معجزة شرق آسيا .. ماليزيا ... تجربة لا يمكن تجاهلها حينما نتناول موضوع النهضة التعليمية فى العالم ، فهى أحد النمور الآسيوية الصاعدة المحتفظة بهويتها الإسلامية على الرغم من خضوعها للاحتلال البريطانى حتى عام 1957 ، إلا أنها انطلقت فى مجال تطوير التعليم بشكل كبير لتصل نسبة الأمية إلى أقل من 5% ، وذلك بعد أن أصبح إلزاميا ، بالإضافة إلى فرض تعليم اللغة الإنجليزية فى المدارس الحكومية والوطنية. وتعد النهضة التعليمية فى ماليزيا سببا رئيسيا لما وصلت له ماليزيا من تقدم ، فبعد أن كانت دولة تعتمد بشكل أساسى فى اقتصادها على الزراعة ، انتقلت لتنضم إلى صفوف الدول الصناعية الكبرى ، وخاصة فى مجال الصناعات التكنولوجية وصناعة السيارات والأثاث ، فضلا عن تواجدها فى الصفوف الأولى على قائمة الدول السياحية فى العالم. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة التعليم فى ماليزيا تجاوزت 93% بنسبة 95.5% للذكور و90.7% للإناث ، وذلك وفقا لبيانات عام 2010. ومن ضمن العوامل المؤثرة على تطور التعليم فى ماليزيا كان الاحتلال البريطانى ، فإذا نظرنا إلى منظومة التعليم الماليزية ، سنجدها متأثرة بدرجة كبيرة بنظام ال »GCSE« الخاص بالمرحلة الثانوية ، فقد أخذت كوالالمبور المفيد من النظام البريطانى بما لا يتعارض مع هويتها وثقافتها الإسلامية. وأثر العامل السكانى أيضا على التعليم الماليزى فى توجيه سياسته نحو تنمية الفرد والاستثمار فيه واستخدامه كثروة بشرية ، كما كان للتنوع العرقى فى ماليزيا دوره فى إثراء المناهج التعليمية وتنوع الخبرات والثقافات ، ففى ماليزيا نجد العديد من اللغات المستخدمة بسبب الاختلافات العرقية التى تبدأ ب«المالايو« ، وهى لغة أهل البلد الأصلية ، بالإضافة إلى الصينية واليابانية والإنجليزية. واستندت فلسفة التربية فى ماليزيا إلى الفلسفة الإسلامية ، مع الاستفادة من الفلسفات الأخرى وخاصة الفلسفة البراجماتية ، وكان لرئيس الوزراء الأسبق الدكتور مهاتير محمد دور عظيم فى نهضة ماليزيا الحديثة ، وله أيضاً تأثيره الكبير على السياسة التعليمية الماليزية ، حيث أعد خطة لتطوير التعليم فى ماليزيا وحدد مداها بعام 2020 لتصبح إحدى أهم الدول المتقدمة تعليميا ، ومن أبرز ملامح هذه الخطة : أولا : إرسال أكثر من نصف مليون طالب ماليزى إلى الجامعات الغربية بهدف نقل حضارة العالم المتقدم إلى المجتمع الماليزي. ثانيا : إقرار إلزامية التعليم ومعاقبة الآباء الذين لا يرسلون أبناءهم للمدرسة ، مما أدى إلى انخفاض نسبة الأمية من 47% إلى 1% حاليا. ثالثا : العناية بالمتفوقين من المعلمين بتقديم حوافز وجوائز ، وتهيئة مدارس خاصة للطلبة المتفوقين. رابعا : تطوير المؤسسات التعليمية كماً وكيفاً واستحداث مشروع المدرسة الذكية. خامسا : توجيه التعليم إلى الحاجات الحقيقية للدولة بحيث تنسجم التخصصات الجامعية مع متطلبات سوق العمل. وتنقسم مراحل التعليم ما قبل الجامعى إلى مرحلتين : الابتدائية والثانوية ، يمتد التعليم الابتدائى فى ماليزيا لمدة ست سنوات ، ولكن يلاحظ أنه يمكن إكمال هذه المرحلة إما فى 5 سنوات أو 7 سنوات ، وذلك يتوقف على تفوق الطالب ومعرفته بلغة المالايو والإنجليزية يبدأ فى سن السادسة، والتعليم فى المرحلة الابتدائية فى ماليزيا مجانى وإلزامي. اما المرحلة الثانوية فالتعليم فيها بالنظام البريطانى ،حيث نجد فى تلك المرحلة العديد من الاختبارات مماثلة لاختبارات النظام البريطانى »GCSE« وخصوصا فى اللغة الانجليزية ، حيث لا يجتاز الطالب المرحلة الثانوية دون النجاح فى هذا الاختبار. وتنقسم المرحلة الثانوية إلى دنيا وعليا تماما مثل النظام البريطانى »OL« و«AL«. أولا : مرحلة الثانوية الدنيا : ينتقل الطلبة لهذه المرحلة بعد إتمامهم المرحلة الابتدائية، ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات، ينتقل طلبة المدارس الابتدائية الوطنية للصف الأول من هذه المرحلة مباشرة، بينما يلتحق طلبة المدارس الأخرى (الصينية والتاميلية) بصف يطلق عليه صف الانتقال لمدة سنة دراسية واحدة قبل انتقالهم للصف الأول من الثانوية الدنيا. يهدف هذا الصف الانتقالى إلى تمكين الطلبة من اكتساب المهارة فى اللغة المالاوية والتى هى لغة التدريس فى جميع المدارس الثانوية ، وتوفر المناهج المتكاملة للمرحلة الثانوية الدنيا تعليماً عاماً للجميع، وتضم مواد أساسية تتكون من اللغة المالاوية واللغة الإنجليزية والرياضيات والتربية الفنية والعلوم والجغرافيا والدين الإسلامى والتربية الأخلاقية والتربية البدنية والصحية، ومواد إضافية تشمل اللغة الصينية واللغة التاميلية. وثانيا : المرحلة الثانوية العليا : مدة الدراسة فى هذه المرحلة سنتان، يلتحق بها الطلبة بعد اتمامهم للمرحلة الثانوية الدنيا، يدرس فى هذه المرحلة المواد الأساسية نفسها التى تدرس فى المرحلة الثانوية الدنيا، ما عدا مادة الجغرافيا والتربية الفنية والمهارات الحياتية لينتقل بعدها إلى المرحلة الجامعية.