يجب أن ننوه – فى البداية – أن جل الباحثين فى هذا الموضوع قد انقسموا إلى فريقين على طرفى نقيض؛ حيث يرى الفريق الأول أنه لا مجال مطلقا للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية؛ لأن الإسلام يستعيض عن الديمقراطية بفكرة الشورى التى جاء بها الوحى المعصوم وتخضع لمعاييره وضوابطه. أما الديمقراطية الغربية فهى من ابتداع الفكر الإنسانى الذى يخضع للتغيير والتبديل والتطوير، وهى كأى عمل بشرى تعانى النقص وعدم الاكتمال؛ بل إن بعضهم تطرف فى وصف الديمقراطية بأنها رجس من عمل الشيطان؛ لأنها تعنى حكم الشعب للشعب والحكم لا يكون إلا لله. وتعالت أصوات أخرى تصف الديمقراطية بمعناها الغربى مدعاة للفوضى. أما الفريق الثانى فقد رفض وصف الفريق الأول للديمقراطية التى كافحت الشعوب من أجلها لتتخلص من الطغاة والمستبدين على أنها منكر أو كفر، فجوهر الديمقراطية-عندهم- من صميم الإسلام، والإسلام لا يحرم اقتباس فكرة أو حل علمى من غير المسلمين، وأن أعضاء البرلمان هم الصورة الإسلامية المعاصرة لأهل الحل والعقد. وأن الإسلام قد سبق كافة التشريعات المختلفة فى إرساء معالم الديمقراطية من حرية ومساواة . وبين هؤلاء وهؤلاء تبقى هناك فجوة كبيرة من الممكن أن يستغلها المتطرفون للهجوم على الدول وزعزعة أمن واستقرار البلاد؛ فكان لزاما علينا أن نبين تهافت هذه المعضلات وبيان التوافق الجوهرى بين الديمقراطية والإسلام، فالديمقراطية بمعناها الغربى تتفق إلى حد بعيد مع مبدأ الشورى الإسلامى؛ فطرح الأمور للتصويت ما هو إلا تفعيل عصرى لمبدأ الشورى، فإذا اعترض أحد قائلا إن فى الشورى الإسلامية ليست كل الأمور مطروحة للتشاور فهناك ثوابت وردت بها نصوص قطعية محكمة. أما فى الديمقراطية فليس هناك ما يسمى بالثوابت، فالأمور كلها موضوعة للتصويت، فنقول له أن الأمة لا تجتمع على باطل، وأن الدساتير فى البلاد الإسلامية تجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. فلا معنى حينذاك لتلك السفسطة التى يتخذها المتطرفون ذريعة للفكر التكفيرى بالزعم بأنه إذا تم- على سبيل المثال- وضع "إباحة الزنا" للتصويت فى البرلمان الديمقراطى ونال موافقة لأصبح مباحا وهذا ما لا يتوافق أبداً مع مبادئ الإسلام.. فهذا لا يتفق أبداً مع مبادئ التشريع الإسلامى.. ومن ثم تبدو هذه المسألة مغالطة واضحة لابد أن يتفهمها الشباب فلا ينساقون وراء هذه الدعاوى الفاسقة. كما لا يخفى التشابه بين نواب الشعب وأهل الحل والعقد فكلاهما يتم باختيار الأمة نتيجة لتعذر وجود الأمة كلها للتشريع واتخاذ القرارات المصيرية . ومن ثم تبدو تلك المحاولات التى تظهرها الجماعات والحركات المتطرفة والتى تظهر تعارض الإسلام والديمقراطية لهى محاولات زائفة، وأن الديمقراطية من جوهر الإسلام، وأن من يرفضها باسم الإسلام فإن الإسلام برىء منه؛ فقد بات من الواضح للعيان أن الفصل بين السلطات لهو أمر ضرورى للحد من جور الحكام واستفرادهم بالسلطة بشكل مطلق، وأن الانتخابات هى الشكل المعاصر لأهل الحل والعقد، وكذلك يكون الانصياع للدستور من الأمور الأساسية القادرة على تخليص الأمة من الطغاة والمستبدين والإتيان بالحاكم العادل الذى يستطيع إقامة دولة العدل والمساواة وتطبيق الشريعة، وأن التعددية السياسية أمراً مباحا لأن الدين الإسلامى يحترم الاختلاف ويقره.