كنت ومن فرط سذاجتى أعتقد بأن الحروب الإعلامية لا تقوم إلا بين الدول أو الكيانات الكبيرة فى المجتمع الواحد، ولكن الحرب الجديدة على الدكتور محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكدت خطأ تصورى فالحرب على البرادعى تذكرنى بالحرب على الجزائر قبل أيام والحرب على حماس قبل أسابيع والحرب على إيران قبل شهور والحرب على المعارضة المصرية وخصوصا الإخوان على مدار السنين! فبمجرد أن أعلن الرجل عن نيته للترشح ووضع شروطه المعقولة والمكررة من قبل المعارضة إلا وخرجت عليه أسراب الدبابير المدربة على اللسع خصوصا فى الأماكن الحساسة.. خرجت الصحف الحكومية المسماة بالقومية على قلب قلم واحد لتكتب مقالا افتتاحيا من الواضح أنه تم استلامه من جهة ما، لدرجة أن رئيسى تحرير الأهرام والجمهورية لم يجدا وقتا ليعدلا فى البيان الممهور باسم كل منهما فى الجريدة التى يرأسا تحريرها... فاستخدما نفس العبارات وإن اختلف العنوان.. البيان (المعجزة) كان عبارة عن وصلة ردح (بلدى قوى) لا يمكن أن تعبر عن حزب محترم أو صحيفة تحترم ذاتها فى بلد يدعى المسئولون فيه أن مساحة الحرية والديمقراطية تزداد يوما بعد يوم.. هل معقول أن يكون البرادعى بهذه القوة لمجرد أن يعلن عن نيته الترشح؟ هل كان ضروريا أن يتحدث مفيد شهاب بهذه الدرجة من الاستخفاف عن مرشح محتمل مثل بلده وشرفها أيما تشريف؟ وأن يخرج عبر الفضائيات ليقلل من قيمة الرجل رغم أنه حصل على نوبل التى لم يحصل عليها كبار المسئولين فى الدولة! هل يستحق الأمر أن يتحدث قادة الحزب (العنصرى) بهذه الطريقة المشينة عن مواطن مصرى محترم فكر أن يترشح لقيادة بلده؟ هل كان ضروريا أن يكتب عبد المنعم سعيد عن الموضوع رغم أن الأمر لا يزال مبكرا على الانتخابات الرئيسية على حد قوله؟ هل البرادعى أصبح البعبع الحقيقى الذى يمكن أن يربك حسابات الحزب والسلطة والمنتفعين! لو كان البرادعى (المغترب) قويا إلى هذه الدرجة فإن الحزب ومرشحه المحتمل يعتبر ضعيفا وهشا وغير قادر على المنافسة الحقيقية. ثم لماذا يعايرون البرادعى بأنه يعيش خارج مصر؟ ومن من داخل السلطة يعيش فى مصر؟ لو كانوا يعيشون فى مصر لشعروا بآلام المواطنين وهمومهم؟ لو كان لديهم إحساس لشاركوا المصريين أحزانهم وقضاياهم؟ لم نر الرئيس يمشى فى جنازة ضحايا العبارة ولا الدويقة مثلا.. إنهم يشاركون لاعبى كرة القدم فقط آملا فى الحصول على نصر بأقدام اللاعبين بعد أن عجزت عقولهم عن الفوز فى أى شىء؟ لو كانوا حقا مصريين وليسوا مجنسين بجنسيات أخرى فلماذا تعيش معظم عائلاتهم خارج مصر؟ معظمهم يحمل جنسية أجنبية.. وهم يفاخرون بذلك! فلماذا حلال عليهم وحرام على البرادعى! البرادعى معذور لجهله بأحوال مصر وإن كنت أعتقد أنه أكثر دارية بواقع مصر من كثيرين غيره فى سلم السلطة؟ البرادعى الذى يبدو أنه لم ينسق مع أحد من السلطة وضع قنبلة على طريق الرئاسة والإعلام (الغبى) وبغرابة شديدة التقطها وفجرها فى حجره وفى حجر السلطة.. فراحوا وعوضا عن التفكير بطريقة سليمة راحوا يبحثون فى تاريخ الرجل فوجدوا أنه كان العاشر على الدفعة التى التحقت بالخارجية!! يا أولاد (.....) الرجل حاصل على الدكتوراه وعمل مديرا لمنظمة عالمية ومن عائلة مشهورة بالعلم والمعرفة والأستاذية ولم يكن الأخير على صفه ولم يدخل الجامعة بخمسين فى المائة أو بواسطة من أحد.. ألا تستحون!! البرادعى الذى ربما لا أمنحه صوتى لو قرر ترشيح نفسه لكننى أمنحه كل ما لدى من دعم وأنا أراه يتعرض للإهانة بهذه الطريقة غير المحترمة.. هذا الرجل يجب أن تفتح له الصحف القومية وتلفزيون بلاده أبوابه كما فعلت السى إن إنCNN بدلا من أن تهاجمه مقدما وتحرمه من حقه الطبيعى فى الظهور والحديث إلى بنى وطنه.. الغباء المستحكم فى بعض دوائر السلطة والرغبة فى إثبات الولاء المطلق سيؤدى إلى كوارث لن يتحمل النظام وحده تبعاتها. واسألوا ريشارد ارميتاج.. نائب وزير الخارجية الأمريكى السابق.. ما حدث مع البرادعى مقصود وهو اختبار له ونموذج مصغر لما يمكن أن يحدث معه ومع غيره لاحقا.. آخر السطر الأيام حبلى.. ولكن يبدو أن جنينها لن يصل مرحلة التمام أخشى القول أن جنين مصر القادم ليس على ما يرام