صدر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر كتاب جديد بعنوان "مأزق الحركة الشيوعية المصرية" الجذور التاريخية والخيارات المستقبلية للكاتب طلعت رميح، وتقديم الدكتور وحيد عبد المجيد رئيس المركز. يرصد المؤلف فى الكتاب ما حدث فى الحركة الشيوعية المصرية، وكيف تراجع دورها إلى درجة التلاشى، ويقدم الكتاب محاولة جادة للبحث والتفكير، ويعود إلى الأصول والجذور ليقدم رؤيته لظاهرة الحركة الشيوعية العربية عموما والمصرية خصوصا. ويشير الدكتور وحيد عبد المجيد فى مقدمة الكتاب إلى سعى طلعت رميح فى الكتاب لتقديم رؤيته للحركة الشيوعية تاريخاً ومستقبلاً وفق خبرته الخاصة جداً، ومن منظور إسلامى بات ينظر إلى العام من خلاله، بعد أن انتقل من موقعه اليسارى الشيوعى إلى موقع يندرج ضمن أحد روافض الإسلام الحضارى التام لما يؤمن به واندفاعه الشديد فى العمل من أجله. ولعل اندفاعته النقدية فى هذا الكتاب هى نتيجة إخلاصه الأيديولوجى للفكرة التى آمن بها ذات يوم وكرَّس حياته من أجلها. يقع الكتاب فى أربعة أقسام يتحدث المؤلف فى القسم الأول منه عن "المظاهر العامة للمأزق التاريخى للحركة الشيوعية المصرية". حيث يتناول المظاهر العامة لمأزق الحركة عبر أطوارها ومراحلها الثلاث منذ بدايتها وحتى الآن، ويبدأ الكاتب هذا القسم بمدخل عام لتاريخ الحركة الشيوعية، لتسهيل المتابعة والوصول إلى رصد الظواهر العامة التى لازمت الحركة عبر تاريخها. ويعتقد المؤلف أنه يقدم فى ذلك الجزء من الكتاب دراسة علمية غير متداولة لا فى أوساط الحركة الشيوعية ولا فى أوساط الحركة الإسلامية فى رصد الظواهر وتحديدها وبلورتها عبر التاريخ المتطاول للحركة. أما القسم الثانى من الكتاب والذى يحمل عنوان "فشل الحركة الشيوعية فى دراسة مأزقها" فيتناول فيه الكاتب بالتحليل الأسباب «المباشرة» للظواهر التى رصدها فى القسم الأول، وهى الأسباب التى يعتقد أنها تبدو للعيان أو التى تسبب حدوث كل ظاهرة على حدة فى كل مرحلة من المراحل التى مرت بها الحركة الشيوعية منذ عشرينيات القرن الماضى وحتى الآن، ليستنتج المؤلف بعد ذلك أن تلك الأسباب «المباشرة» تتوارى عن أن تصبح أسبابا جوهرية عند البحث عنها وفق رؤية معمقة. ويخلُص المؤلف فى هذا القسم ومن خلال رحلة ممتدة لدراسة حالة «تكرارية» نفس ظواهر مأزق الحركة الشيوعية فى الدول العربية، ولأسباب مباشرة أخرى تخص حركتها فى كل بلد على حدة - إلى أن مظاهر مأزق الحركة الشيوعية المصرية هى مظاهر عامة لازمت كل الحركات من هذا النوع فى المنطقة، ويرى الكاتب أن البحث فى الأسباب يجب أن يتخطى خصوصية الواقع المصرى الذى غرقت فيه التحليلات، لننطلق من هذا إلى توضيح ومناقشة ونقد الأسباب التى يراها بعض قادة الحركة أسبابا للمأزق التاريخى الذى عاشته الحركة منذ بداية نشاطها المنظم فى مطلع عشرينيات القرن الماضى وحتى الآن. وينتقل طلعت رميح بعد ذلك فى القسم الثالث من الكتاب وهو بعنوان «الأسباب الحقيقية لمأزق الحركة الشيوعية» لبحث الأسباب الحقيقية فى رأيه لمأزق الحركة. فخلال هذا القسم، والذى يتضمن مقدمة وخمسة فصول، يبحث الكاتب عن إجابات لأسئلة يعتقد أنها مهمة حول تلك الظاهرة، تأتى فى مقدمتها بعض الأسئلة «النظرية» منها: هل يمكن باتباع المنهج العلمى فى الدراسة والبحث - وحتى باستخدام قوانين الماركسية نفسها - أن نقول أن ثمة نظرية عالمية للماركسية؟ والأمر ينطبق على مفاهيم ماركس حول الاقتصاد ونظريات لينين وماو وغيرهم بشأن الصراع الطبقى والثورة، ومنها البحث فى سقوط الاتحاد السوفييتى وكل الدول الاشتراكية من خارطة الماركسية كنظرية. فهل يكفى لتبرير ذلك الحديث عن البيروقراطية السوفييتية أو حتى رأسمالية الدولة؟ أو هل يكفى لتفسير ذلك القول بأن هذه التجارب تمثل مرحلة تاريخية «مضت»، أم أن الأجدر هو القول بأن أفكار الماركسية نفسها كانت «مرحلة تاريخية فى عمر البشرية» يجب البحث فيما يدخل عليها من تطويرات وتغييرات « فكرية»؟ ويطرح الكاتب عقب ذلك بعض الأسئلة الأخرى التى يحاول الإجابة عنها، والتى يرى أنها بالغة الأهمية فى ضوء تجربة الحركة الشيوعية، منها، ما هى «نظرية» الحركة الشيوعية المصرية لتحقيق رؤيتها وأهدافها؟ وهل نجحت الحركة عبر تاريخها فى التوصل إلى نظرية مقاومة أو نظرية للثورة التى «حلمت» بها؟ أم أنها لم تقدم سوى رؤية لحركة احتجاجية جماهيرية مدنية ذات برامج مطلبية؟ ويعتقد الكاتب أن ما يتعين علينا أن نبحث عنه هنا، ليس تساؤلات حول وجود برامج سياسية أو حتى عما يسمى فى الأدبيات الماركسية دراسات لتحديد طبيعة السلطة الحاكمة. بعد ذلك ينتقل المؤلف ليحاول الإجابة فى هذا القسم أيضا عن التساؤل لماذا - كانت ومازالت - الانقسامات ظاهرة ملازمة للنشاط الشيوعى، منذ بدأ هذا النشاط فى مصر والعالم العربى وحتى الآن؟. وأيضا لماذا اتسمت هذه الحركة بظاهرة الأطوار أو الأجيال حيث جرت نشاطات الحركة بالانقطاع بين الأجيال ليبدأ كل جيل عمله على أنقاض تجربة الجيل السابق - مثل الأب الذى يترك أسرته غارقة فى الديون - ودون تقدم أو تجاوز للظواهر السلبية المدمرة فى حركة الجيل السابق؟ ولم فشلت محاولات جذب العمال إلى صفوف الحركة خلال ما يقرب من القرن من الزمان، وهل يكفى لتفسير ذلك الحديث حول «عنف البرجوازية المصرية» ضد الحركة الشيوعية؟ وهل يكفى تبريرا لذلك القول بأخطاء تكتيكية سياسية أو تنظيمية؟ وهل ترتقى تلك الأخطاء إلى أخطاء فى التطبيق الفكرى؟