَات أحْدَاثِ عَالَمِيَّةٍ كَانَت نُقْطَة تَحوُّل في مِسَار التَّارِيخ الأُوُربِّي. وكَيْفَ أَنَّ هَذا البَرلَمَان اسْتَطَاع أنْ يَعْبُر بِالشَّعْب الألمَاني مِن أزَمَاتِه السِّياسِيَّة والاقتِصَادِيَّة والاجتِمَاعيَّة إلَى دَولَة مَرمُوقَة يُشَار إليهَا بِالبَنَان كَأنمُوذج يحتذي في التِّنمِيَة المُسْتَنِدَة إلى قِيَم الحُريَّة والعَدْل والمُسَاوَاة.
وَبِهَذِه المُنَاسَبة أُحَيي المستشارة السيدة/ أنجيلا ميركل، وأقدِّر لها باسم الأزهر الشريف، موقفها الإنساني النبيل من الرجال والنساء والأطفال الفارِّين من جحيم الحُروب وويلاتها في الشرق، رغم ما قد تعانيه هذه السيدة الفاضلة من ظروف ضاغطة لم تستطع أن تثنيها عن هذا الموقف الشجاع الذي سيكتبه لها التاريخ بحروفٍ من نُور، وقد أصدر الأزهر بيانًا شكر فيه المستشارة ميركل على أريحيتها الكريمة تجاه الإسلام والمسلمين حين شاركت سيادتها في مظاهرات برلين المندِّدة بالإسلاموفوبيا وثبَّتت – في شجاعة الأبطال – مقولة الرئيس الألماني الأسبق كرستيان فولف: إن الإسلام جزء من ألمانيا.
وأستسمحكم -أيُّهَا السَّادة البرلمَانيون!– أن أُقَدِّم نفسِي لحضراتكم بحُسْبَاني رَجُلًا مُسْلِمًا تخصَّص في دِراسَة الإسلام، وفَهمه كما أراده الله للنَّاس، وكما بلَّغه لهُم رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم.. وأنَّه لا انتِمَاء لي إلى أيِّ تيَّار سياسيِّ أو توجه حِزبيِّ، ولا أتبنَّى أيَّة أيديولوجيَّة من أيديولوجيات اليمين أو اليسَار، أو غيرها من أيديولوجيات العصر، ولا أسعى إلى ذلك، لا اعتقادًا ولا ترويجاً، وإنَّمَا أنَا مُسْلِم مُحِبّ للبَشريَّة جمعَاء، مهموم بقضايا «السَّلام»، بكل أبعاده الدِّينيَّة والاجتماعيَّة والعَالَميَّة، أبحث عن هذا السَّلام وأتمَنَّاه للنَّاس كل النَّاس، مَهْمَا اختلفت أوطانهم وأجناسهم وقوميَّاتهم، وكيفما كانت أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم.
.. .. ..
أيُّهَا السيدات والسادة الأجِلاء!
ما جئتكم واعِظًا ولا متغنيا بينكم للإسلام، ولكن جئت أُخاطِب عَدالتكُم في إنصاف هذا الدِّين الذي يستحق منكم أن تدفعوا عنه ما لحق به من ظلم وتهم، يبرؤ منها وينكرها أشد الإنكار، بسبب تصرفات قلة من المنتسبين إليه، فهمته فهمًا قبيحًا، وقدمته للناس في صورة دين دموي يعادي الإنسانية ويدمر الحضارات.
هذا الدين – كما تعلمون حضراتكم - دين مرتبط بالأديان السماوية برباط عضوي لا ينفصم؛ فنحن المسلمين نؤمن بأنَّ كلاً من التوراة والإنجيل والقرآن، هُدىً ونور للناس، وأن اللاحق منها مصدق للسابق، ولا يتم إيماننا بالقرآن ولا بمحمد إلا إذا آمنا بهذه الكتب السماوية وبموسى وعيسى وبمن قبلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، ونقرأ في القرآن قوله تعالى:"إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة، آية 26)
وليس صحيحًا ما يقال عن الإسلام من أنه دين قتال أو دين سيف، فلفظة «السيف» هذه ليست من ألفاظ القرآن ولم ترد فيه ولا مرة واحدة.. ويؤمن المسلمون بأن الله أرسل محمدًا رحمة للعالمين، وليس رحمة للمسلمين فحسب، بل أرسله الله رحمة للإنسان والحيوان والجماد والنبات، جاء في القرآن الكريم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال محمد عن نفسه: "أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"، ومن يفهم تعاليم هذا النبي خارج إطار الرحمة العامة والسلام العالمي، فهو جاهل به وبتعاليمه ومسيئ إليه.
والإسلام لا يبيح قتال غير المسلم بسبب رفضه للإسلام أو لأيِّ دين آخر، فالله كما خلق المؤمنين خلق غير المؤمنين أيضًا: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، وما خلق الله غير المؤمنين ليأمر بقتلهم واستئصالهم، فهذا عبث لا يليق بحكمة البشر، فضلًا عن الحكمة الإلهيَّة، وحريَّةُ العقيدة مكفولة في القرآن بنص صريح، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}. وقوله أيضًا:﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾{البقرة: 256}، وجاء في الدستور الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: «مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، ولم يسجل التاريخ عن المسلمين في البلاد التي حكموها حالة واحدة خيروا فيها أهل البلاد بين اعتناق الإسلام أو السيف، بل كانوا يُقِرُّون أهل هذه البلاد على أديانهم وعاداتهم وتقاليدهم، ولا يرون بأسًا من العيش بجوارهم والاختلاط بهم والتزاوج معهم.
والجهاد في الإسلام ليس منحصرًا في القتال الذي هو رد العدوان، بدليل أن الجهاد الأكبر في الإسلام هو جهاد النفس والشيطان ونوازع الشر، ويدخل في مفهوم الجهاد الشرعي كل جهد يبذل من أجل تحقيق مصالح الناس، وفي مقدمتها المجهود الذي يبذل من أجل مقاومة الفقر والجهل والمرض، وإغاثة المحتاج، وخدمة الفقراء والبؤساء ومساعدتهم، والإسلام لا يأمر المسلمين بالجهاد المسلح ولا يحضهم عليه إلا في حالة رد العدوان، والتصدِّي للحروب التي يشنها عليهم أعداؤهم، فهنا يجب القتال للدفاع، وهذا النوع من الجهاد تقره كل الأديان والأعراف والحضارات. وليس صحيحًا، بل من الخطأ الفاحش ما يقال من أن الجهاد في الإسلام هو حمل السلاح لقتال غير المسلمين وتعقبهم والقضاء عليهم، ومما يؤسف له أشد الأسف أن يُروَّج هذا الفهم الخاطئ والتفسير المغرض لنصوص القرآن والحديث للإساءة إلى الإسلام والمسلمين.
وشريعة الإسلام شريعة مؤسسة على مبادئ العدل والمساواة والحرية وحفظ كرامة الإنسان، وقد أعلن نبي الإسلام مبدأ المساواة بين الناس في زمن لم يكن قد نضج فيه العقل البشري لأن يستوعب فحوى هذا المبدأ أو يتصوره، لأنه لم يكن يعرف مجتمعًا غير مجتمع الطبقية والعبيد والسادة، ورغم ذلك أطلق محمد صلى الله عليه وسلم صرخته الخالدة : «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ»، ولم تمض على وفاة النبي عشر سنوات حتى جاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ليصرخ هو الآخر في وجه أحد الولاة المسلمين، وهو يُعنِّفه: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا».
وأعتقد أنه لديكم أيها السيدات والسادة هنا في أوروبا من القوانين والتشريعات كثيرًا مما يتطابق وتشريعات الإسلام –في هذا المجال-، روحًا ونصًا، وبخاصَّة تلكم التشريعات التي تحفظ للإنسان كرامته وتؤمِّن له حريته، وتحقق له العدالة والمساواة مع غيره، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو العرقية.
وهنا أقول لأبناء ديني من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الأوروبي الاجتماعي المتماسك، أن يراعوا هذه القِيَم العُليَا لمجتمعاتهم التي يعيشون على أرضها، وأن يفيدوا منها في تقديم صورة مماثلة، عن الإسلام وتعاليمه السمحة الجميلة، التي تحترم الآخر، بغض النظر عن دينه أو مِلَّته أو جنسه، وأن يكونوا على ذكر دائم لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ {سورة رقم60، الآية: 8}، وكم وددت لو أن كل مسلم يعيش فو أوروبا كتب هذه الآية في لوحة جميلة ووضعها على مكتبه أو متجره، أو على شاشة هاتفه النقال، وتذكَّر في كل حين، أنَّ البِرَّ الذي هو قِمَّة الأدب والإحسان مع الوالدين، مطلوب هو بعينه مع من يسالمنا ولا يقاتلنا، وأن القسط والعدل والوفاء هو خُلق المسلم مع أخيه في الإسلام وأخيه في الإنسانية سواء بسواء.
أمَّا المرأة فهي في شريعة الإسلام شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، وبتعبير نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، ولا تظنوا أيُّهَا السَّادة أن بعض ما تعانيه المرأة الشرقيَّة من تهميش هو بسبب تعاليم الإسلام، فهذا زعم باطل، والصحيح أن هذه المعاناة إنَّما لحقتها بسبب مخالفة تعاليم الإسلام الخاصة بالمرأة، وإيثار تقاليدَ عتيقة وأعراف بالية لا علاقة لها بالإسلام، وتقديم هذه التقاليد على الأحكام المتعلقة بالمرأة في الشريعة الإسلامية وقد فقد المجتمع المسلم كثيرًا من طاقاته الخلاقة والإنتاجية حين سَمَحْنا – نحن المسلمين - بتهميش دور المرأة وإقصائها عن مواقع التأثير في مجتمعاتنا الشرقية.

أيُّهَا السيدات والسادة!
التعَدُّديَّة بينَ النَّاس واختلافُهم طبيعة قرَّرها القُرآن الكَريم، ورتَّب عليها قَانُونَ العَلاقَة الدَّوليَّة في الإسلام، وهو «التَّعَارُف» الذي يَسْتَلزم بالضَّرورَة مبدأ الحوار مع من نتفق ومن نختلف معه، وهذا ما يَحتاجه عالَمُنا المُعاصِر -الآن- للخروج من أزماته الخانقة، ومن هنا كان من الصعب على المسلم أن يتصوَّر صَبَّ النَّاس والأُمَم والشعوب في دين واحد أو ثقافة واحدة، لأن مشيئة الله قضت أن يخلق الناس مختلفين حتى في بصمات أصابعهم، يقول القرآن: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، والمؤمن بالقرآن لا يرتاب في أنه ليس في إمكان قوَّة ولا حضارة أن تُبدِّل مَشِيئة الله في اختلاف النَّاس،وينظُر إلى النَّظَريَّات الَّتي تحلم بجمع الناس على دين واحد أو ثقافة مركزية واحدة نظرته إلى أحلام اليقظة أو العبث الذي يُداعِب أحلام الطفولة.
وَمِنْ هُنَا كان من الطبيعي والمنطقي أن ينفتح الإسلام على المسيحيين واليَهُود انفتاحًا لافتًا للنظر، ويمد معهم من جسور العيش المُشْتَرك والسَّلام المُتبادَل، ما يصل إلى إقرار زواج المُسْلِم من مَسِيحيَّة أو يَهُوديَّة تبقى على دينها مع زوجها المُسْلِم، ولا يجوز لزوجها المسلم أن يحول بينها وبين الذِّهاب إلى كنيستها أو مَعْبَدها، أو يمنعها من مُمَارسة شعائرها في بيت زوجها المسلم.
ولَعَلَّ بعض حضراتكم أيُّهَا السَّادة النواب المحترمون! – يتهامس مُعترضًا على ما أقول، أو مُتسائلِاً مُستنكِرًا فيما سمع: إذا كان الإسلام والمسلمون بهذه الصورة الورديَّة المُضيئة، فكيف خرجت الحركات الدِّينيَّة المُسَلَّحَة من عباءَة الإسلام والمسلمين، مثل «داعِش» وأَخواتها. تَقْتُل وتُدَمِّر وتقطَع الرِّقَاب بِاسْمِ الله وبِاسْمِ الإسلام وشريعته؟ ألا تهدم هذه المشاهد اللاإنسانيَّةُ المُرعبة كلَّ ما قُلتَه عن الإسلام من أنَّه دين السَّلام والأخوة الإنسانيَّة والتراحم بين النَّاس؟
وإجابتي على هذا السُّؤال – باختصار- هي: لو أنَّ كل دين من الأديان السَّمَاويَّة حُوكِم بما يقترفه بعض أتباعه من جرائم والقتل والإبادة لَمَا سَلِمَ دين من الأديان من تُهمَة العُنف والإِرهاب، ذلك أنَّ الإرهابيين الَّذين يُمارسون جرائمهم باسم الأديان لا يمثلون هذه الأديان، بل هم – في حقيقة الأمر - خائنون لأمانات الأديان التي يزعمون أنهم يقاتلون من أجلها.
إنَّ الأديان إنَّما تُفهَم من تعاليمها الإلهيَّة ومن تطبيقات الأنبياء الَّذين حملوا هذه التعاليم وبلَّغوهَا للنَّاس ودعَوهم إليها.. هكذا كانت رسالة سيدنا محمد، وهكذا كانت رسالة سيدنا عيسى وسيدنا موسى وكل رسالات السَّمَاء إلى البَشر..
ثُمَّ إنَّ هذا الإِرهاب الَّذي نعانيه جميعًا الآن أدَانَه العَالَم الإسلامي كله: شعوبًا وحكومات وأزهرًا وكنَائِس وجامعات ومفكرين ومثقفين وغيرهم، وعلينا جميعًا – مسلمين وغير مسلمين - أن نقف صفًا واحدًا لمجابهة التطرف والإرهاب والظلم بجميع أشكاله، وأن نبذل أقصى ما يمكن من أوجه التعاون من أجل القضاء على هذا الوباء القاتل.
ثمُّ إنَّ الإرهاب لا يُفَرِّق بين ضَحايَاه ما داموا لا يعتنقون أيديولوجيته وأفكاره المُتطرِّفة، وإذا كان البعض لا يزال يعتقد أن الإسلام يبرر جرائم الإرهاب فعلى هذا البعض أن يتذكر أنَّ المُسْلِمين هم من يدفعون ثمن هذا الإرهاب من دمائهم، وأشلاء أجسادهم ونسائهم وأطفالهم أضعاف أضعاف ما يدفعه غير المسلمين من ضحايا هذا الوباء.. فكيف يصح في الأذهان أن ينسب المسلمون إلى هؤلاء القتلة الذين يبرؤ منهم الإسلام والمسلمون أنفسهم.
ولعلكم تتفقون معي في أنَّه لا مفر للشرق والغرب حيال هذا الإرهاب العابر للقارَّات من انفتاح حقيقي متبادل بين الأديان والمؤمنين بها، بل لا مفر من صنع السلام أوَّلًا بين رجال الأديان وعلمائها، وأنا مِمَّن يؤمنون بقوة بالشعار الذي أطلقه منذ وقت قريب اللاهوتي المعاصر هانس كونج «Hans Kung» وأعلن فيه أنه: «لا يمكن أن يكون ثم سلام بين الشعوب مادام لا يكون ثَمَّ سلام بين الأديان»( ).. وهو نفس الشعار الذي أطلقه شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي في لندن عام (1936) عندما نادى بالزمالة العالمية والفهم الصحيح المتبادل بين حضارة الغرب وحضارة المسلمين.
واسمحوا لي أيُّهَا السيدات والسٍّادة أن أقول: إنَّنِي حين أتحدَّث عن مجتمعاتكم بشيء من الإعجاب بسياساتكم التي تقوم على المُسَاواة والدِّيمُوقراطيَّة ورعاية حُقُوق الإنسان، يَسألني البعض مُستنكِرًا: إذا صحَّ ما تقول فيما بين الشعوب الأوروبيَّة فإنَّنَا لا نَرى شيئًا من ذلك في كثير من مواقف الغَرب حِيال البلاد الإسلاميَّة، فالكثيرون في الشَّرق العَربيِّ والإسلاميِّ لا يعرفون من الغرب إلا سياسة الكيل بمكيالين، وسياسة المصالح الخاصة التي لا تراعي مصالح الشعوب، ويضربون من الأمثلة على ذلك ما حدث في «العراق» و«ليبيا» وغيرهما، ورسالتي إليكم أو رجائي الكبير هو أنْ تعملوا – باهتمام – على تغيير هذه النَّظرة القاتِمة المتشائمة، ولَعَلَنا نبدأ معًا صفحة جديدة نعمل فيها على ترسيخ السَّلام العَالميِّ، وإخماد نيران الحروب ووقف شلالات الدماء والفرار من الأوطان، وحل القضية الفلسطينية حلًا عادلاً يضمن السلام والاستقرار في المنطقة. فهذه يدي ممدودة إليكم للعمل سويًّا من أجل هذه الأهدف الإنسانية النبيلة.. فهل من مُجيب؟
السيدات والسادة !
إنَّ الديموقراطيَّة الَّتي نتطلع لأن ترفرف أعلامها عالية خفاقة في بلادنا العربيَّة والإسلاميَّة، لَا يمكن أن تتحقَّق بالحروب وصراع الحضارات والفوضى الخلَّاقة وأنهار الدِّماء وقعقعة السِّلاح، بل بالتبادل الحضاري بيننا وبينكم، والحوار المتكافئ غير المستبد، وبرامج تبادل التعليم والصناعة والتكنولوجيا.
وَمَعَ أنَّ الأزهر دائم الاهتِمام بتجديد خطابه ومناهِجه التعليميَّة، إلَّا أنَّه ضَاعَف من هذه المُهِمَّة في السَّنوات الأخيرة، ويضيق الوقت عن سَرد الخطة الشَّاملة للتجديد والتطوير، ويكفي أنْ تَعْلَمُوا أنَّ عُلَمَاء الأزهر يتصدون الآن في كل مكان للأفكار المَغلُوطة، التي تَحرِّف الدِّين وتستغله في الدعوة إلى الفِتنة العَمْيَاء الَّتي تَسْتَحِلّ الدِّمَاء وتُدَمِّر الأوطَان، وذلك من خلال وسائل عدة منها القوافل التي تجوب العالم للدعوة إلى السلام العالمي، وتُحصِّن عقول الشباب من التردي في بؤرة الإرهاب، وكذلك من خلال مرصد الأزهر الإلكتروني الذي يعمل بلغات عدة، ونتوقع له انتشارًا عالميًا في المستقبل القريب.
وقد عقد الأزهر مؤتمرًا في ديسمبر من عام 2014 دعا إليه علماء المسلمين من الشيعة والسنة ورؤساء الكنائس الشرقية وبعض الكنائس الغربية وممثل الإيزيديين من العراق، وانتهى في بيانه الجماعي إلى إدانة كل الفرق والجماعات المسلحة والمليشيات التي تنتهج العنف والإرهاب وتروع الآمنين، وأن المسيحيين والمسلمين في الشرق إخوة عاشوا معًا على مدى قرون عديدة والجميع عازم على مواصلة العيش في دولة وطنية تحقق المساواة وتحترم الحريات، وأن التعرض للمسيحيين وغيرهم باسم الدين هو خروج عن تعاليم الإسلام، وأن التهجير القسري جريمة مستنكرة نجمع على إدانتها، وقد ناشد الأزهر المسيحيين أن يتجذروا في أوطانهم حتى تزول موجة الإرهاب الذي نعاني منه جميعًا.
واليوم يدين الأزهر جميع الأعمال الوحشية التي يقترفها دعاة الإرهاب والتي كانت كوت ديفوار آخر مسارحها الكريهة، ولا يفوتنا هنا أن نعزي الشعب الألماني في ضحيتهم في هذا الحادث المؤسف.
السَّيدات والسادة!
يعيش في أوروبا اليوم ما يَقْرُب من عشرين مليون مُسْلِم، معظمهم ولد في أوروبا وأصبح أوروبيًّا ، وأقول: يجب أنْ يتمتع هؤلاء جميعًا بالمُسَاواة بينهم وبين المُواطِنين من أصول أوروبية، وألَّا تتركوهم يشعرون بأنَّهُم مُهَاجِرون يَعيشُون على هامِش المُجتَمَع، ويفتقدون ولاءهم لمجتمعهم الذي ينتمون إليه، فالولاء للأوطان هو «المَناعَة» القَويَّة الَّتي تَقِف ضِدَّ الانزِلاق إلى التَّطَرُّف والعُنف.
هذا وإنَّ شُعوب الشَّرق العَربيِّ والإسلاميِّ لتنظُر إلى أوروبا باعتبارها الشَّريك الأقرب في حضارة البحر المُتوسط، ومن ثَمَّ فإنَّ هذه الشعوب تعوِّل عليكم كثيرًا في نهضاتها التنمويَّة والعلميَّة، ولا يكون ذلك إلا بالتعاون المثمر وباحترام إرادة شعوبها في اختيار مصائرها ورسم مستقبلها.
ومرَّة أُخرى أُكَرِّر ما قُلته آنفًا من أن الأزهر إنما جاء ليمد يده إليكم، وإلى الإتِّحاد الأوروبيِّ من خلالكم.. من أجل ترسيخ علاقات الإخاء الإنساني، والسَّلام العالَميِّ بين الشَّرق والغَرب بصفة عامَّة وبين الأزهر والمواطنين المُسْلِمين في أوروبا، الَّذين أتوجَّه إليهم في ختامي كَلِمَتِي أمام هذا البَرلمَان العَريق بأنْ يمثلوا النموذج الإنساني الرَّاقي للدِّين الإسلاميِّ ولنبيهم الَّذي بُعثَ رَحْمَةً للعالَمين جميعًا وليس للمُسْلِمين وحدهم.. والأزهر مستعد لتقديم المناهج التي تعصمكم من الاستقطابات المنحرفة، وتعينكم على تمثيل دينكم الإسلامي بحسبانه دينًا صالحاً للتعايش في كل زمان ومكان، وتذكَّروا أن دينكم هذا كانت له في قلب أوروبا إضاءاتٌ إنسانيةٌ وحضاريةٌ، لا يزال صداها يتردد في أروقة الجامعات الأوروبية حتى يوم الناس هذا، وحسبنا ما شهد به الأديب الألماني، جوته ومن قبله الأديب والناقد المسرحي ليسنج للإسلام وحضارة المسلمين..
.. .. ..
لقد أطلت عليكم، وعذري أنني جئت إليكم وفي قلبي أمل، يتردد مثله في قلوب مليار وسبعمائة مليون مسلم، في التعايش السلمي والحوار الحضاري بين الشرق والغرب، وليس أقدر على تحقيق هذه الأمنية من هذا البرلمان العريق، الذي يمثل شعبًا يقدر الحرية والديموقراطية تقديرًا حقيقيًا، جعلنا نحتفظ لألمانيا في قلوبنا بشعور خاص وثقة نعتز بها. ونعول عليها في علاقات متميزة في المستقبل إن شاء الله..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد الطيب
شيخ الأزهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.