كما نعلم جميعاً.. فالنقد علم له مناهجه وأسسه وقواعده.. كما أن له أيضاً ملكات خاصة يتحلى بها البعض وتتجلى قرائحهم فيجيدون بدرر الرؤى التى تكشف عن بواطن وخبايا العمل الفنى فيستمتع المبدع بما أبدعه حين يعيد قراءة نفسه ومنتجه الفنى بعينٍ أمينةٍ واعيةٍ وواثقة. كما يستمتع أيضاً المتلقى الذى يستزيد بالمعرفة والاكتشاف حتى يصل إلى درجة الالتحام بالعمل ويغوص غوصاً فى مكوناته ونسيجه. ولا أجد مجالاً آخر فى الفن يُخترق بمثل تلك السهولة التى يُخترق بها الفن التشكيلى على أيدى كثيرين غير مؤهلين كليةً لممارسة النقد التشكيلى، حتى أصبح ذلك مهنة من لا مهنة له. وأنا أدرك جيداً أننى حين أخوض فى ذلك فإننى قد دخلت "عش الدبابير" طواعيةً وبكامل إرادتى.. وأن كثيرين سيسعون متسابقين ليُلصقوا بى تهماً لا حصر لها ولا يعلم مداها إلاّ الله!!. وأعلم أيضاً أننى سأُتهم بمعاداتى للنقاد!! وقد يصدر فى شأنى بياناً حامى المزاج تكتبه سنونُُ حادة لأقلامٍ شديدة التوحش..!!! وسأصبح بين ليلةٍ وضحاها زنديقاً كافراً آثماً.. وربما مطبعاتى وعميل وخائن!!!. وليكن ما يكون.. فى سبيل إرساء الموضوعية وتسييد الرأى وإثراء الحوار بالأسانيد والمنطق والاحترام المتبادل. وبدايةً أعترف أننى ( ولا أعمم بكلامى هذا ) لم أطرح هجوماً يطال كل من يكتب فى مجال الفن التشكيلى.. فمعظم هؤلاء هم أصدقاء أجلهم وأحترمهم وأنحنى أمام موضوعيتهم.. وهم فى النهاية على درجةٍ من المنطق والوعى فلم يُفسد أبداً خلافنا علاقتى بهؤلاء ولا علاقتهم بى.. لأنه فى كل الأحوال كان هناك التزاماً باحترام الخطوط الحمراء.. والتى هى خطوط الأخلاق والضمير ونبل الهدف. وأنا أحتفظ بعذرى فى هذا التناول، ذلك لأننى أنتمى إلى جيلٍ تعامل مباشرةً مع بيكار ومختار العطار وكامل زهيرى ومحمود بقشيش ومحمد قنديل ونعيم عطية وبدر الدين أبوغازى وفاروق بسيونى وأنطون جناوى وأحمد حامد وعدلى فهيم وليلى القبانى والرائع الراحل أحمد فؤاد سليم.. وما زلنا نعايش كتابات محترمة وموضوعية لآمال بكير ومصطفى الرزاز وسمير فريد وصبحى الشارونى وكمال الجويلى. - 2 - وفاطمة على وعصمت داوستاشى وياسر منجى وأمل نصر ومحمد كمال وصلاح بيصار وثريا درويش ونجوى العشرى ومحمد حمزة وحسن عثمان وعادل ثابت ووفاء عوض وأمانى عبد الحميد وصفاء غنيم ويسرى القويضى والسيد رشاد وسامى البلشى. وتظل هناك أيضاً هامات شامخة تُمتع القارئ رغم عدم إستمرار هؤلاء فى الكتابة عن الفن التشكيلى أمثال الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى الذى كتب مقالاً نقدياً فى الدورة التاسعة لبينالى الإسكندرية تُعتبر من أهم ما تناوله النقد الواعى والموضوعى لحدثٍ فنىٍ مهم.. وأيضاً الناقد السينمائى سمير فريد الذى يفاجئنا من حينٍ لآخر بثراء رؤاه وتناولاته فى مجال الفن التشكيلى. ولا يجب أن أغفل أن هناك شعاعات أملٍ مشرقةٍ تنبئ عن مستقبلٍ آمنٍ فى مجموعةٍ من الشباب الذين لفتوا الأنظار لجديتهم ومثابرتهم فى تناول النقد التشكيلى مثل رهام محمود ودينا قابيل وتغريد الصبان ودعاء عادل وأحمد سميح ومجدى الكفراوى وشيماء محمود وعزة مغازى. وأظننى بمن ذكرت من أسماء قد أبرأت ساحتى من تهمة الجحود والعصيان ونكران الفضل.. وأما على الجانب الآخر.. فإننا نجد فريقاً ممن ضاقت بهم السبل وتفرقت بهم الأسباب فقذفت بهم أمواج المحاولات الفاشلة فى البحث عن دور يخوضون من خلاله مجالاتٍ عدةٍ لينتهى بهم الأمر مستقرين على شاطئ النقد مع زَبد البحر فلاهم غاصوا فى الأعماق سعياً وراء الدرُ الكامن.. ولاهم ساءلوا الغواص عن صدفاته!! فنجد خريجاً عتيقاً لكلية الفنون لم يُفلح فى الاستمرار كفنانٍ بعد أن عافر من أجل البقاء دون جدوى فلبس ثوب التراث موحياً بشرف الحماية والائتمان ، ونراه يكتب سابحاً فى مصطلحات اليسار بعد أن يغمسها فى بقع الألوان حتى تفصح عن مذاق الثقافة وبطعم البرتقال.. أو نجده يتشدق بعباراتٍ شاعت فى أفلام هوليود الأمريكانى " نحن من دافعى الضرائب!!" ويأتى ذلك ظناً منه أنه يستشهد على أعتاب النبل الثقافى وأنه سيستحوذ حتماً على وجدان القارئ الذى ستزلزله آهات الماركسية التى أذابت صاحبنا عشقاً وإيماناً.. علماً بأنه لا يمانع أبداً (وبالأصالة عن نفسه) أن يهتف للرأسمالية البرجوازية إذا أفلح فى بيع لوحات الراحلين والتى قد تدرُّ عليه بعضاً من المال ( على سبيل السمسرة ). عذراً لأننى أتجاسر على تابوهات توحشت فى عالمنا التشكيلى الرقيق.. فهؤلاء لم نقرأ لهم أو منهم نقداً بالمعنى الصحيح.. ولم نراهم يناقشون مكونات عمل فنى. - 3 - ولم نجدهم يوماً مهمومين بمتابعة مسيرة فنان رائع ليبصَّرون القارئ بمواطن الجمال فى موهبته أو حتى الأخذ بيديه لاجيتاز كبوةٍ فنيةٍ قد يقع فيها.. ولم نراهم محللون أو ساردون لمفردات النقد والثقافة التشكيلية، ولكنهم دوماً مصدرُُ للسهام المسمومة وأدوات التشكيك والمناداة المستميتة بالتراجع والرجعية ، متخذين من مساحات نشرهم مرتعاً لتقليم الأظافر شاهرين سيوفهم على رقاب الشرفاء من المنجزين لرفعة شأن هذا الوطن. ونموذجُُ آخر ممن يتسلحون بشياكة كلمة ( ناقد ) فى عالمنا المستباح.. هذا الذى انصهر عنده حرف ( الراء ) تحت وطأة حرارة مناخ دول الخليج الذى قضى فيها سنواتٍ وسنوات.. حتى هبط علينا ليتنقل بين إدارات قطاع الفنون التشكيلية ويُضبط متلبساً من حين لآخر بتقاضيه أموالاً من فنانين أجانب لزوم شراء مشروبات مثلجة توزع على ضيوف إفتتاح معارضهم.. ويقف مداناً مهاناً أمام الجميع ليخرج من جيبه ما سلبه من هؤلاء الفنانين ليعيده إليهم بعد لحظات من الخزى . ونحن نطالب هذا الناقد الهمام بأن يروى لنا قصة استبعاده من جريدة كبرى ومشهورة تصدر عن مؤسسة عريقة !!. ولا أدرى من أين يستزيد هؤلاء بهذا الكم من التبجح حين يشتمون ويسبون ويرتدون ثوب الوطنية والعيوبة ( أقصد العروبة ).. كما أننى لا أجد سبباً واحداً لتمكين هذه النوعية من احتلال مساحات للنشر على صفحات جرائد مصر ومجلاتها.. ولو أن رؤساء التحرير بحثوا قليلاً فى سجل هؤلاء وفحصوا سوابق أعمالهم لرفضوا على الفور تمكينهم من الانتساب إلى مؤسسات صحفية لها ثقلها وبما يشكل مغامرة أكيدة يجنى القارئ عواقبها وتجنى الساحة الثقافية وبالها المحقق. أما ثالث النماذج المريبة.. هذا الضاغط علينا دوماً بمصالحه الشخصية.. معتقداً أننا فى مواقعنا نمتلك قرارات السفر ومكافآت اللجان الوهمية والسبوبات الغير مشروعة ... ( والعياذ بالله ) ونحن والحمد لله لسنا من هذا القبيل.. وإلاّ كانت دفة هؤلاء النقاد فى صالحنا تغدق علينا عبارات الغزل والمدّح.. والله الغنى فنحن لا نقبل بمديح مدفوع الأجر ونسعد كثيراً بهذا الكم من الافتراءات وشلاَّلات الشتيمة والتهم والهجوم الشرس والطعن فى ذمتنا.. فهل يعقل إن صاحبنا بعد أن تقاضى ثمن لوحتين تم شراءهما منه لزوم أحد عمليات تجميل المواقع الرسمية بالدولة.. فيعود ويدَّعى أنه تقاضى ثمن لوحةٍ واحدة.. مدعياً أن اللوحة الأخرى قد دخلت فى ذمتى الواسعة !!! فأضطر أن أترك مشاغلى وهمومى اليومية والهث ساعياً لإثبات براءتى من دم هذا الذئب.. فالتقط صورتين للوحتيه فى مواقعهما ( وأقدمهما له ولجريدته كدليل إثبات ) – وأُحضر إليه أيضاً توقيعه ( بخط يده ) على فاتورة استلام ثمن اللوحتين !!. - 4 - ربِّى.. ما هذا العصر الذى نعيشه؟؟ وما هذا النقد الذى يُسلَّط على رقابنا ورقاب الفنانين والمثقفين والشرفاء.. وهل تطور النقد بفعل تدهور العصر فأصبح بهذا الشكل المرير؟؟؟ وهل للوحة أو التمثال دخل فى شتم الفنانين والمسئولين؟؟ وهل للون أو الخط أو علاقة الشكل بالفراغ دخل فى إدارة القطاع للفن؟؟؟ وإذا كان لا بد من شتم القطاع ورئيسه فلا مانع ... ولكن بنظرةٍ واحدةٍ تتسم بالموضوعية إلى محتوى ومضمون أى معرضٍ أو نشاطٍ ولو بقدرٍ بسيطٍ من التناول الجاد. أرجو المعذرة.. فنحن نضع نشاطاً ونرفع نشاطاً ونقيم معرضاً وننزل آخراً.. ونثرى الأجندة ونُضيف أفكاراً يقُبل عليها المئات من الفنانين.. وتلقى استحسان أصحاب الضمائر والأذواق الرفيعة داخل وخارج حدود الوطن.. إلاُ من آثروا الجحود والتربص باحثين عن قواتم الأشياء ليظلوا يشتمون ويشتمون ويشتمون.. ولا نطلب منهم سوى الرحمة. *رئيس قطاع الفنون التشكيلية