أريد أن أكذب!.. أود لو أنى حققت تلك الأمنية، فكتبت وقلت إن كل شئ على ما يرام.. وإن البلد جميل.. وإننا نعيش فى رفاهية يحسدنا عليها الكثير ويحلمون بالمجئ إلى هنا لينعموا بما ننعم به وفيه.. أريد فعل ذلك كما يفعل مسئولونا الكبار ذو اللياقات البيضاء والبشرة الناعمة المشوبة بحمرة حين تحيط بهم الأضواء ليصرحوا ويدلوا ببيانات عن معدلات تنمية مرتفعة للتدليل على أن اقتصادنا قوى لا يتأثر بفضل النظرة الثاقبة والحلول العبقرية للحكومة.. لكنى أفشل دوما فى الكذب.. فكيف أقوى على الكذب المكشوف، وأنا أرى وأعيش وأتعايش مع هذا القبح والفقر والمرض والهوان؟ كيف تزداد قلة منتقاة وفرة فى الثراء الفاحش المتوحش ويطول الفقر الغالبية العظمى فتتهاوى تحت وطأه سياط تلهب ظهورها بأيادى معلومة، لكنها خفية فتتأجج حياتهم بجحيم مستعر من أبسط الأشياء إلى أكبرها.. شهد القاصى والدانى لنظامنا الحاكم بالذكاء فى افتعال مايؤلم لمواطنيه.. كل مطلب نوده مطلب عسير.. رغيف الخبز .. الماء .. الصحة.. الأجور .. الطعام.. التعليم.. العمل.. غلظه التعامل.. تكبر المسئولين..انتهاك الإنسان.. كل شئ إنسانى بسيط يتحول هنا إلى ترف فى رأى حاكمينا.. وكأن وجودهم الغاية منه هو تحويل الحياة إلى سواد قاتم حتى لا نتذكر قضايانا الكبرى مثل محاكمة المسئولين الذين باعوا صروح شيدت بثمن بخس دون ضمير لتذهب ثروات شعب إلى أفراد قلائل تحتكر كل شئ، ماعدا الهواء، لأنه الشئ الوحيد الذى لا يقدرون على احتكاره وحرماننا منه!.. الهند.. تركيا.. ماليزيا.. فيتنام .. و ..و .. كانوا مثلنا ومنهم من كان أقل منا. فيتنام مثلا، التى كانت خرابا وأطلالا وأشباحا جراء حرب طويلة مع أمريكا، انظروا كيف نهضوا، وكيف هم الآن.. اعتمدوا على الصراحة والوضوح والشفافية والثواب والعقاب واحتضنوا علمائهم فأكرموهم ووضعوا بين أيدهم ما يجعلهم ينكبوا فى البحوث والدراسات والاختراعات، فنجحوا وامتازوا.. وهنا علماء أفاضل يعيشون على الكفاف، ومع ذلك ينفقوا ويبدعوا ويخترعوا فلا يلتفت إليهم أحد لتظل مصر منهكة عاجزة لتظل يدها ممدودة للخارج وطالما اليد ممدودة فنحن بلا قرار.. بلا رؤية.. بلا قوة ..وإن صرخت كما أصرخ تصبح إنسانا جاحدا ترى نصف الكأس الفارغ .. كلامات منمقة من مكاتب مكيفة بألسنة كاذبة وقلوب لا ترحم وتمنع رحمه الله.. لمن أكتب ما كتبت وأنا أعرف أنهم لا يقرأون، فالوطن هم وهم الوطن.. وأسمع الآن الشاعر الفذ، أمل دنقل، وهو يقول ساخرا سخرية تبكى فى قصيدته الشهيرة البكاء بين يدى زرقاء اليمامة.. أنا الذى ما ذقت لحم الضأن.. أنا الذى لا حول لى ولاشأن.. أنا الذى أقصيت عن مجالس الفتيان.. أدعى إلى الموت.. ولم أدع إلى المجالسة.