فى شقة أنيقة بحى الزمالك تعيش "شريفة", ابنة الكاتب الصحفى الراحل محمد التابعى، وسط مقتنياته والعديد من شهادات التكريم والإهداءات التى منحت إلى الراحل، وصوره الكثيرة مع مشاهير الفن والسياسة فى ذالك الوقت من أول وهلة تتساءل: ما الذى جمع هؤلاء المشاهير فى مكان واحد، يحتمل هذا الزخم من التاريخ والشهرة؟.. لكن التابعى أمير الصحافة استطاع أن يكون صديقا لكل هؤلاء، 80 عاماً من العمر عاشها التابعى، منها 50فى العمل الصحفى، كان نتاجها مدرسة صحفية كبيرة أخرجت صحفا وصحفيين، هم عصب الصحافة المصرية فيما بعد، ابنته شريفة قررت أن تعيد التذكير بتاريخ والدها وفتح خزائن أسراره، فقامت بإعادة طبع كتابه التاريخى "أسرار الساسة والسياسة", وكذلك أنشأت هى ومجموعة من محبيه مجموعة إلكترونية على موقع الفيس بوك، تحوى كل ما يخص أبيها بعنوان: "THE PRINCE OF JOURNALISM" أو "أمير الصحافة"، اليوم السابع كان لها هذا الحوار مع ابنة أمير الصحافة هل صحافة اليوم اختلفت عما كانت عليه أيام "التابعى"؟ شباب الصحفيين يعانون من ردة إعلامية كبيرة تعود بهم إلى حقبة ما قبل (الوعى الصحفى)، وكل ما أتمناه كقارئة أن يعلم هؤلاء الشباب أن حرية الصحافة زمان كانت تعتمد على صحة المعلومة ودقة الخبر, ولكنها الآن عبارة عن "كلام جرايد" منتشر بشكل مستفز، ويطلق على كل ما هو كاذب. "التابعى" أحد مؤسسى الصحافة المصرية الحديثة لكنه مجهول لكثير من الجيل الحالى ..لماذا؟ محمد التابعى تعرض لعملية تعتيم إعلامى شديد ضمن العديد من الشخصيات التاريخية، وأستشهد هنا بكلمة كتبها الأستاذ" هيكل" على شكل اعتذار لأستاذه عن النسيان، ويشرح أسبابه قائلا: "بعض تلاميذ التابعى آثروا السكوت عن دوره, وكثيرون أخذوا مما كتب التابعى دون أن ينسبوا له رغبة فى إظهار أمرهم". ويستكمل هيكل: "كل نجم طالع فى أى مجال يريد نسبا موصولا بالشمس ويستكبر أن يكون له أبا شرعيا".....، لكن فى نفس الوقت هناك تلاميذ للتابعى دائما ما يذكرون مواقف أو أشياء تعلموها منه، والآن هناك رؤساء تحرير بعينهم، ينصحون المحررين بالقراءة للتابعى. وهناك تقليد ذكره "عباس الطرابيلى" هو أن التابعى كان يجتمع مع الصحفيين العاملين معه بصفة دورية, ويتناقشون فى أشياء كثيرة ويجرى نوعا من السباق على أحسن مقال تم تقديمه ويكرم صاحبه، وكان مرتب الصحفى 5 جنيهات، فكان صاحب أحسن مقال يحصل على 2 جنيه، أى ما يوازى مرتب 4 شهور. بينك وبين والدك "محمد التابعى" 60 عاما فكيف كونت (رؤية) عنه؟ عندما أستعيد قراءة مقالاته أنبهر بها من كثرة الموضوعات التى تناولها, وأغلب ذكرياته المهنية تلقيتها إما عبر القراءة أو مما سمعته من تلاميذه، وهناك كلمة سمعتها من أحد الأصدقاء استفزتنى: "كيف استطاع التابعى أن يكتب كل هذه المقالات وهو دائما على سفر؟ ".. وبماذا تجيبين؟ والدى كان معروفا عنه كثرة السفر لدرجة أنه أحيانا كان يغيب لمدة 9 أشهر، ولكننى وجدته دوّن فى مفكرته أدق التفاصيل التى تمر به، فكان على سبيل المثال يكتب رقم المقالة وتاريخها والتوقيت الذى كتبت فيه وموضوعها وأين كتبت، وهو أول من ابتدع المقالة الخبرية، والتى تطرح قضايا ومعلومات مفيدة للقارئ. هل كانت المصلحة تطغى أحيانا على علاقة التابعى بأصدقائه؟ شخصية التابعى كانت غنية جداً بعلاقاتها، فقد كانت تربطه علاقات بأهل الفن والسياسيين، وأغلبها علاقات صداقة وليست مصالح فقط، وكان أعز أصدقائه فى السياسة "مكرم عبيد, وأحمد حسنين باشا, ومصطفى النحاس" .وفى الدول العربية كان صديقا لعائلة "الصُلح" فى لبنان رياض وتقى الدين الصلح وكذلك المفكر سعيد فريحة، وفى الأدب كان" توفيق الحكيم" من أعز أصدقائه والعقاد وكامل الشناوى وفكرى أباظة . وفى الفن "أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ويوسف وهبى وسليمان نجيب ونجيب الريحانى وليلى مراد وروزا اليوسف" وكانوا كثيرا ما يسافرون معا إلى مصيف" رأس البر". هل تتذكرين انفرادا صحفيا له؟ والدى هو أول من أثار قضية أطفال الشوارع فى عام 1953, وكان الموضوع تحت عنوان "هؤلاء الأطفال العراة المشردون". وبعد نكسة 1967 قام بالدعوة لحملة تبرعات لصالح وزارة الخزانة المالى لتستخدم هذه الأموال فى جمع عملة صعبة لصالح الوطن. أيهما طغى على الآخر عند التابعى : السياسة أم الفن؟ قيل عنه أنه سياسى عمل بالفن، والأدق أنه صحفى فنان لأنه وهو شاب كان يرسل مقالات ل"الايجيبشيان ميل" ينتقد فيها أوضاع الإنجليز فى مصر، ولكن الواضح عنده أن الفن والسياسة يمشيان فى خط مستقيم. و لماذا لم يدوّن مذكراته فى كتاب واحد ؟ جزء كبير من مذكراته نشر فى كتاب "الساسة والسياسة", والباقى نشر فى الصحف التى كتب فيها، وذكرياته تعتبر من أهم الوثائق التى ترصد تاريخ مصر الحديث، لدرجة أن الرئيس السادات طلب إعادة نشرها نظراً لدقتها وموضوعيتها فى سرد الأحداث. الجانب الآخر من ذكرياته موجود فى كتاب "أسمهان تروى قصتها" وفيه حقائق عن مدى صحة اتهامها بالجاسوسية وحياتها واعتزازها بنفسها جزء آخر من ذكرياته جاء فى كتاب "بعض من عرفت"، ويروى فيه عن علاقاته الإنسانية مع من كان يعرفهم، أما مفكرته فتحوى أشياء دقيقة جداً عنه وبعض التفاصيل الصغيرة التى لم يعرفها أحد. هل تعتقدين أن التابعى حصل على نصيبه الكافى من التكريم ؟ قطعاً لا، لأن كثيراً من الشباب إذا سمع اسم (التابعى) تذكر العلاقات الشخصية وترك الانتصارات الصحفية. كيف؟ مثلا هناك كتب كثيرة صدرت فى ال50 سنة الماضية تحكى تاريخ ما قبل الثورة، وجاء كتاب "أسرار الساسة والسياسة" للتابعى أكثر هذه الكتب موضوعية ودقة، لأنه كتبه من موقع (معايشة وقرب مع الأحداث) لكونه الصحفى الوحيد الذى سافر مع العائلة المالكة لمدة 5 أشهر لأوروبا على نفقته الخاصة، وكل الكتب التى جاءت من بعده وتناولت هذه الحقبة من تاريخ مصر بالمدح أو بالهجاء اقتبست من كتابه دون الإشارة إليه، وهناك مسلسلات تلفزيونية ظهرت اعتمدت على كتب التابعى ولم تشر إلى المصدر. وكيف كان ردكم ؟ قمنا بإعادة طبع كتاب أسرار "الساسة والسياسة " بالإضافة إلى إنشاء "جروب" على" الفيس بوك". ما هى المسلسلات التى لمست فيها( اقتباسا) من أعمال التابعي؟ الاقتباس واضح جداً فى بعض المسلسلات ولعل أبرزها مسلسل (الملك فاروق)، على الرغم من أن القائمين عليه "عملوا شغل جبار" وحولوا نص مكتوب إلى "مرئى". ولكنهم لم يذكروا المصدر وإن لم ينكروه ولكن لابد أن يُسألوا عنه حتى تعرف أنه من كتاب التابعى، ومما زاد من المشكلة أنه عبارة عن معالجة فكان يجب أن يذكر هذا أيضاً. هل تعتقدين أن تلاميذه كانوا أوفياء تجاهه؟ هيكل هو أوفى تلاميذ التابعى، ويأتى بعد ذلك من الجيل الثانى (تلاميذ التلاميذ) الكاتب أحمد رجب وعباس الطرابيلى وهناك كثير من التلاميذ الراحلين مثل إبراهيم الوردانى ورجاء النقاش, لكن الباقين ركزوا على الجوانب الشخصية فى التابعى وهى ليست سيئة ولكنها انتزعت من السياق، لتستعمل كنوع من الإيحاء. ألم تسبب له المهنة أية معاناة ؟ بالتأكيد.. فالتابعى أول صحفى مصرى يسجن بين عامى 1929 و1933 مرتين، وهو شيء أعتز به. وكان يعانى من إغلاق الصحف التى يعمل بها ومصادرتها، والطريف أن الذين تسببوا فى إغلاق الصحف التى كان يعمل بها التابعى أثنوا عليها بعد مرور 10 سنوات من إغلاقها. هل سفره المستمر كان يسبب له مشكلات على مستوى الأسرة ؟ سفره الدائم لم يؤثر على حياته الأسرية . فبعد زواجه كان يصطحب زوجته فى السفر ولكنه استفاد، مهنيا فقد كان أول من أدخل الكاريكاتير السياسى بعد أن أعجب به فى الصحافة الغربية ونفذها مع صاروخان، وكذلك استحدث المقال الخبرى، وكان دقيقا فى صحة الأسلوب والنحو ويتمسك بهما . ما هى أهم صفات التابعى التى لمستيها فيه أو سمعتيها عنه؟ من صفاته الأخرى غير أنه معتد بنفسه، أنه كان شديد الصرامة محاربا من أجل رأيه، طالما أنه على حق حتى لو خالف فيه الرأى العام، يرى دور الصحفى أن يساهم فى توعية الرأى العام بالحقيقة. وعرف عنه تحرى الدقة فى المعلومة من أكثر من مصدر فكان قراؤه يعلمون أن أى معلومة يقولها التابعى ليست "كلام جرايد"، بالإضافة إلى صفات أخرى مثل حبه للحياة وأسلوبه الساخر وتذوقه للفن وحبه للرحلات وهو ما أفاده كثيراً ومنحه إمكانية تقبل الآراء المختلفة, كما كان شديد الصرامة والدقة وفى نفس الوقت شديد الكرم. ما هواياته؟ كان يهوى الموسيقى والمسرح والسهرات الفنية والتزلج على الجليد، والأوبرا والقراءة خاصة فى الموسيقى. ومن أكبر هواياته التصوير. وهو من ابتدع تسجيل السهرات الفنية التى كانت تقام فى البيت، وكان يقدم للإذاعة نسخا من هذه التسجيلات. من أقرب أصدقائه إلى قلبه؟ التابعى كان يحب هيكل جداً. فمثلاً ممكن أن تجد موعد عيد زواج هيكل وأشياء من هذا القبيل فى أجندته، وهيكل أيضا كان تلميذا مخلصا له. والموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب أيضاً كان صديقاً مقرباً له إلا أنه توقف عن زيارته فى آخر أيامه. من أسماء التابعى "دونجوان الصحافة" فما حقيقة القول بتعدد علاقاته النسائية ؟ المرة المعروفة للكل هى زواجه من أم أولاده سنة 195. . كما أنه قبل ذلك خطب أسمهان ولكنهما كانا ينفصلا ويعودان لبعضهما، ويقال إن مصطفى وعلى آمين اللذين كانا يعملان تحت رئاسته فى آخر ساعة هددا بالاستقالة إذا تزوجها. "لأنهما كانا خائفين من تأثيرها عليه". ولا أعرف إذا كان ذلك هو السبب الحقيقى أم لا لأنه سؤال تاريخى، ولكن ما أعرفه أنه هو الذى طلب قطع العلاقة . وكانت أسمهان تحاول العودة إليه. وكيف كانت علاقته بالملك فاروق؟ والدى عاش الجزء الأكبر من حياته فى العهد الملكى, وكان شايف أخطاء كثيرة وفساد ومما لا شك فيه أن الملك فاروق كان ضحية ولكن مساوئه غطت على مزاياه. والتابعى كان يهاجمه فى وجوده مثلما كتب فى مقال "يحيا الظلم". وكان من أشد أنصار الثورة فى البداية وكان يجتمع بالضباط الأحرار فى مكتبه بآخر ساعة ويتبادلون النصائح السياسية. وبعد أن تغيرت ظروفه الصحية ربما كان عنده تصورات أكبر نابعة من حبه للوطن, ولكن لم يتم تحقيقها فاضطر للانسحاب تدريجياً من الحياة العامة, وقد اشتد عليه المرض عام 1971 فتوقف تماما عن الكتابة. من الذى كان يؤثر فى محمد التابعى؟ كان من الصعب التأثير على رأى التابعى, ولكن مشاعره كان التأثير عليها من قبل أسرته. كان طيباً جداً وحنوناً, رجل أسرة من الطراز الأول، ولو غير رأيه فى أمر كان بمنتهى السلاسة والصراحة يقول هذا ويوضح السبب. وما الشيء الذى كان يحزنه؟ الشيء الذى كان يحزنه فعلا عدم سؤال أصدقائه عليه وكان يترك أثرا كبيرا فى نفسه. لماذا لم يعمل أحد أبنائه بالصحافة؟ الصحافة كانت الرغبة الثانية لدى. ولكن والدى نصحنى بالعدول عن الفكرة وسألنى إذا ما كنت سأعتمد على نفسى أم على اسمه, فأخبرته أننى سأعتمد على نفسى, فقال لى" مش حتنفعى لأن الوسط الصحفى مثل الوسط الفنى، الكبير بياكل الصغير. كيف كان يتعامل مع من يهاجمونه ؟ لو هاجمه أحد "ولا بيفرق معاه", ولا يرد على أى اتهام أو هجوم , لأنه كان على يقين بأن صاحبة الجلالة تاج مملوء بالأشواك. والصحفى كثيراً ما يتهم بالجبن أو العمالة وكان يطبق مقولة "الكلاب تعوى والقافلة تسير". استمتاعه بالحياة ألم يسبب له أزمات مالية ؟ التابعى كان مسرف جدا وعاش كملك واستمتع بالحياة .وكان يسخر من نفسه بقوله أنه ورث تركة من الفواتير , وكان يمر بأزمات مالية. وقيل أنه باع المصرى وآخر ساعة بسبب المشاكل المادية بالإضافة إلى أن حالته الصحية تطلبت أن يستريح لفترة . هل تتذكرين مواقف طريفة حدثت معه ؟ موقف حصل معى شخصياً حيث كانت المرة الوحيدة التى قام فيها بضربى لأنى أحضرت كلبا من الشارع إلى البيت فخاصمته أسبوعاً إلى أن صالحنى بماكينة خياطة صغيرة وكان عمرى حوالى 8 سنوات ،والموقف الثانى حكاه لى هيكل أنه عندما كان فى بداية حياته الصحفية طلب منه التابعى أن يكتب مقالة عن ممثلة أمريكية ولم يكن هيكل يعرفها فكتب المقال على أنه ممثل، فترك له التابعى ورقة مكتوب فيها "حسب معلوماتى فإن تغيير الجنس من ذكر إلى أنثى أو العكس يتم على يد جراح وليس صحفى" . لمعلوماتك.. ◄ ولد التابعى فى 18 مايو عام 1896 على شاطئ بحيرة المنزلة لأسرة تعيش بالمنصورة. وتوفى فى 24 ديسمبر عام 1976 ◄ حصل على الابتدائية عام 1912والتوجيهية عام 1917م، ثم ليسانس الحقوق فى عام 1923م . ◄فى عام 1921م نشر له أول مقال فى جريدة "الإجيبشيان ميل" رد فيه على هجوم الجريدة على المظاهرات الوطنية للطلبة. ◄ أنشا مجلة "آخر ساعة" فى 14 يوليو من عام 1934م. ◄فى 12 مايو عام 1933 دخل السجن لمدة أربعة شهور بتهمة السب والقذف بحق وزير العدل آنذاك أحمد باشا على والنائب العام محمد لبيب عطية باشا. ◄ من ألقابه "أمير الصحافة"، "دونجوان الصحافة"، "كاتب الصحافة"، "مؤسس الصحافة".