بدأت علاقتى بالمقاهى منذ الصغر.. فقد نشأتُ فى مجتمع يغلب على سكانه صفة الوظيفة الحكومية.. معظم أهل سوهاج«المدينة» موظفو حكومة نظرا لندرة – وربما انعدام – الاستثمارات والمشروعات الخاصة فى سوهاج فى فترة الثمانينيات.. كنتُ أرى والدى وأعمامى وأخوالى وجيرانى يذهبون إلى أعمالهم صباحا ويتجمعون بعد صلاة العصر على المقاهى.. كان المقهى هو الملاذ الطبيعى ومكان التجمع الرسمى لأهل سوهاج«المدينة».. وذلك لضيق مساحات البيوت بالمقارنة بسوهاج «الريف» مما يمنع تجمع الأهل والأصدقاء فى البيوت. هذا ما جعلنى أتعلق بالمقهى نفسيا وأحمل له فى صدرى العديد من الذكريات. لقد تمنيتُ منذ الصغر أن يكون لى مقها خاصا بى أضع فيه لمساتى الخاصة وأستقبل فيه أصدقائى بعيدا عن حرمة البيت وخصوصيته.. وفقنى الله أخيرا وفتحت مقهاى.. وما زلت أقضى فيه الوقت الذى كنتُ أقضيه فى المقاهى الأخرى. أمام المقهى توجد «بنزينة».. العاملون فى هذه البنزينة كلهم أصبحوا أصدقائى بعد انتهاء الفترة الأولى الشهيرة الخاصة بالتقاط الصور والتعامل معى كشخص مشهور.. الآن.. نجلس سويا ونحتسى الشاى والشيشة ونتحدث عن كل المشاكل التى يعيشونها وأعيشها. منذ أربعة أيام.. شاهدنا عملية هدم وبناء فى «البنزينة».. وعانينا من الأتربة والإزعاج الناتج من عملية الحفر.. وبدأنا نتساءل عن سر هذه العملية.. فكانت الأجوبة كالتالى: قال بعضُهم: إن البنزينة قد بيعت إلى شركة بترول أخرى.. وقال بعضهم: إن البنزينة غير مرخص لها بالبناء أصلا وستتم إزالتها.. وقال البعض: إن البنزينة ملك لأحد أفراد جماعة «الإخوان» وقد تم تأميمها وصارت ملكا للدولة.. وقال البعض: إن أحد الشخصيات القيادية المهمة فى مصر قد اشترى منزلا فى إحدى العمارات التى تحيط بالبنزينة وأصدر قرارا بإزالة البنزينة.. وقال آخر.. وقال آخر.. وفى النهاية اكتشفنا أن ما يجرى هو عملية تنظيف وصيانة طبيعية جدا تحدث كل عامين أو ثلاثة لكل البنزينات فى مصر.. وأن شيئا مما سبق لم يحدث بالمرة وأنه من نسج خيال قائليه وليس له أية علاقة بالواقع. أكتب مقالى هذا لأشرح كارثة ومصيبة من أكبر الكوارث والمصائب التى تجرى فى مصر خاصةً فى الفترة الأخيرة.. وهى «الشائعات».. الشائعات فى مصر ظاهرة كارثية يتم إطلاقها واستغلالها حسب الأهواء والرغبات.. وقد تكون هذه الرغبات مدمرة فى بعض الأحيان.. خاصة فى مثل هذه الأحيان التى تمر البلد، الغريب فى الأمر.. أن الأصدقاء الذين كانوا «يفتون» ويتحدثون عن الأسباب «الحقيقية» وراء عملية الصيانة هم أنفسهم الذين يعملون فى البنزينة، نرجو من حضراتكم يا سادة عدم ترويج الشائعات وعدم ابتكار أخبار غير حقيقية وغير موجودة خوفا على قطاعات اخرى بالدولة.