فى البداية يجب أن نعترف أن السياسة هى لعبة المصالح، ومن هذا المنطلق تتعامل الولاياتالمتحدة مع دول العالم، ومنها مصر، التى عانت كثيرًا من الازدواجية فى السياسة الأمريكية، والتى عمدت إلى تزييف الحقائق لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها فى منطقة الشرق الأوسط، حيث اعتبرت أن ثورة 30 يونيو بمثابة انقلاب عسكرى ليس أكثر، متعمدة تجاهل إرادة معظم الشعب المصرى، الذى وقف بكل قوة فى وجه الطوفان الإخوانى. الآن وبعد أن اجتازت مصر مرحلة عصيبة من تاريخها السياسى تغيرت فيه ملامح وشكل النظام السياسى، واستشعرت الولاياتالمتحدة موقفًا عربيًا موحدًا تجاه مصر باستثناء بعض المواقف المتخاذلة من قبل بعض الدول، والتى اعتدنا عليها على مر التاريخ، وبعد أن بدأ بركان الإرهاب يتفجر لتخرج منه الحمم، التى تصيب منطقتنا اليوم نجد أن السياسة الأمريكية تتلون وتتبدل فى اتجاه دعم ومحاربة الإرهاب لاسيما بعد ظهور التنظيمات الإرهابية كداعش، التى باتت تشكل خطرًا على مصالح الولاياتالمتحدة فى المنطقة. ومنذ أيام مضت أكدت نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مارى هارف فى تصريحات لها عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، لمصر"أن مصر تتحدى الإرهاب خاصة فى سيناء، ولهذا تواصل الولاياتالمتحدة توفير ما تحتاجه مصر فى حربها ضد الإرهاب". وأشارت إلى "أن وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى تحدث خلال مباحثاته الأخيرة فى القاهرة عن تسليم مصر طائرات الهليكوبتر من طراز الأباتشى". إن رغبة الولاياتالمتحدة فى بناء تحالف دولى للتصدى إلى تنظيم (داعش) لا يعبر عن رغبة حقيقية فى محاربة الإرهاب، كما تدعى، فالولاياتالمتحدة هى نفسها التى وقفت متفرجة ومصر تحارب وحدها الإرهاب. حقيقة الأمر أن المصالح هى التى تحرك السياسة الخارجية الأمريكية، فضلاً عن أن الثوابت فى هذه السياسة تهدف دومًا إلى دعم العدو الإسرائيلى وعدم استتباب الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، وعدم بزوغ نجم قيادة عربية حتى تبقى متصدرة ومتحكمة فى المشهد العربى. إن الولاياتالمتحدة تعلم جيدًا مدى الذكاء السياسى الذى يتمتع به الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتعلم جيدًا أنه لن يفرط فى جندى واحد من جنود مصر ولا دمائهم ولن يزج بهم فى أى مواجهات مسلحة خارج الحدود، وكانت الرسالة واضحة بأن جنودنا للدفاع فقط عن أرض مصر وأمنها. إن الولاياتالمتحدة والتى تدعى دومًا وكما تصورها الميديا الأمريكية بأنها شرطى العالم عليها أن تتصدى للمخاطر الإرهابية لأنها فى النهاية صنيعة سياساتها فى منطقة الشرق الأوسط، التى عملت على مدار الأعوام الأخيرة على ضرب استقرار الدول العربية حتى تظل محافظة على مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة. إن الأزمة الحقيقة الأن تكمن فى أن السياسة الأمريكية الخارجية تعانى التخبط والازدواجية، كما أن النخبة السياسية لا تستطيع فهم طبيعة الشعوب العربية وتغير طموحاتها السياسية، كذلك فإن تشكيل الولاياتالمتحدة تحالفًا دوليًا لمواجهة "داعش" كما حدث إبان غزو العراق للكويت سيكون غير قابل للتحقيق على أرض الواقع لأن قدرة الولاياتالمتحدة على إقناع القوى الإقليمية باتخاذ موقف مشترك أصبحت ضعيفة، وبالتالى فإنه يتعين على الولاياتالمتحدة إعادة التفكير فى استراتيجياتها فى الفترة المقبلة فقد تجد وسيلة لتدمير التنظيم المتشدد دون إقحام العالم فى حرب جديدة فى منطقة الشرق الأوسط.