تجهيز 31 شاشة عرض عملاقة بالدقهلية لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير| صور    محافظ الجيزة يتفقد معدات شركة مياه الشرب للتعامل مع أي بلاغات طارئة| صور    من قلب التاريخ يبدأ المستقبل.. فودافون مصر الشريك التكنولوجي للمتحف المصري الكبير    البرازيل: ارتفاع قتلى مداهمة أمنية لعصابة مخدرات إلى 121    وزيرة سودانية: ما يجري في الفاشر مأساة إنسانية مكتملة الأركان    عماد الدين حسين: مصر جمعت العالم في شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة    القاهرة الإخبارية: الصليب الأحمر تسلم جثماني محتجزين إسرائيليين وسط قطاع غزة    لبنان يعلن عودة 320 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم منذ يوليو الماضي    تعادل إيجابي بين الزمالك والبنك الأهلي في الشوط الأول    إخلاء سبيل 7 طالبات في واقعة مشاجرة مدرسة المعلمات بدمنهور    تجهيزات شاملة للطرق والمطارات لاستقبال وفود المتحف الكبير.. فيديو    مصر واحة أمان |‬تكريم وفود مهرجان الفنون الشعبية بالإسماعيلية    أشرف زكي يلتقى حفيظ دراجى على هامش مهرجان وهران السينمائي    أمين الفتوى يوضح حكم وثواب قيام الليل    الرقابة الصحية وجامعة المنيا تطلقان برنامجًا تدريبيًا مكثفًا لتأهيل الكوادر    الأهلي ينفي شائعات رحيل بيكهام ويوضح خطة الفريق قبل السفر للإمارات    موظف بالمعاش يتهم خادمته بسرقة مشغولات ذهبية من فيلته ب6 أكتوبر    سفير الهند: المتحف المصري الكبير منارة تُلهم العالم وجسر يربط التاريخ بالإنسانية    الأوقاف تُطلق (1010) قوافل دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    رئيس جهاز حماية المنافسة يجتمع مع رؤساء أجهزة المنافسة الأفريقية    شاهد|«المجلس الصحي المصري»: إطلاق الدلائل الإرشادية خطوة تاريخية لحماية المريض والطبيب    تناولها بانتظام، أطعمة تغنيك عن المكملات الغذائية الكيميائية    رئيس جامعة سوهاج يلتقي طلابه ذوي الإعاقة ويشاركهم وجبة الغذاء    بالتوقيت الشتوي.. مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف LRT    هنا الزاهد أمام الأهرامات قبل افتتاح المتحف المصرى الكبير: مصرية وأفتخر    إصابة 5 أشخاص إثر إنقلاب سيارة في ترعة بالبحيرة    انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة الإمام الطيب للقرآن للطلاب الوافدين    براءة الشاب المتهم بالتعدى بالضرب على طفل العسلية فى المحلة    ياسر عبد العزيز يكتب: مصر الكروية كاملة الأوصاف ولكن!    رفع 141 ألف طن مخلفات من شوارع الإسكندرية واستقبال 1266 شكوى    خالد الجندي: افتتاح المتحف الكبير إنجاز عظيم للرئيس السيسي    محافظ الغربية يرفع يوجه بسرعة تجهيز الشاشات في الميادين استعدادا لحفل افتتاح المتحف الكبير    300 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لدعم الشعب الفلسطيني بقطاع غزة    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة شئون الإسماعيلي    اتحاد السلة يعلن جدول مباريات ربع نهائي دوري المرتبط «رجال»    ارتفاع أسعار الفول وتباين العدس في الأسواق    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.. الأوقاف تطلق (1010) قافلة دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    مستقبل وطن يواصل مؤتمراته الجماهيرية لدعم مرشحيه وحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    «ابن أمه ميتعاشرش».. 4 أبراج رجالهم لا يتخلون عن والدتهم رغم كبرهم    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    أحمد موسى يتقدم ببلاغات للنائب العام ضد صفحات نشرت تصريحات مفبركة باسمه    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    وزيرة التضامن تشهد احتفالية الأب القدوة.. وتكرم شخصيات ملهمة    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    «يوم الوفاء» محافظ أسيوط يكرم أسر الشهداء وقدامى المحاربين    محافظ بني سويف: تخصيص 11 شاشة عرض لنقل افتتاح المتحف الكبير    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بضوابط لسرعة حسم شكاوى العملاء    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    مرموش يسجل هدف مانشستر سيتي الثاني أمام سوانزي سيتي في كأس كاراباو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القواعد الإبراهيمية الخمس التي بني عليها أول بيت وضع للناس
نشر في القاهرة يوم 24 - 08 - 2010

يقول الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن: أصل السجود: التطامن والتذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان، والحيوانات، والجمادات، وهو ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، نحو قوله: (فاسجدوا لله واعبدوا) «النجم 62»، أي: تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلي ذلك قوله: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) «الرعد 15» وقوله: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله) «النحل 48»، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة علي كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم وقوله: (اسجدوا لآدم) «البقرة 34» ، قيل: امروا بأن يتخذوه قبلة، وقيل: امروا بالتذلل له، والقيام بمصالحه، ومصالح أولاده، فأتمروا إلا إبليس، وقوله: (ادخلوا الباب سجدا) «النساء 154» ، أي: متذللين منقادين، وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجري مجري ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: (وأدبار السجود) «ق 40» أي: أدبار الصلاة، والمسجد: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، وقوله: (وأن المساجد لله) «الجن 18» ، قيل: عني به الأرض، وقيل: المساجد: مواضع السجود: الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان.
أماكن للصلاة
المساجد إذاً هي أماكن الصلاة وقد حملت هذا الاسم لاختصاص الصلاة في الإسلام بالسجود لله عز وجل علي الأرض وقد ورد في الحديث الشريف (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا).
المساجد - حال توافر الشروط اللازمة - هي بيوت الله عز وجل التي طهرها وهيأها لاستضافة عباده المؤمنين ليتوجهوا بالعبادة الخالصة نحو خالقهم عز وجل وعندها تصبح المساجد (مساجد الله)، أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط عندها تصبح (مساجد للضرار) لا يراد بها وجه الله بل هي مجرد خدعة يراد بها إيقاع الضرر بأمة لا إله إلا الله وبث الفرقة والفتنة بين صفوف المسلمين.
يقول تعالي: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَي وَاللَّهُ يشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوَي مِنْ أَوَّلِ يوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يحِبُّونَ أَنْ يتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَي تَقْوَي مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَي شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة «التوبة 108- 109».
الشروط التي يكون بها المسجد البناء بيتا من بيوت الله ومسجدا لله وردت في سورة البقرة عندما حكي القرآن الكريم كيف أسس نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء أول بيت وضع للناس في مكة وهو المسجد الحرام حيث يقول سبحانه:
(وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيتِي قَالَ لَا ينَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّي وَعَهِدْنَا إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَي عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يتْلُو عَلَيهِمْ آَياتِكَ وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَينَاهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) «البقرة 124- 131».
التوحيد
القاعدة الأولي في بناء (مساجد الله) وليس مساجد الضرار هي قاعدة التوحيد الخالص والحنيفية السمحاء التي وضع قواعدها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، تلك النبوة التي وضعت حجر الأساس في إعادة توجيه مسار البشرية نحو التوحيد الخالص والإخلاص لرب العالمين بعيدا عن أوهام تجسيد الذات الإلهية والاعتقاد بأن هذه الأصنام المنحوتة أو الموهومة يمكن لها أن تضر وتنفع أو أن يكون لها شفاعة بغير الإذن الإلهي.
الإرادة الإلهية
القاعدة الثانية التي قررتها الإرادة الإلهية والتي وردت في الآيات السابقة أن الإمامة مرحلة تالية ومتممة للبعثة الإبراهيمية وهي ذروة التكامل في حركة النبوة وهي باقية وممتدة في أمة محمد أو أمة التوحيد التي ورثت الحنيفية السمحاء وحملت رسالتها إلي يوم الدين (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيتِي) فجاء الجواب (نعم تكون الإمامة في ذريتك لكن لا ينالها إلا من حمل نفس الصفات والمؤهلات التي حملها أبو الأنبياء إبراهيم (قَالَ لَا ينَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
الأمن
أما القاعدة الثالثة التي اكتسبها المكان والذي أصبح بيتا لله ببركة إبراهيم وإسماعيل ثم أضحي مثابة للناس هو (الأمن) وهو ليس أمن النظم الحاكمة القمعية المستبدة بل أمان الله وأمان الإيمان وأمن المجتمع المسلم من الوقوع في الفتن والضلال لتأتي هذه النفوس آمنة يوم الفزع الأكبر وتثبت علي جوانب المزلق ومن ثم فهو أمن الأمة وأمن المجتمع المسلم المتراحم والخاضع لله رب العالمين.
(الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) «الأنعام 82».
الأمن الحقيقي هو الأمن من الفزع الأكبر وهو سلوك طريق الهداية وصراط الله المستقيم (لَا يحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) «الأنبياء 103».
الأمن الحقيقي هو نزع الذرائع التي تدفع الناس لارتكاب الجرائم خاصة جرائم القتل وأسوأها تلك التي ترتكب باسم الدين وهي الظاهرة التي عرفها تاريخنا الإسلامي من خلال ارتكابات الجماعات الخوارجية الضالة والمضلة والتي عاودت ظهورها في الآونة الأخيرة علي نطاق واسع بعد أن استولي قادة هذا التيار بالتعاون والتنسيق مع التيارات السلطوية علي مساجد الله وجعلوا منها أداة لإدامة ظلمهم وإرهابهم.
الطهارة والتطهير
أما القاعدة الرابعة التي ينبغي توافرها في بيت الله أو مساجد الله فهي الطهارة والتطهير.
الطهارة الحسية عبر اتباع مجموعة القواعد الشرعية التي تحقق هذه الطهارة مثل التطهر من النجاسات المادية والغسل والوضوء والطهارة المعنوية من الشرك والوثنية (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور).
الطهارة الحسية والمعنوية للمساجد لا تتحقق إلا بالتجرد لله رب العالمين وابتغاء مرضاته سبحانه وتعالي ومن ثم تنزيه المساجد عن أن تكون مقرات للدعاية للنظم الطاغوتية المعادية لتطلعات الأمة والمتحالفة في آن واحد مع النظام الطاغوتي الاستكباري العالمي.
أن تكون المساجد أسيرة بيد هؤلاء الطغاة المستبدين فهي أبعد ما تكون عن الطهر والتطهر.
قواعد البيت
القاعدة الخامسة هي حدود المكان وهي قواعد البيت وحدوده (وَإِذْ يرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ) وهي المهمة التي تعطي المسجد موقعا وعنوانا محددا وهي في النهاية مهمة مكملة للقواعد والأسس التي أوردناها سابقا مثل النبوة والإمامة والتوحيد والتطهير ولكنها لا تكفي بمفردها لأن تمنح المكان صفة مساجد الله أو بيت الله.
هكذا ووفقا لكتاب الله عز وجل لا يكفي علي الإطلاق أن يبني مكان يحمل الشكل الخارجي للمسجد ويجري زركشته من الداخل بآيات القرآن الكريم كي ينال صفة (مساجد الله).
شكل الدور الذي اضطلع به أبو الأنبياء إبراهيم ووصيه ووارث علمه إسماعيل عليه السلام في بناء المسجد الحرام ورفع قواعده وتطهيره النواة الصلبة للأمة الإسلامية جيلا بعد جيل (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) التي التحق بها بعد ذلك كل من اعتنق ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين وهي أمة تحتاج إلي تواصل مدد الهداية الرباني جيلا بعد جيل وصولا إلي يوم تحتاج فيه البشرية جمعاء والأمة المسلمة علي وجه الخصوص التي رسم معالم تواجدها من خلال بناء المسجد الحرام إلي رسول الله الأعظم، خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله ليكمل المهمة ويضع اللبنة الأخيرة في صرح النهضة والترقي البشري وصولا للكمالات الإلهية التي لا غني للإنسان السوي عنها (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يتْلُو عَلَيهِمْ آَياتِكَ وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
لقد رسمت تلك الآيات معالم حركة النبوة الإبراهيمية وارتباطها ببناء المسجد الحرام الذي يتوجه المصلون إليه بأفئدتهم ووجوههم ويرتبطون به ارتباط النجوم بمركز دورانها.
النبوة والطهارة والإمامة والأمن من الضلال، حيث يجتمع كل هذا في مكان له أربعة أركان يضع الناس فيه جباههم علي الأرض سجدا لله مخبتين ممتثلين له وهو ما يشكل قاعدة الانطلاق نحو الأمام، نحو الرقي والكمال والحكمة والتزكية والحضارة.
شتان بين أَمامنا وأَمام غيرنا من الأمم التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت لها وتمادت في المعاصي ويقولون سيغفر لنا وسول لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون.
شتان أيضا بين أمة لزمت طاعة نبيها وإمامها وأمة اتخذت الشياطين أولياء من دون الله (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَي وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) «الأعراف 29- 30».
الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه!!
قلنا من قبل إن (مساجد الله) ليست حالة قائمة بذاتها ولا منفصلة عن حزمة المبادئ والقواعد التي أرساها التوحيد الإبراهيمي والتي أوردها كتاب الله عز وجل في الآيات السابقة.
يقول تعالي: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَي فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْي وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) «البقرة 114».
حاولت أن أفهم هذه الآية من خلال كتب التفسير فلم أعثر علي ما يشفي غليلي.
الجريمة التي ارتكبها هؤلاء الظلمة هو منعهم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعيهم في خرابها وهي جريمة لا تخص مسجدا دون مسجد بل هو أمر متعلق بكل المساجد.
لو كان المجرم شخصا أو مجموعة من الأشخاص لقال سبحانه (ومن أظلم ممن منع مسجدا لله أن يذكر فيه اسمه) ولم يقل (مساجد الله) بصيغة العموم.
لم يحدث علي مدي التاريخ الإسلامي أن تعرضت مساجد العالم الإسلامي لحالة منع عام أن يذكر فيها اسمه.
وحتي عندما تعرضت المساجد في بقعة من البقاع لعمل تخريبي كانت هناك بقاع وبقاع تزخر بأعداد وافرة من المساجد التي (يذكر فيها اسم الله) أقله من الناحية الشكلية.
لا يتعلق الأمر من وجهة نظرنا بالكفار الصرحاء لأن عداءهم للإسلام معروف وليس هناك من يطالبهم بالعدل الذي هو نقيض الظلم.
نلاحظ أيضا أن كلمة (سعي في خرابها) تحمل معني التراخي وليس التخريب والهدم الفوري الذي لا يحتاج لأكثر من قرار ينفذه مجموعة من عمال الهدم وقد حدث هذا بالفعل سواء عندما حكمت الشيوعية بعض بلدان العالم الإسلامي.
الاتهام الوارد في الآية الكريمة من وجهة نظرنا موجه لأعداء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الذين سعوا لتفريغ مساجد الله من محتواها التوحيدي الإبراهيمي ومن كل ارتباط بخط الولاية والإمامة ومن ثم فقد كان هذا تخريبا لها ومنعا لها أن يذكر فيها اسمه علي وجه الحقيقة وإن احتفظت هذه المساجد بشكلها الخارجي.
ألم يقل الحجاج الثقفي واصفا مدينة رسول الله صلي الله عليه وآله: (الحمد الله الذي أخرجني من أم نتن، أهلها أخبث بلد وأغشه لأمير المؤمنين وأحسدهم له علي نعمة الله، والله لو ما كنت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعواداً يهودون بها ورمة قد بليت)، "يعني بذلك منبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقبره صلي الله عليه وآله وسلم. فبلغ جابر بن عبد الله قوله فقال: إن وراءه ما يسوءه، قد قال فرعون ما قال ثم أخذه الله بعد أن أنظره".
كما ذكر ابن عبد ربه في (العقد الفريد) لائحة الأسباب التي دعت العلماء لإكفار الحجاج الثقفي ومن بينها قولُه عندما رَأي الناسَ يطوفون بقبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ومِنبره : إنما يطوفون بأعواد ورِمَّة.
وكلمة (رِمّةٍ) هنا يقصد بها ذلك الملعون المقام الطاهر للنبي الأكرم صلي الله عليه وآله!!.
الفارق بين الأمويين والمتشددين
ليس ثمة فارق جوهري!!.
روي ابن جرير الطبري: وفي سنة 50 للهجرة أمر معاوية بمنبر رسول الله أن يحمل إلي الشام فحرك فكسفت الشمس حتي رؤيت النجوم بادية يومئذ فأعظم الناس ذلك فقال لم أرد حمله إنما خفت أن يكون قد أرض فنظرت إليه ثم كساه يومئذ وذكر محمد بن عمر أنه حدثه بذلك خالد بن القاسم عن شعيب بن عمرو الأموي قال محمد بن عمر حدثني يحيي بن سعيد بن دينار عن أبيه قال: قال معاوية إني رأيت أن منبر رسول الله وعصاه لا يتركان بالمدينة وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه فلما قدم طلب العصا وهي عند سعد القرظ فجاءه أبو هريرة وجابر بن عبد الله فقالا يا أمير المؤمنين نذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا فإن هذا لا يصلح تخرج منبر رسول الله من موضع وضعه وتخرج عصاه إلي الشام فانقل المسجد فأقصر وزاد فيه ست درجات فهو اليوم ثماني درجات واعتذر إلي الناس مما صنع قال محمد بن عمر وحدثني سويد بن عبد العزيز عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبان بن صالح عن قبيصة بن ذؤيب قال كان عبد الملك قد هم بالمنبر فقال له قبيصة بن ذؤيب أذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا وأن تحوله إن أمير المؤمنين معاوية حركه فكسفت الشمس وقال رسول الله من حلف علي منبري آثما فليتبوأ مقعده من النار فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة فأقصر عبد الملك عن ذلك وكف عن أن يذكره فلما كان الوليد وحج هم بذلك وقال خبراني عنه وما أراني إلا سأفعل فأرسل سعيد بن المسيب إلي عمر بن عبد العزيز فقال كلم صاحبك يتق الله عز وجل ولا يتعرض لله سبحانه ولسخطه فكلمه عمر بن عبد العزيز فأقصر وكف عن ذكره فلما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان الوليد هم به وإرسال سعيد بن المسيب إليه فقال سليمان ما كنت أحب أن يذكر هذا عن أمير المؤمنين عبد الملك ولا عن الوليد، هذا مكابرة وما لنا ولهذا؟؟!! أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ونريد أن نعمد إلي علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله إلي ما قبلنا هذا ما لا يصلح.
المعني الذي نستخلصه مما سبق أنه لا أحد اجترأ علي تفريغ مساجد الله من مضمونها ومن أهم أركانها، مثلما اجترأ الأمويون القدامي وأحفادهم من المتشددين الجدد الذين يرون أن إزالة رموز النبوة والولاية من مساجد الله واجب شرعي عقائدي وهو (تطهير للمساجد من الأنصاب والأوثان والأزلام) الذي لا يختلف عما قام به رسول الله صلي الله عليه وآله ومن قبله أبو الأنبياء إبراهيم من تطهير أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين.
لقد فُرغت أغلب المساجد عبر الأمويين وأحفادهم المتشددين بالفعل من كل ما يربط المسلمين ربطا حقيقيا بخالقهم وهو خط الولاية الذي أمروا بالتزامه حيث حل محله منهج التدين بالبدع والأهواء ورغم كل ذلك فهم يطلقون علي بدعهم (التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد) وهذا عين المقصود بقوله تعالي (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها) أي حرف هذه المساجد عن مهمتها الأساسية كحاضنة للتوحيد الإبراهيمي ونقطة انطلاق لتزكية وتعليم الأمة الإسلامية.
الثمرة المرة والفاجعة التي حصدها المسلمون بسبب انتشار التيار المتشدد هو انعدام الأمن وانتشار الإرهاب (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) حيث أصبح كثير من الناس يعانون من الخوف وانعدام الأمن بعد أن تحول كثير من المساجد إلي نقاط انطلاق لبث الفتنة وإطلاق دعاوي التكفير وأصبحت (ظاهرة التطرف) هي القانون السائد في أغلب المجتمعات الإسلامية لأن من سل سيف البغي قطع به وكما تزرع تحصد!!.
بدلا من أن تصبح بيوت الله (مثابة للناس وأمنا) أصبحت قاعدة لبث الدعاية التكفيرية ومنطلقا لاستباحة دماء المسلمين ومركزا لوضع الخطط للعدوان علي الأبرياء الآمنين.
ورغم أن أغلب النظم السياسية الحاكمة الآن تشكل امتدادا للحكم الأموي إلا أنها قد وقعت في البئر التي حفرتها وأضحت الآن تتلفت حولها في حيرة في محاولة للبحث عن مخرج من ورطة انعدام الأمن وانتشار الإرهاب الناجمة عن انتشار الفكر المتشدد التكفيري المعادي للنبوة والولاية إلا أنها تسعي جاهدة في نفس الوقت للتصدي لكل من يسعي لإعادة ربط المسلمين بحقيقة التوحيد الإبراهيمي ووصلهم بمنهج الولاية أي أنهم يفعلون الشيء ونقيضه وهو ما يعد نوعا من انعدام العقل والخسران المبين.
لا نري مخرجا للمسلمين من ورطة انعدام الأمن وتفشي ظاهرة الإرهاب إلا بالعودة إلي القواعد الإبراهيمية الخمس التي بني عليها أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا (المسجد الحرام) وهي التوحيد والنبوة والإمامة والأمن والتطهير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.