حرص الإنسان منذ وجوده فى هذه الدنيا على التجمل والتزين ذكرًا كان أم أنثى، والدليل على ذلك الكم الهائل من الأساور والحلى والعقود والقلائد والسلاسل والأقراط التى وجدت فى المقابر الأثرية، فضلا عن الشعور المستعارة وأدوات التجميل للرجال والنساء على حد سواء. ولما جاء الإسلام شجع المسلم على التجمل والتزين فقال تعالى فى كتابه الكريم: "يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد"(الأعراف 31)، والخطاب فى هذه الآية موجه لبنى آدم عامة، وبنو آدم ليسوا كلهم مسلمين فمنهم الكافر والبوذى والمسيحى، فهو لم يقل مثلا يا أيها الذين آمنوا، بل كان الخطاب لكل بنى آدم. والمسجد هنا ليس بالضرورة مسجد المسلمين فكلمة مسجد فى اللغة النبطية القديمة تعنى مكان العبادة على وجه العموم، والمفهوم من الآية أنه ليس بالضرورة المسجد فقط هو ما نتزين له، بل أى مكان آخر مثل الذهاب لعرس أو لحضور حفل زفاف أو أية مناسبة أخرى أو الاجتماع عموما بالناس فى أى مكان، وقال أيضا "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة" (النحل 8) "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" (النحل 6)، إذن الله سبحانه وتعالى لم يخلق أى شىء إلا وجمله وزينه حتى نستمتع بمنظره، ونتذكر اسم عظيم من أسمائه الحسنى وهو: "البديع" الذى أبدع كل شىء خلقه، فهذه سمكة متعددة الألوان فى تناسق عجيب، والبحر لونه الأزرق مع زرقة السماء واحمرار الشمس وقت الغروب. وكان المسلمون الأوائل أيام الدولة الأموية والعباسية والفاطمية يلبسون الملابس المزخرفة المنسوجة بالقصب والحرير وغيره، ويمشطون شعورهم بتسريحات مختلفة ويطيلون شعورهم، فينسدل على أكتافهم من تحت العمامة، وكل ذلك حبا فى التجمل والتزين، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التى جعلت إندونيسيا تعتنق الإسلام بسبب أن التجار المسلمين كانوا يتزينون ويتعطرون ويغتسلون فجذبوا إليهم أهل إندونيسيا. وعلى هذا فإن التجمل والتزين يصبح عبادة يثاب عليها الإنسان عندما يفعلها بنية أن ذلك لله، فهذا الإمام أبو حنيفة النعمان عندما كان يدخل عليه أحد ويراه جالسًا وحده فى الظلام فى كامل زينته فيتعجب ويقول له: "أنت متزين وليس يراك أحد؟" فيجيب: "أنا أتزين لله"، والإمام الشافعى كان يذهب إلى مجلس العلم مرتديًا أفخر الثياب، فيُسْأل عن ذلك فيقول: "إنى أتزين للعلم"، حتى جبريل عليه السلام حين كان يأتى للنبى - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيه فى أجمل صورة وأبهى منظر على شكل دحية الكلبى، وهو رجل وسيم من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم-، وقد جاءت امرأة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطلبت منه أن يطلقها من زوجها، فسألها عن السبب فقالت إنه لا يغتسل ولا يمتشط ولا يتعطر، فجاء بالرجل وطلب منه أن يغتسل ويتعطر ويتزين، فجاء الرجل وقد اختلف شكله تمامًا فسأل النبى - صلى الله عليه وسلم - المرأة فقالت إنها الآن ترضى عن زوجها، وهذا يدلنا على أن فكرة أن التزين والتجمل من خصائص المرأة فقط، وأن الرجل لا يتزين هى فكرة خاطئة، فالمرأة تحب أن ترى زوجها فى أجمل صورة، كما يحب هو أن يراها فى أبهى صورة. وقال أحد الصحابة رضوان الله عليهم: "إنى أتزين لامرأتى كما تتزين لى"، وقد وردت أحاديث كثيرة فى استحباب تعطر الرجال بما تظهر راحته ويختفى لونه وتعطر النساء بما يظهر لونه وتختفى رائحته. ونهى النبى عن الذهاب إلى المسجد بعد أكل الثوم والبصل وأمرنا بالاغتسال يوم الجمعة، لأنه يوم يلتقى الناس فيه بعضهم البعض "اغتسلوا يوم الجمعة ولو كأسًا بدينار"، (أخرجه ابن عدى فى الكامل عن أنس بن أبى شيبة عن أبى هريرة)، فما أعظم الدين الذى يراعى شعور الآخرين، وألا يؤذى أحدنا عين الآخر أو أنفه برائحة كريهة أو منظر قبيح. وكان الرسول الكريم نفسه مثالا للجمال والنظافة والتزين، وعندما سأله رجل أمن الكِبْر أن أرتدى ثيابًا جميلة؟ قال له: "إن الله جميل يحب الجمال" (رواه مسلم عن ابن مسعود رضى الله عنه)، فإذا ارتدى المسلم مثلا ثيابًا أنيقة فى أوروبا ومشط شعره بنية أن يكون هذا إعلانًا عن الإسلام وأن المسلمين قوم يحبون النظافة والجمال ليحببوا الأوروبيين فى الإسلام فله بذلك أجر. "إنكم قادمون على إخوانك فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة فى الناس" (رواه أبو داود عن أبى الدرداء)، فليت من يسكنون الشوارع ولا يغتسلون شهورًا طويلة يعلمون أن هذا سلوك لا يرضى الله ولا رسوله.. فهيا بنا نتعبد بالتجمل.