كنا فى الأيام الخوالى نتعامل بمنطق المبدأ.. أما الآن فالمنطق اختلف، كما اختلف الزمان، والمكان، واختلفت الحياة، والاهتمامات، أصبحت الحالة تستمد معلومات من الإنسان وتحولها لمادة وتقوم بدلا منها بالتفكير والتدبير، بل والتنظيم والاتصال، أصبحت العقول خاوية من الفكر وأصبحت القلوب خاوية من العاطفة بسبب التعامل مع الآلات، فمن عاشر القوم صار منهم، ونحن بنى البشر عاشرنا الآلات الحديثة طوال النهار والليل ونتعامل معها وهى بلا مشاعر، فهل انتقلت عدوى منها الى الإنسان المفكر المدبر الناجح صاحب الإبداع ؟؟؟ بل كنا نتعامل من خلال خبراتنا حتى ونحن صغار التى اكتسبناها ممن حولنا وكنا نقتضى بهم دائما، أما الآن فلا قدوة ولا كبير ولا مبدأ حتى ولا حياء.. أصبح التعامل بيننا نحن البشر آليا، وانتهت القدوة من حياتنا، كما انتهت المشاعر والأحلام والمبادئ، وكما انتهت التطلعات التى كنا نلغيها !! فهل نحن المسئولون عن ذلك ؟؟!! أم الحكومة ؟؟!! أم الآلات التى نعاملها ؟؟!! لقد اختفى العقل البشرى، اختفت القدوة واختفت معها المبادئ واختفت أسباب النجاح.. وأسباب الرحمة، تلاشت أمور هامة، فتجد العامل فى المصنع لا ينتج بعد أن كان يتمنى العمل فى المصنع للعيش الرغد، فالواسطة والمحسوبية حلت محل التفوق والتميز، ولا توجد نتيجة، وإذا حاولنا الإصلاح ثار الجميع وتظاهر العامل العاطل المتواكل على الآلات، ويشعر أنه فى متاهة، فلقد تعود المواطن المصرى على أنه كالطفل الصغير وحكومته هى أمه التى تدلله، فمثلا فى الماضى كانت هناك اتجاه من الحكومة لتعيين الخمسة قى المائة المعاقين وكانت الإعاقة بسبب بتر جزء من الجسم فى أثناء الحروب ويفقد معها المواطن القدرة على العمل فتكون الحكومة حينئذ أولى برعايته وتعيينه فى وظيفة مناسبة، أما الآن فكل من له إعاقة سواء عضوية او عقلية يسعى لرعاية الحكومة ويطلب عنايتها وكأنها هى من أعاقه ويتواكل وليس له هدف، ولا تطلع، أصبح الشباب عاجزا، يسعى وراء المخدرات، والقنوات الفضائية، وأصبحت الحكومة فاقدة للتوجيه، واختفت الوطنية، وكل من يستطيع الفساد يقوم به، وأصبحت الكلمة المستساغة عند الجميع لا جدوى من الإصلاح، فاذا كان كذلك ، فلما نطلب من الحكومة البقاء على الشركات دون خصخصة ؟؟!!.. إلى متى يظل العمال تنابلة السلطان (أكل ومرعة وقلة صنعة) ؟؟!!.. يجدون الخطورة فى حصول رجل أعمال على شركة حكومبة حتى لا يجبرهم على العمل، فمن يعمل يستحق البقاء، ومن لا يعمل، فلا مكان له، لماذا لا نعمل جميعا من أجل الإصلاح ؟؟!!، فكلنا نطالب الحكومة بالإصلاح دون البدء بأنفسنا، هل هذا يعقل ؟؟!!، فرب الأسرة يحمل أعباء بضعة أفراد وينوء بحملها، أما رئيس الدولة فيحمل أعباء ثمانون مليون فرد، ولم يشكو يوما الحمل الكبير، ولم ينوء بحملهم، ومطلوب منه ما يطلب من رب السرة، المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والدواء ..... فيجب علينا جميعا أن ننفض عن كاهلنا غبار الآلية وقتل المشاعر ونصحوا من غفوتنا ونشد على أيدى بعضنا البعض لنعمل لنصر الوطن .... فاالنصرة ليس فى الحروب فقط، بل فى الإنتماء وهو لا يتحقق بدون عمل، فكل منا لو راعى الله وضميره فى العمل لصارت بنا السفينة عبر دروب الحياة شامخة .... وإن لم يكن كذلك، لصارعتها الأمواج وأتت عليها وأصبحنا بلا ماوى، ولا وطن، ولا حارس، ولتمنينا يوما من هذه الأيام، فقد أمر الله – عزوجل – مريم العذراء .... وهى حامل، ولا تستطيع القيام، وقال لها ( وهزى إليك بجزع النخلة تساقط عليكى رطبا جنيا، ) أى أمرها بتحريك جزع النخلة حيث لا يستطيع هزه وتحريكه أعتى الرجال، وذلك حتى تسقط لها النخلة البلح لتأكل .... فما بالنا نحن نريد العيشة الرغده بلا مجهود أو بأقله ؟؟!!، فهل نحن أفضل من السيدة مريم ؟؟!!.. أم نحن قوم مكرمون؟؟!! أم أن الجنة أصبحت على الأرض ونستمتع بها.. ؟؟!! أم نحن فقدنا القدوة، والهوية، والتفكير وصرنا بلا عقل كالآلات التى نعاملها ؟؟!! وكل من نجده فى رخاء بعد معاناة السنين نقول : أنه كان يعمل كذا وكذا، هو ناسى كان إيه ؟؟!!، فمن لا يرحم لا يُرحم، فإن كنت لا ترحم، فلا تقف فى طريق الرحمة، إذا أردنا الحياة فلابد أن نسعى حتى تأتى لنا ونشعر أننا نستحقها، فإن أردنا الليل أن ينجلى فلنعمل حتى طلوع النهار، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فقد قال الله ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم )، فملاذا نحتضن الآلات ؟؟!!، ونجعلها قدوة لنا ونقف خلفها فى الصف، ونجعلها قائدا لنا، فلسنا دعاة رجعية أو ضد التحضر .... إطلاقا هكذا، لكان خلق بدلاً من البشر كمبيوتر وآلات، ولا عجب إن وجدنا إعلانا فى الصحف يوما ما لرجل يريد مبادلة أولادة بآلات حديثة حتى تساعده فى عمله، فلا تطلب طعام أو شراب، فهل من عقل مفكر ؟؟!!.