"للصمت فن، فإذا كنتَ فنانًا فى صمتك، أصبحتَ مبدعًا فى كلامك.". جالت هٰذه الكلمات فى فكرى، ونحن فى حياة أصبحت تمتلئ بالأحرف والكلمات: إن الجميع يتحدثون، فهل من مستمع لتلك الكلمات؟!! وطرحت الأسئلة نفسها: لماذا يصمُت الإنسان؟ وكيف يكون الصمت فنًّا؟ وهل للصمت صوت وكلمات؟ ومتى يكون الصمت حكمة؟ يعتقد بعضٌ أن صمت الإنسان هو عدم معرفة بالأمور أو بعض من جهل، لٰكن قد يكون الأمر مختلفًا، فيقول أحدهم: "صمتى لا يعنى جهلى بما حولى، ولٰكنه يعنى أن ما حولى لا يستحق الكلام.". فهناك من يرى أن الصمت هو نوع من الترفع عن أحاديث وثرثرة لا تُجدى، ولا تؤدى نفعًا لصاحبها فيفضّل أن يتوقف عن الكلمات، وأذكر كلمات قالها لى أحد أصدقائى: "أصمتُ أحيانا لأننى أعلم أن حديثى لن يغير شيئًا.". أتفق أن التغيير الذى يَنشُده العالم يحتاج إلى العمل لا الكلمات، إلا أنه ينبغى لنا أن ننتبه لأن الصمت هنا هو لسببين: أولهما هو طرح أمور لا تستحق أن يضيع الإنسان فيها وقته، وثانيهما أن هناك صمتًا يرى فيه صاحبه أن الكلمات لن تُجدى، وحينئذ وإن صمت ذٰلك الشخص عن الكلمات لٰكنه يجب أن يستمر فى أداء رسالته فى الحياة بالأعمال. ولٰكن، حذارِ أن تجعل صمتك أداة لجَرح الآخرين! كما عبّر عن ذٰلك "برنارد شو": "إن أداة الصمت هى أفضل تعبير عن الاحتقار."! هناك سبب آخر لصمت بعض الناس، فهم يرَون فيه خيرًا لهم لأنه يكون وسيلتهم فى طريق الحياة ليتعلموا حكمة السير فيه؛ فبالصمت يُصغون جيدًا إلى ما يقال ومن ثم يتعلمون؛ فتصبح الكلمات التى يستمعون لها مصباحًا يَهديهم فى ظلام الطريق، أو مرشدًا يحمى من أخطاء من الممكن أن تحدث فيتجنبون الوقوع فيها، فتخفف هٰذه الكلمات من أخطار المسير؛ وهنا يكون استخدام الصمت فى حياة الإنسان هو محاولة اكتساب مزيد من الحكمة. ويتحدث الكاتب الشاعر "جُبران خليل جُبران" عن الصمت والكلام، فيقول: "قد يكون فى الكلام بعض الراحة، وقد يكون فى الصمت بعض الفضيلة.". أيضًا هناك من يصمُتون لأن أفكارهم وقلوبهم امتلأت بالمشاعر التى أصبحت الكلمات عاجزة عن التعبير عنها، فما أضيق الكلمات من أن تعبّر عن تلك المعانى التى تَفيض بها مشاعر الإنسان أحيانًا! قيل: "إذا رأيتَ إنسانًا عاجزًا عن الكلام، فاعلم أنه لا يُريد التعبير عما بداخله لأنه أكبر من الكلمات.". إن هناك دائمًا كلمات كثيرة من صمت البشر، وعلينا أن نتعلم فن الإصغاء. وهنا أتذكر كلمات المتنيح البابا "شنودة الثالث" حين قال عن الصمت: "أحيانًا يكون الصمت أبلغ من الكلام، وأكثر فائدة ونفعًا، أو على الأقل قد يكون أقل ضررًا. الصمت قد يكون فيه حكمة وقوة، وقد يكون فيه نُبل ورسالة.". وعن الصمت ما يزال مزيد ومزيد ... الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى