فى أفلام السينما القديمة كان الموظف السيىء أو المغضوب عليه، وأى مهنى يراد عقابه ينفى إلى الصعيد، ومع مرور الوقت وتتابع العقود بدأت تلك الرواسب تؤتى حصادها بفعل فاعل للأسف أو فاعلين على مر التاريخ، وكله ممتزج بعقود من عدم الاهتمام بتنمية الصعيد. كان الصعيد قديما منفى لأبناء المحافظات الأوفر حظا والأكثر حظوة لدى الأنظمة الحاكمة، وأصبح الآن منفى حتى لأبنائه المقيمين فيه مضطرين ممن أعجزتهم ظروفهم عن الهجرة إلى محافظات أخرى فى نطاق اهتمامات الدولة. تطالعنا وسائل الإعلام كل يوم بزيارات مفاجئة لرئيس الوزراء والوزراء لمخابز القاهرة ومستشفيات القاهرة ومرافق القاهرة وكاميرات الإعلام ترصد خطوات محافظ القاهرة متحركا فى الشوارع بنفسه، يسأل ركاب الميكروباص عن تعريفة الركوب.. فأين الحكومة مما يقع خارج حدود القاهرة من أرض الوطن؟، وأين الإعلام من متابعة أحوال المحافظات؟..هل هو إعلام العاصمة أم إعلام الوطن؟، وهل هى حكومة القاهرة أم حكومة مصر؟. وعد الرئيس السيسى قبيل الانتخابات الرئاسية باهتمام خاص بالصعيد حين قال بأن "الصعيد حظه بأنه زى ما اتحرم أكتر هيكون نصيبه من الاهتمام أكبر"، وها هو الصعيد يتطلع إلى العودة إلى خارطة اهتمامات الوطن ومجال إبصار الحكومات.. فمحافظات الصعيد هى الأكثر فقرا والأعلى فى نسبة الأمية والأكبر فى معدلات المرض تزامناً مع تدنى الخدمات الصحية وغياب فرص عمل حقيقية وتدنى شامل فى منظومة الخدمات حولت محافظات الصعيد المهمشة إلى محافظات طاردة للسكان، وزادت الضغط على العاصمة بالهجرة إليها بحثا عن فرص لحياة أفضل فى أضواء العاصمة، وبؤرة اهتمام الدولة لتتحول مصر، كما قال الدكتور جمال حمدان إلى رأس كاسح وجسد كسيح وتختزل إلى إمبراطورية العاصمة، وتتحول بقية المحافظات إلى ضاحية شاسعة لها. هذا التمركز الحاد لكل أوجه النشاط فى العاصمة، يندر أن تراه فى أى دولة أخرى، ففى بلدان العالم الأكثر وعيا يتوزع الاهتمام بين أقاليم الوطن فإذا كانت إحدى المدن هى العاصمة السياسية تكون مدينة أخرى عاصمة اقتصادية وثالثة عاصمة ثقافية أو سياحية وهكذا، وترى صورا متطابقة من الرعاية الصحية ونظام التعليم وكافة الخدمات فى كل المدن كبيرها وصغيرها فلا يرى المواطن ثمة داعى للهجرة والتكدس فى العاصمة. محافظة سوهاج من المحافظات ذات الترتيب المتقدم بين محافظات مصر فى معدلات الفقر والجهل والمرض وتدنى كافة صور الخدمات بداية من الطرق المتهالكة والمطبات التى لا تنتهى، مرورا بتلال القمامة المنتشرة فى كل شوارعها كبيرها وصغيرها والتآكل المستمر لميادينها وشوارعها بضغط الباعة الجاءلين وأصحاب المحلات الذين التهموا أرصفتها ثم شوارعها وخروجها شبه الكامل من أى حلم قومى ومشروع تنموى كبير، ويكفى أن تعلم أن هذه المحافظة التى تحوى كنوز لا حصر لها من الآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية تؤهلها مع موقعها الوسطى إلى أن تكون عاصمة ثقافية للوطن، ورغم ذلك فإن متحفها الذى تقرر إنشاؤه على مساحة 6500 متر على بقة مميزة من أرضها مطلة على النيل، ليظهر للعالم تاريخ المحافظة ومعالمها الأثرية يكفى أن تعلم أن هذا الصرح لم يكتب له الاكتمال أو رؤية النور، رغم أن العمل قد بدأ فيه منذ حوالى ربع قرن من الزمن!!، وهو مجرد مثال من الأمثلة ومؤشر لحال المحافظة وموقعها فى حيز اهتمامات النظم الحاكمة، فهل ثمة أمل أن نرى فى سوهاج وغيرها من المحافظات بداية عصر حقيقى من الاهتمام والتغيير نحو الأفضل؟.