الحضارة والتقدم فن لا يتقنه إلا العلماء، ولكم عجبت لبلد يريد أن يصنع طفرة فى مجالاته، ولا يهتم بعلمائه ومبدعيه، إن تأسيس أى مشروع حضارى بهدف تحقيق نقلة نوعية فى البلاد يجب أن يقوم على أساس نهضة التعليم ثم التعليم ثم التعليم، وبغير ذلك لن يحقق المشروع أى نجاح، إن معظم المشروعات التى قادت الدول الفقيرة إلى مصاف الدول المتقدمة كانت مشروعات تعليمية قومية بسيطة لا تحتاج إلى أموال، بل تحتاج إلى إعلام توعوى وجهد وإخلاص فى التنفيذ من الجميع. إن دولة ماليزيا على سبيل المثال لم يكن لديها اقتصاد قوى، ولم يكن لديها أى شىء سوى وعى ورؤية مخلصة من الشعب الماليزى بقيادة مهاتير محمد، الذى قام بوضع خطة تعليمية قومية خلقت مناخ مشجع للمبدعين فى الظهور وأعطتهم الفرصة الكاملة للقيادة فى المواقع المهمة فى البلاد، ونتج عن هذه السياسة قفزة هائلة للمجتمع الماليزى فى خلال عشر سنوات وأصبحت ماليزيا واحدة من أقوى دول النمور الاقتصادية فى آسيا، وكذلك الحال فى الهند وفى اليابان وفى كوريا الجنوبية، وقد كان الحال أيضا هكذا فى بدايات النهضة الغربية، فلماذا لا تتبع بلادنا الحبيبة نفس الأفكار والأساليب والطرق لكى تنهض وخرج من كبوتها ؟ إن الاهتمام بالعلم والتعليم لا يمكن أن يتم على مستوى أفقى فى جميع المدارس، وفى جميع المحافظات والمدن والقرى، هذا أشبه بالمستحيل ونتائجه بعيدة المدى إن ظهرت له نتائج، لذلك أرى أن يكون التوجه هو التركيز على مدرسة واحدة فى كل محافظة تكون تحت إشراف مؤسسة من المؤسسات، التى يشهد لها بالانضباط والتخطيط السليم، ويدير هذه المدارس علماء من الجامعات المصرية وخبراء فى التعليم يتم استقدامهم من الخارج، والمعلم الذى يعمل فى هذه المدارس لا يجب أن تقل مؤهلاته عن درجة الدكتوراه فى مجال التربية. وبالتأكيد هناك اختبارات قبول الطلاب فى هذه المدارس تعتمد على قياس مستوى الذكاء ومهارات التفكير والخبرات المكتسبة، والمناهج المطبقة فى هذه المدارس يجب أن تكون خاضعة لمعايير العالمية وتشرف عليها هيئات عالمية متخصصة فى قياس مدى جودة التطبيق العملى داخل الفصول، وكذلك قياس المستوى حسب المعايير المتعارف عليها عالميا، ويراعى عند اختيار هذه المناهج ميول وحاجات كل طفل، ولا مانع من تعدد المناهج فى الصف الواحد، وفقا لمهارات الطلاب وقدراتهم وميولهم، كما يجب أن يكون للجامعات والمراكز البحثية وعلماء النفس دور فى تحليل شخصية كل طالب عبقرى يدرس فى هذه المدارس، وكذلك الحفاظ عليه من كل ما يعيق قدراته على النمو سواء كانت مشكلات نفسية أو اجتماعية، فكل طالب من هؤلاء المختارين يجب التعامل معه على أنه ثروة قومية وطوق للنجاة. وبتخرج هؤلاء الطلاب من الصف الثانى عشر يتم نقلهم مباشرة إلى جامعة خاصة بهم، وبالتأكيد فإن فترة 12 عاما من المتابعة والدراسة الدقيقة لمهارات كل طالب كافية لكى نعرف ما هو التخصص، الذى يمكن أن يبدع فيه كل طالب من هؤلاء العباقرة، وما إن يتخرج كل طالب من هؤلاء حتى يكون له موقعه فى الدولة لكى يبدع ويسهم فى تقدم المجال، الذى تخصص فيه هو وزملاءه، ويتم توفير له المناخ المناسب للقيادة والتغيير والتجديد فى سياسات العمل وأساليب الإدارة. بهذه الفكرة البسيطة نستطيع أن نحقق ما نريد لبلادنا من نجاح على المدى القريب وفى نفس الوقت يكون لنا سياسة بعيدة المدى لتطوير التعليم بشكل عام، وأقول لكل مسئول فى الدولة إن تحديث التعليم فى بلادنا هو العامل الأصيل المؤثر فى كل المجالات الأخرى مثل الصحة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والفن والإعلام لذا فواجب علينا أن نتكاتف جميعا لكى نصنع بأيدينا طوق النجاة، الذى سيصل بنا إلى شاطئ التقدم والازدهار، عاشت مصر الحبيبة.