لم ينتبه الكثيرون لقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 959 لسنة 2013 بإنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، رغم أهميته كونه ينشأ لأول مرة فى تاريخ مصر وكالة تكون هى الوسيط الوحيد لتقديم المعونات والخدمات الفنية المصرية للدول الإفريقية والأسيوية، بدلا من الوضع الذى كان قائما بمنح كل جهة حرية اختيار الجهة التى ستقدم خدماتها ومعوناتها لها. الوكالة التى أعلن عنها مؤخرا الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القمة الإفريقية بمالابو، بذل وزير الخارجية السابق نبيل فهمى مجهودا كبيرا لكى تخرج للنور، ورغم صدور قرار مجلس الوزراء بإنشائها إلا أنه أرجأ إعلانها رسميا حتى تكون هناك حزمة من المشروعات الكبرى التى ستنفذها الوكالة وتدشين الوكالة بصفة رسمية من خلال احتفال كبير، وعقد ورشة عمل يشارك فيها المعنيون وعدد من الشخصيات البارزة التى لها خبرات طويلة فى العمل بمجالات التنمية والتعاون الفنى، لأن انطلاق الوكالة من وجهة نظره لابد وأن يليق بمكانة مصر. القرار هو خطوة غير مسبوقة فى تاريخ السياسة الخارجية المصرية لأن الوكالة الجديدة ستكون إطار أشمل للتعاون وأنها تأتى استثماراً لرصيد طويل من العلاقات والتعاون مر بمراحل عديدة منها إنشاء الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع إفريقيا قبل ثلاثين عاما وتحديدا عام 1980، ثم صندوق التعاون مع دول الكومنولث الذى أنشئ عام 1991، كما أن مفهوم العمل بالوكالة سيكون أشمل من المفهوم السائد عن الصندوقين الذى كان مركزا على المعونة الفنية فقط من خلال إيفاد بعثات طبية وتدريبية لعدد من الدول، واستقدام كوادر من هذه الدول لتدريبها فى القاهرة، لكن الوكالة ستكون أشمل من خلال تقديم المشروعات إضافة إلى التدريب ونقل المعرفة والمعونة الفنية، وبالتالى نحن نتحدث عن منظور أشمل هو التنمية بتمويل مشروعات مشتركة، دون الاقتصار على الجانب الفنى فقط. ربما يكون السؤال الآن من أين سيتم تمويل هذه الوكالة؟، خاصة فى ظل الأزمة التى تعانى منها موازنة الدولة، وفقا لما فهمته من بعض الدبلوماسيين المتابعين للوكالة فإن التمويل سيكون من خلال أساليب مبتكرة، فجزء منه سيكون من الميزانية الوطنية المصرية من خلال الأموال التى كانت مخصصة للصندوقين، فضلا عن الموازنات الأخرى المخصصة لهذه الأغراض فى الوزارات والهيئات الأخرى، فلأول مرة سيكون هناك توحيد لمصادر التمويل من مختلف الوزارات فبدلا من أن تعمل كل وزارة أو جهة بمفردها سيتم جمعها داخل إطار الوكالة التى سيكون مقرها بوزارة الخارجية ولها مجلس إدارة برئاسة وزير الخارجية ولها أمين عام. والقطاع الخاص أيضا سيشارك فى عملية التمويل، من خلال آلية يتم بحثها حاليا، بالإضافة إلى ذلك سيكون هناك جانب آخر من التمويل متمثلا فى علاقات المشاركة من خلال مذكرات التفاهم مع الصناديق العربية المماثلة مثل صندوق أبو ظبى والكويت والسعودية، كما ستكون هناك علاقات شراكة مع دول مانحة أخرى مثل اليابان والسويد والدانمارك والنرويج وتعاون مع منظمات دولية وإقليمية مثل البنك الدولى والبرنامج الإنمائى التابع للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية. الوكالة أيضا ستحاول الاستفادة من المجالات التى تتمتع مصر فيها بميزة نسبية وخبرة كبيرة، مثل مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات الصحية، والزراعة، والطاقة، وسيكون لها هدف محدد وهو توصيل رسالة تحديدا للقارة الإفريقية بأن الإستراتيجية المصرية الجديدة تقوم على الشراكة من أجل التنمية، وأننا لا نركز فقط على مصالحنا المائية ولكن نركز على شواغل التنمية فى القارة، وبالتالى فإن الوكالة لن ينصب اهتمامها فقط على دول حوض النيل، وإنما نتحدث عن دور تنموى لإفريقيا ومناطق أسيوية بتوظيف كل أدوات الدولة المصرية مثل الأزهر الشريف والكنيسة لخدمة الأغراض التنموية.