سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كارثة.. 150 ألف حالة تعدٍ على نهر النيل «فى عز الضهر».. 330 مخالفة ارتكبها رجال الأعمال والنوادى والمؤسسات الحكومية بالقاهرة الكبرى.. ووزير الرى: نحتاج مشاركة مجتمعية لمواجهة المشكلة
«مصر هبة النيل»، قديماً قالها «هيرودوت» لإعجابه الشديد بنهر النيل، ذلك المنحة التى أنعم الله بها على مصر ووهبها به الحياة والوجود، فلولاه ما شهدت مصر حضارة امتدت جذورها فى أعماق التاريخ وما زالت حتى اليوم، ولكن هل كان هيرودوت سيقول نفس الجملة إذا زار مصر فى الوقت الحالى ورأى ما يفعله الشعب المصرى فى نهر النيل من انتهاكات وتلوث وصرف مخلفات به؟ يشير الحصر النهائى لقطاع حماية وتطوير النيل بوزارة الرى، إلى أن النهر تعرض لنحو 150 ألف حالة تعدٍ قبل وبعد ثورة يناير، حيث ألقت المصانع والمراكب النيلية مخلفات الصرف فيه دون معالجة بجانب ردم آلاف الكيلو مترات، بعضها مر عليها سنوات طويلة وأصبح من الصعب إزالتها بعدما استقر ساكنوها فيها وأوصلوا المرافق إليها من كهرباء ومياه شرب بطرق قانونية، إما استغلالاً لنفوذ أو سدادا لفاتورة انتخابات كما كان يحدث قبل يناير 2011. وأثبت الحصر المبدئى لقطاع حماية وتطوير النيل أن المخالفات التى ارتكبها كبار الشخصيات سواء العامة أو المسؤولين أو رجال الأعمال أو النوادى بالقاهرة الكبرى وصلت إلى ما يقرب من 330 مخالفة «ردم وبناء داخل مجرى النيل»، منها ما تم تقنينه وتسويته بتأشيرات صريحة وواضحة خلال عهد مبارك، كمجاملات لرجال الأعمال الذين ردموا مساحات لبناء «فيلل واستراحات» بكتابة عبارات مثل «يكتفى بما تم من ردمه» أو «موافق على تقنين الوضع الحالى»، وبذلك تمت تسوية المخالفة التى من شأنها التأثير السلبى على مجرى النيل، بالإضافة إلى أن وزارة الرى ليست جهة إصدار تراخيص. وأكدت مصادر مسؤولة بوزارة الموارد المائية والرى أن الوزارة لن يمكنها بأى من الأحوال إزالة بعض المخالفات المقامة على النيل، رغم المحاولات الكبيرة التى يبذلها وزير الرى لاستهدافها بالكامل، قائلاً الوزير «دخل عشش الدبابير وهيفتح على نفسه باب جهنم»، لو حاول استهداف المخالفات «الكبيرة»، مشيراً إلى أن «هناك بعض التعديات ستدخل الوزارة فى مشاكل قانونية مع المخالفين، لأنها ستكون مسؤولة أمام القانون». وأشارت المصادر فى تصريحات ل«اليوم السابع» إلى أن هناك تقريرا مهما جداً عن إجمالى التعديات المقامة على النيل صدر فى 2010 «سرى للغاية» بالتنسيق مع هيئة الأرصاد الجوية، حيث تم تحليل صور الأقمار الصناعية منذ 1980 فأوضحت شكل النيل فى الثمانينات قبل إقامة التعديات عليه، لكن هذا التقرير تم إخفاؤه بتعليمات من شخصية مسؤولة، كما صدرت 3 تقرير أخرى حديثاً بالتنسيق مع جهات مختلفة منها معهد بحوث النيل. وتوضح تقارير أن من مناطق التعدى فى القاهرة الكبرى «عزبة البكباشى، ومنيل شيحة، وجزيرة القرصاية، والبدرشين، والقناطر الخيرية»، وأشارت تقارير قطاع حماية وتطوير النيل إلى أن المبانى المخالفة التى أقيمت على النيل تسببت فى تضييق المجرى المائى وإعاقة حركة المياه، ما استدعى تدخل وزارة الرى لوقف المهزلة التى يتعرض لها النهر، حيث قررت إطلاق «حملة إنقاذ النيل»، برعاية المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، وبمشاركة جميع الوزارات. ويمكن وصف حملة «إنقاذ النيل» بأنها الأقوى فى تاريخ الوزارة، حيث جميع الشواهد تؤكد أن الدولة بدأت حربها فى مواجهة التعديات لكن هل ستستمر؟ هذا ما ستثبته الأيام القادمة، وأثبتت تقارير حماية وتطوير النيل أن إجمالى التعديات التى تم رصدها عليه بلغت 150 ألف حالة فى 15 محافظة ما بين «تلوث وردم وبناء»، تمت إزالة 90 ألفا منها، منها 4700 حالة فى العام الماضى، وأزال قطاع حماية النيل 13.2 ألف حالة منها 4.7 ألف فى العام الماضى. وهناك العديد من المؤسسات الحكومية التى أنشأت مبانى مخالفة على النيل على رأسها مبنى وزارة الرى، والذى يمكن إدراجه ضمن التعديات طبقًا للقانون الجديد، حيث تم ردم 100 متر داخل النهر، وأقيم مبنى الوزارة على حافة النيل مباشرة خلال السبعينيات، أى قبل صدور القانون فى الثمانينيات، والذى يقضى بوقف أى مبانٍ على النيل لمسافة 500 متر. وبلغت المخالفات بالقاهرة الكبرى «القليوبيةوالقاهرة والجيزة» 1056 حالة منها فى القاهرة 1056، وفى مدينة بنها بمفردها 6 آلاف و398 حالة، وفى دمياط 11 ألفا و297 حالة، والبحيرة 6 آلاف و905 حالات، والغربية 16 ألفا و29 حالة، وفى بنى سويف 3057 حالة، والمنيا 2906، وأسيوط 564 حالة، وسوهاج 517 حالة، وقنا 1374 حالة، وأخيراً أسوان 327 حالة. وزادت التعديات بشكل كبير فى أعقاب الانفلات الأمنى الذى شهدته البلاد بعد ثورة يناير، حيث وصلت إلى ما يزيد على 30 ألفا خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث استغل المخالفون حالة الترهل التى عانت منها أجهزة الدولة وردموا مئات الأفدنة على جانبى النهر فتحولت إلى عشش وكتل خرسانية وكافيتريات ومطاعم لا حصر لها. ورغم ظهور مبادرات من قبل تطالب بحماية نهر النيل والتصدى لتعديات جهات وأفراد كانوا يستغلون نفوذهم فى عهود سابقة، إلا أن مبادرة «إنقاذ النيل» التى يبناها مجلس الوزراء، تأخذ قدرا من الجدية، حيث أكد الدكتور حسام مغازى وزير الموارد المائية والرى أن الدستور أكد حق المواطنين فى التمتع بالنيل، وحظر التعدى على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، ما يضع على عاتق الدولة مهمة إزالة كل التعديات. وأوضح الوزير فى تصريحات ل«اليوم السابع» أن المادة الخامسة والأربعين من الدستور تؤكد التزام الدولة بحماية نهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد استخدامه وتعظيم الاستفادة منه، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها، مشيراً إلى أن الحملة فى حاجة ماسة إلى مشاركة مجتمعية حقيقية من كل أفراد المجتمع. وأوضح مغازى أن الحملة تستهدف إزالة جميع أشكال التعديات على طول مجرى نهر النيل وفرعيه وجميع المجارى المائية، كما تأتى تتويجا لوثيقة إنقاذ النيل، الهادفة إلى مشاركة جميع أطياف المجتمع فى الحفاظ على النهر من التعديات والتلوث، مؤكداً إصرار الحكومة وعزمها على تطبيق القانون بلا هوادة ودون تفرقة بين المواطنين من أجل ترسيخ هيبة الدولة. وأعلن الوزير عن أن اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء تعكف على الانتهاء من قانون النيل الموحد الذى ينص على الحبس عام والغرامة 50 ألف جنيه فى حالة التعدى على نهر النيل. وأكد أن الدور القومى للحكومة هو حماية النيل من التعديات والحفاظ على مياهه من التلوث، لتلبية احتياجات جميع الأغراض، مشيراً إلى أنه تم إصدار قرارات عاجلة لمتابعة إزالة التعديات بالتنسيق بين وزارات الرى والداخلية والتنمية المحلية والمحافظات، لضمان سرعة التنفيذ ضمن برنامج زمنى لملاحقة المخالفات ومنع معاودة المتعدين للقيام بالأعمال المخالفة، خاصة أن هيبة الدولة استقرت ولا سبيل للمخالفين سوى الرضوخ للقانون. وأوضح أنه تم تشكيل لجنة من قطاع حماية النهر ومعهدى بحوث النيل والمساحة لإمداد الإدارات على مستوى الجمهورية بجميع المعلومات التى تمكن مهندسى الوزارة من سرعة ودقة تحديد المخالفات وحجمها، لإدراجها ضمن أعمال حملة إنقاذ النيل. ولفت مغازى إلى أن «الرى» تعمل مع مختلف الوزارات لوقف التلوث، حيث خصصت وزارة الإسكان 13 مليار جنيه لإنشاء محطات معالجة لمياه الصرف الصحى لأكثر من 500 قرية تصرف هذه النوعية من المياه دون معالجة على بحيرة المنزلة من قبل 5 محافظات، وذلك من خلال حلول جذرية لمشاكل التلوث وحلول فنية ومؤسسية وطرق معالجة مياه الصرف الصحى المنخفضة التكاليف فى القرى، إضافة إلى قرار وزارة البيئة بعدم إعطاء رخصة سماح لأى مصنع جديد إلا بعد عمل وحدة لمعالجة الصرف الذى يخرج منه إلى شبكة المجارى. وأكد الوزير أن «الرى» ستطرح وثيقة التعهد بحماية النيل من التعديات على المجتمع للحصول على 50 مليون توقيع تأييداً للوثيقة وإرسالها للمحافظات للمشاركة فى حملة جمع التوقيعات.