تباين مؤشرات البورصات الخليجية مع اتجاه الأنظار للفائدة الأمريكية    مندوب روسيا بمجلس الأمن: الشرق الأوسط على شفا الهاوية جراء التصعيد الإقليمي في المنطقة    جوتيريش: العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة خلفت جحيما مستعرا    لم يفز منذ ثنائية روبن وريبيري.. بايرن ميونخ يبحث فك أسر 12 عامًا أمام ريال مدريد    خطوة عاجلة بشأن تعاقد ليفربول مع خليفة كلوب قبل توقيع العقود    التعادل يحسم مواجهة سيراميكا والاتحاد السكندري بالدوري الممتاز    استعد يا بطل..امتحانات الثانوية العامة 2024 بعد أخر تعديل من وزارة التعليم    وزير قطاع الأعمال: القطاع الخاص شريك رئيسي في تنفيذ مشروعات التطوير وإعادة التشغيل    انخفاض الأسعار مستمر.. غرفة الصناعات الغذائية تزف بشرى للمواطنين    مجلس النواب يعقد أولى جلساته فى العاصمة الإدارية الأحد المقبل    مدرب شيفيلد يونايتد يهاجم الاتحاد الإنجليزي بسبب مباريات الإعادة    للمرة الثانية على التوالي.. محمد شريف يقود هجوم الخليج أمام التعاون    البنك الأهلى.. إصابة" أبوجبل" اشتباه في قطع بالرباط الصليبي    مدير تعليم دمياط يشهد ورش عمل مخرجات ونواتج الأنشطة الطلابية لمدارس ميت أبو غالب    بسبب خلافات مالية.. مسجل خطر يقتل عامل بالسلام    بعد تغيبه.. العثور على جثة طفل غريق داخل ترعة في قنا    قبل عرضه في السينمات.. كل ما تريد معرفته عن فيلم «السرب» وأبطاله    «القومي لثقافة الطفل» يحتفل باليوم العالمي للتراث غدا    «ثلاث مخرجات يحفظن ماء وجهنا بمهرجان كان»    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    2022 شهد انخفاض النسبة إلى 0.38%.. «الصحة»: فحص أكثر من 60 مليون مواطن وعلاج أكثر من 4.1 مليون حالة بمعدل شفاء 99%    129 متدربا اجتازوا 4 دورات بختام الأسبوع 31 من خطة المحليات بمركز سقارة    النيابة تخلي سبيل 3 متهمين بالاتجار في النقد الأجنبي بالرحاب    بيلينجهام يمدح حارس الريال بعد التأهل لنصف نهائى دورى أبطال أوروبا    الاتحاد الأوروبي: نرفض أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية ونخشى حدوث كارثة    ترامب يهاجم المحلفين المحتملين: نشطاء ليبراليون سريون يكذبون على القاضى    يسهل إرضاؤها.. 3 أبراج تسعدها أبسط الكلمات والهدايا    تعاون ثقافي بين مكتبة الإسكندرية والمكتبة الوطنية البولندية    مفتي الجمهورية يفتتح معرض «روسيا - مصر..العلاقات الروحية عبر العصور» بدار الإفتاء..صور    بعد انتهاء شهر رمضان .. جودر يتصدر نسب المشاهدة في مصر    طارق شلبي : مرسى علم ضمن أفضل 10 شواطئ في العالم    مسئول بأوقاف البحر الأحمر: زيارة وكيل مطرانية الأقباط الكاثوليك تعزز روح المحبة    جامعة كفر الشيخ تستضيف المؤتمر السنوي السادس لطب وجراحة العيون    قافلة طبية تخدم 170 مواطنًا بقرية الحمراوين في القصير البحر الأحمر    لو هتخرج من بيتك.. 5 نصائح لأصحاب الأمراض المزمنة أثناء التقلبات الجوية    شوقي علام يفتتح أول معرض دولي بدار الإفتاء بالتعاون مع روسيا (صور)    بعد طرحها بساعات.. الترجي يعلن نفاد تذاكر مباراة صنداونز في دوري أبطال أفريقيا    الطاقة الإنتاجية لصناعة البتروكيماويات الإيرانية تزيد عن 100 مليون طن    وكيل الأزهر يتفقد التصفيات النهائية لمشروع تحدى القراءة في موسمه الثامن    وفاة معتمرة من بني سويف في المسجد النبوي بالسعودية    طقس سئ.. غبار رملي على الطرق بالمنيا    تأجيل محاكمة حسين الشحات في واقعة ضرب الشيبي لجلسة 9 مايو    زاخاروفا: مطالب الغرب بتنازل روسيا عن السيطرة على محطة زابوروجيا ابتزاز نووى    5 خطوط جديدة خلال الربع الأول من العام تستقبلها موانئ دبي العالمية السخنة    وكيل صحة قنا يجتمع مديري المستشفيات لمناقشة اللائحة الجديدة وتشغيل العيادات المسائية    مدفوعة الأجر.. الخميس إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    إحالة 30 من العاملين بالمنشآت الخدمية بالشرقية للتحقيق    تعَرَّف على طريقة استخراج تأشيرة الحج السياحي 2024 وأسعارها (تفاصيل)    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الاتجار غير المشروع بالعملة الأجنبية    "الوزراء" يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    وثائق دبلوماسية مسربة.. البيت الأبيض يعارض الأمم المتحدة في الاعتراف بدولة فلسطينية    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    بلدية النصيرات: غزة تحوّلت إلى منطقة منكوبة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية    التضامن تعلن فتح باب سداد الدفعة الثانية للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية لموسم 2024    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    بيان عاجل من اتحاد جدة على تأجيل لقاء الهلال والأهلي في دوري روشن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القواعد الإبراهيمية الخمس التي بني عليها أول بيت وضع للناس
نشر في القاهرة يوم 24 - 08 - 2010

يقول الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن: أصل السجود: التطامن والتذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان، والحيوانات، والجمادات، وهو ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، نحو قوله: (فاسجدوا لله واعبدوا) «النجم 62»، أي: تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلي ذلك قوله: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) «الرعد 15» وقوله: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله) «النحل 48»، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة علي كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم وقوله: (اسجدوا لآدم) «البقرة 34» ، قيل: امروا بأن يتخذوه قبلة، وقيل: امروا بالتذلل له، والقيام بمصالحه، ومصالح أولاده، فأتمروا إلا إبليس، وقوله: (ادخلوا الباب سجدا) «النساء 154» ، أي: متذللين منقادين، وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجري مجري ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: (وأدبار السجود) «ق 40» أي: أدبار الصلاة، والمسجد: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، وقوله: (وأن المساجد لله) «الجن 18» ، قيل: عني به الأرض، وقيل: المساجد: مواضع السجود: الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان.
أماكن للصلاة
المساجد إذاً هي أماكن الصلاة وقد حملت هذا الاسم لاختصاص الصلاة في الإسلام بالسجود لله عز وجل علي الأرض وقد ورد في الحديث الشريف (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا).
المساجد - حال توافر الشروط اللازمة - هي بيوت الله عز وجل التي طهرها وهيأها لاستضافة عباده المؤمنين ليتوجهوا بالعبادة الخالصة نحو خالقهم عز وجل وعندها تصبح المساجد (مساجد الله)، أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط عندها تصبح (مساجد للضرار) لا يراد بها وجه الله بل هي مجرد خدعة يراد بها إيقاع الضرر بأمة لا إله إلا الله وبث الفرقة والفتنة بين صفوف المسلمين.
يقول تعالي: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَي وَاللَّهُ يشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوَي مِنْ أَوَّلِ يوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يحِبُّونَ أَنْ يتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَي تَقْوَي مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَي شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة «التوبة 108- 109».
الشروط التي يكون بها المسجد البناء بيتا من بيوت الله ومسجدا لله وردت في سورة البقرة عندما حكي القرآن الكريم كيف أسس نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء أول بيت وضع للناس في مكة وهو المسجد الحرام حيث يقول سبحانه:
(وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيتِي قَالَ لَا ينَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّي وَعَهِدْنَا إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَي عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يتْلُو عَلَيهِمْ آَياتِكَ وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَينَاهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) «البقرة 124- 131».
التوحيد
القاعدة الأولي في بناء (مساجد الله) وليس مساجد الضرار هي قاعدة التوحيد الخالص والحنيفية السمحاء التي وضع قواعدها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، تلك النبوة التي وضعت حجر الأساس في إعادة توجيه مسار البشرية نحو التوحيد الخالص والإخلاص لرب العالمين بعيدا عن أوهام تجسيد الذات الإلهية والاعتقاد بأن هذه الأصنام المنحوتة أو الموهومة يمكن لها أن تضر وتنفع أو أن يكون لها شفاعة بغير الإذن الإلهي.
الإرادة الإلهية
القاعدة الثانية التي قررتها الإرادة الإلهية والتي وردت في الآيات السابقة أن الإمامة مرحلة تالية ومتممة للبعثة الإبراهيمية وهي ذروة التكامل في حركة النبوة وهي باقية وممتدة في أمة محمد أو أمة التوحيد التي ورثت الحنيفية السمحاء وحملت رسالتها إلي يوم الدين (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيتِي) فجاء الجواب (نعم تكون الإمامة في ذريتك لكن لا ينالها إلا من حمل نفس الصفات والمؤهلات التي حملها أبو الأنبياء إبراهيم (قَالَ لَا ينَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
الأمن
أما القاعدة الثالثة التي اكتسبها المكان والذي أصبح بيتا لله ببركة إبراهيم وإسماعيل ثم أضحي مثابة للناس هو (الأمن) وهو ليس أمن النظم الحاكمة القمعية المستبدة بل أمان الله وأمان الإيمان وأمن المجتمع المسلم من الوقوع في الفتن والضلال لتأتي هذه النفوس آمنة يوم الفزع الأكبر وتثبت علي جوانب المزلق ومن ثم فهو أمن الأمة وأمن المجتمع المسلم المتراحم والخاضع لله رب العالمين.
(الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) «الأنعام 82».
الأمن الحقيقي هو الأمن من الفزع الأكبر وهو سلوك طريق الهداية وصراط الله المستقيم (لَا يحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) «الأنبياء 103».
الأمن الحقيقي هو نزع الذرائع التي تدفع الناس لارتكاب الجرائم خاصة جرائم القتل وأسوأها تلك التي ترتكب باسم الدين وهي الظاهرة التي عرفها تاريخنا الإسلامي من خلال ارتكابات الجماعات الخوارجية الضالة والمضلة والتي عاودت ظهورها في الآونة الأخيرة علي نطاق واسع بعد أن استولي قادة هذا التيار بالتعاون والتنسيق مع التيارات السلطوية علي مساجد الله وجعلوا منها أداة لإدامة ظلمهم وإرهابهم.
الطهارة والتطهير
أما القاعدة الرابعة التي ينبغي توافرها في بيت الله أو مساجد الله فهي الطهارة والتطهير.
الطهارة الحسية عبر اتباع مجموعة القواعد الشرعية التي تحقق هذه الطهارة مثل التطهر من النجاسات المادية والغسل والوضوء والطهارة المعنوية من الشرك والوثنية (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور).
الطهارة الحسية والمعنوية للمساجد لا تتحقق إلا بالتجرد لله رب العالمين وابتغاء مرضاته سبحانه وتعالي ومن ثم تنزيه المساجد عن أن تكون مقرات للدعاية للنظم الطاغوتية المعادية لتطلعات الأمة والمتحالفة في آن واحد مع النظام الطاغوتي الاستكباري العالمي.
أن تكون المساجد أسيرة بيد هؤلاء الطغاة المستبدين فهي أبعد ما تكون عن الطهر والتطهر.
قواعد البيت
القاعدة الخامسة هي حدود المكان وهي قواعد البيت وحدوده (وَإِذْ يرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ) وهي المهمة التي تعطي المسجد موقعا وعنوانا محددا وهي في النهاية مهمة مكملة للقواعد والأسس التي أوردناها سابقا مثل النبوة والإمامة والتوحيد والتطهير ولكنها لا تكفي بمفردها لأن تمنح المكان صفة مساجد الله أو بيت الله.
هكذا ووفقا لكتاب الله عز وجل لا يكفي علي الإطلاق أن يبني مكان يحمل الشكل الخارجي للمسجد ويجري زركشته من الداخل بآيات القرآن الكريم كي ينال صفة (مساجد الله).
شكل الدور الذي اضطلع به أبو الأنبياء إبراهيم ووصيه ووارث علمه إسماعيل عليه السلام في بناء المسجد الحرام ورفع قواعده وتطهيره النواة الصلبة للأمة الإسلامية جيلا بعد جيل (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) التي التحق بها بعد ذلك كل من اعتنق ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين وهي أمة تحتاج إلي تواصل مدد الهداية الرباني جيلا بعد جيل وصولا إلي يوم تحتاج فيه البشرية جمعاء والأمة المسلمة علي وجه الخصوص التي رسم معالم تواجدها من خلال بناء المسجد الحرام إلي رسول الله الأعظم، خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله ليكمل المهمة ويضع اللبنة الأخيرة في صرح النهضة والترقي البشري وصولا للكمالات الإلهية التي لا غني للإنسان السوي عنها (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يتْلُو عَلَيهِمْ آَياتِكَ وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
لقد رسمت تلك الآيات معالم حركة النبوة الإبراهيمية وارتباطها ببناء المسجد الحرام الذي يتوجه المصلون إليه بأفئدتهم ووجوههم ويرتبطون به ارتباط النجوم بمركز دورانها.
النبوة والطهارة والإمامة والأمن من الضلال، حيث يجتمع كل هذا في مكان له أربعة أركان يضع الناس فيه جباههم علي الأرض سجدا لله مخبتين ممتثلين له وهو ما يشكل قاعدة الانطلاق نحو الأمام، نحو الرقي والكمال والحكمة والتزكية والحضارة.
شتان بين أَمامنا وأَمام غيرنا من الأمم التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت لها وتمادت في المعاصي ويقولون سيغفر لنا وسول لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون.
شتان أيضا بين أمة لزمت طاعة نبيها وإمامها وأمة اتخذت الشياطين أولياء من دون الله (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَي وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) «الأعراف 29- 30».
الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه!!
قلنا من قبل إن (مساجد الله) ليست حالة قائمة بذاتها ولا منفصلة عن حزمة المبادئ والقواعد التي أرساها التوحيد الإبراهيمي والتي أوردها كتاب الله عز وجل في الآيات السابقة.
يقول تعالي: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَي فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْي وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) «البقرة 114».
حاولت أن أفهم هذه الآية من خلال كتب التفسير فلم أعثر علي ما يشفي غليلي.
الجريمة التي ارتكبها هؤلاء الظلمة هو منعهم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعيهم في خرابها وهي جريمة لا تخص مسجدا دون مسجد بل هو أمر متعلق بكل المساجد.
لو كان المجرم شخصا أو مجموعة من الأشخاص لقال سبحانه (ومن أظلم ممن منع مسجدا لله أن يذكر فيه اسمه) ولم يقل (مساجد الله) بصيغة العموم.
لم يحدث علي مدي التاريخ الإسلامي أن تعرضت مساجد العالم الإسلامي لحالة منع عام أن يذكر فيها اسمه.
وحتي عندما تعرضت المساجد في بقعة من البقاع لعمل تخريبي كانت هناك بقاع وبقاع تزخر بأعداد وافرة من المساجد التي (يذكر فيها اسم الله) أقله من الناحية الشكلية.
لا يتعلق الأمر من وجهة نظرنا بالكفار الصرحاء لأن عداءهم للإسلام معروف وليس هناك من يطالبهم بالعدل الذي هو نقيض الظلم.
نلاحظ أيضا أن كلمة (سعي في خرابها) تحمل معني التراخي وليس التخريب والهدم الفوري الذي لا يحتاج لأكثر من قرار ينفذه مجموعة من عمال الهدم وقد حدث هذا بالفعل سواء عندما حكمت الشيوعية بعض بلدان العالم الإسلامي.
الاتهام الوارد في الآية الكريمة من وجهة نظرنا موجه لأعداء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الذين سعوا لتفريغ مساجد الله من محتواها التوحيدي الإبراهيمي ومن كل ارتباط بخط الولاية والإمامة ومن ثم فقد كان هذا تخريبا لها ومنعا لها أن يذكر فيها اسمه علي وجه الحقيقة وإن احتفظت هذه المساجد بشكلها الخارجي.
ألم يقل الحجاج الثقفي واصفا مدينة رسول الله صلي الله عليه وآله: (الحمد الله الذي أخرجني من أم نتن، أهلها أخبث بلد وأغشه لأمير المؤمنين وأحسدهم له علي نعمة الله، والله لو ما كنت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعواداً يهودون بها ورمة قد بليت)، "يعني بذلك منبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقبره صلي الله عليه وآله وسلم. فبلغ جابر بن عبد الله قوله فقال: إن وراءه ما يسوءه، قد قال فرعون ما قال ثم أخذه الله بعد أن أنظره".
كما ذكر ابن عبد ربه في (العقد الفريد) لائحة الأسباب التي دعت العلماء لإكفار الحجاج الثقفي ومن بينها قولُه عندما رَأي الناسَ يطوفون بقبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ومِنبره : إنما يطوفون بأعواد ورِمَّة.
وكلمة (رِمّةٍ) هنا يقصد بها ذلك الملعون المقام الطاهر للنبي الأكرم صلي الله عليه وآله!!.
الفارق بين الأمويين والمتشددين
ليس ثمة فارق جوهري!!.
روي ابن جرير الطبري: وفي سنة 50 للهجرة أمر معاوية بمنبر رسول الله أن يحمل إلي الشام فحرك فكسفت الشمس حتي رؤيت النجوم بادية يومئذ فأعظم الناس ذلك فقال لم أرد حمله إنما خفت أن يكون قد أرض فنظرت إليه ثم كساه يومئذ وذكر محمد بن عمر أنه حدثه بذلك خالد بن القاسم عن شعيب بن عمرو الأموي قال محمد بن عمر حدثني يحيي بن سعيد بن دينار عن أبيه قال: قال معاوية إني رأيت أن منبر رسول الله وعصاه لا يتركان بالمدينة وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه فلما قدم طلب العصا وهي عند سعد القرظ فجاءه أبو هريرة وجابر بن عبد الله فقالا يا أمير المؤمنين نذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا فإن هذا لا يصلح تخرج منبر رسول الله من موضع وضعه وتخرج عصاه إلي الشام فانقل المسجد فأقصر وزاد فيه ست درجات فهو اليوم ثماني درجات واعتذر إلي الناس مما صنع قال محمد بن عمر وحدثني سويد بن عبد العزيز عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبان بن صالح عن قبيصة بن ذؤيب قال كان عبد الملك قد هم بالمنبر فقال له قبيصة بن ذؤيب أذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا وأن تحوله إن أمير المؤمنين معاوية حركه فكسفت الشمس وقال رسول الله من حلف علي منبري آثما فليتبوأ مقعده من النار فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة فأقصر عبد الملك عن ذلك وكف عن أن يذكره فلما كان الوليد وحج هم بذلك وقال خبراني عنه وما أراني إلا سأفعل فأرسل سعيد بن المسيب إلي عمر بن عبد العزيز فقال كلم صاحبك يتق الله عز وجل ولا يتعرض لله سبحانه ولسخطه فكلمه عمر بن عبد العزيز فأقصر وكف عن ذكره فلما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان الوليد هم به وإرسال سعيد بن المسيب إليه فقال سليمان ما كنت أحب أن يذكر هذا عن أمير المؤمنين عبد الملك ولا عن الوليد، هذا مكابرة وما لنا ولهذا؟؟!! أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ونريد أن نعمد إلي علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله إلي ما قبلنا هذا ما لا يصلح.
المعني الذي نستخلصه مما سبق أنه لا أحد اجترأ علي تفريغ مساجد الله من مضمونها ومن أهم أركانها، مثلما اجترأ الأمويون القدامي وأحفادهم من المتشددين الجدد الذين يرون أن إزالة رموز النبوة والولاية من مساجد الله واجب شرعي عقائدي وهو (تطهير للمساجد من الأنصاب والأوثان والأزلام) الذي لا يختلف عما قام به رسول الله صلي الله عليه وآله ومن قبله أبو الأنبياء إبراهيم من تطهير أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين.
لقد فُرغت أغلب المساجد عبر الأمويين وأحفادهم المتشددين بالفعل من كل ما يربط المسلمين ربطا حقيقيا بخالقهم وهو خط الولاية الذي أمروا بالتزامه حيث حل محله منهج التدين بالبدع والأهواء ورغم كل ذلك فهم يطلقون علي بدعهم (التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد) وهذا عين المقصود بقوله تعالي (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها) أي حرف هذه المساجد عن مهمتها الأساسية كحاضنة للتوحيد الإبراهيمي ونقطة انطلاق لتزكية وتعليم الأمة الإسلامية.
الثمرة المرة والفاجعة التي حصدها المسلمون بسبب انتشار التيار المتشدد هو انعدام الأمن وانتشار الإرهاب (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) حيث أصبح كثير من الناس يعانون من الخوف وانعدام الأمن بعد أن تحول كثير من المساجد إلي نقاط انطلاق لبث الفتنة وإطلاق دعاوي التكفير وأصبحت (ظاهرة التطرف) هي القانون السائد في أغلب المجتمعات الإسلامية لأن من سل سيف البغي قطع به وكما تزرع تحصد!!.
بدلا من أن تصبح بيوت الله (مثابة للناس وأمنا) أصبحت قاعدة لبث الدعاية التكفيرية ومنطلقا لاستباحة دماء المسلمين ومركزا لوضع الخطط للعدوان علي الأبرياء الآمنين.
ورغم أن أغلب النظم السياسية الحاكمة الآن تشكل امتدادا للحكم الأموي إلا أنها قد وقعت في البئر التي حفرتها وأضحت الآن تتلفت حولها في حيرة في محاولة للبحث عن مخرج من ورطة انعدام الأمن وانتشار الإرهاب الناجمة عن انتشار الفكر المتشدد التكفيري المعادي للنبوة والولاية إلا أنها تسعي جاهدة في نفس الوقت للتصدي لكل من يسعي لإعادة ربط المسلمين بحقيقة التوحيد الإبراهيمي ووصلهم بمنهج الولاية أي أنهم يفعلون الشيء ونقيضه وهو ما يعد نوعا من انعدام العقل والخسران المبين.
لا نري مخرجا للمسلمين من ورطة انعدام الأمن وتفشي ظاهرة الإرهاب إلا بالعودة إلي القواعد الإبراهيمية الخمس التي بني عليها أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا (المسجد الحرام) وهي التوحيد والنبوة والإمامة والأمن والتطهير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.