وصف النقاد الفنان القدير صبرى ناشد (1938) بدينامو الحركة التشكيلية لدوره فى مجلس إدارة نقابة التشكيليين ومجلس إدارة جمعية الفنون الجميلة ولجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى للثقافة. وقالوا عن منحوتاته الخشبية إن لها حضورا حيا وهادئا يترك أثره وبصمته لدى المتلقى وكذلك شخصيته الإنسانية تترك نفس الأثر. بدأ الفنان الكبير مشوار النحت منذ عام 1959 وكان أول معرض له فى قاعة جوته بالمركز الثقافى الألمانى عام 1969، وكل من تتلمذ على يديه يشعر بامتنان شديد له لمعرفته العميقة بأسرار نحت الخشب، ومنهم الفنانة التشكيلية بسمة عبد العزيز مؤلفة كتاب "إغراء السلطة المطلقة"، التى تعتز فى كل مناسبة بما تعلمته من الفنان الكبير. "اليوم السابع" حاور الفنان الذى اختار الظل منذ عدة سنوات اضطراريا بسبب ظروفه الصحية، وكانت آخر مشاركاته فى الحركة التشكيلية عام 2005 فى سمبوزيوم أسوان ومعرض مكتبة الإسكندرية. ما الذى تشعر به بعد أن توقفت عن النحت؟ أشعر كأنى لا أعيش لأن النحت بالنسبة لى حياة ولأنى بدون النحت مجرد إنسان موجود فى الحياة، والآن تفاعلاتى كلها داخلية ولست قادرا على التعبير عنها وأتصور أن الفنان لا يستطيع الحياة بدون فن. وقد توقفت عن النحت منذ 2011 مع بداية الثورة بسبب قلقى وحزنى على سقوط الشهداء وموت الناس وانتشار الإشاعات التى بدأت تشعرنى بضيق شديد اثر على نفسيتى وكان مستحيل أن اعمل فى ظل هذه الأجواء المضطربة ثم أصابتنى أزمة قلبية ومنعنى الأطباء من النحت ومن بذل الجهد فالنحت يحتاج لصحة جيدة ليس فقط أثناء العمل لكن أيضا لتحريك الكتل التى أتعامل معها أى أننى ممنوع من النحت بأمر الأطباء. هل تتابع أعمال الفنانين الآخرين؟ أتابع أعمال الفنانين الآخرين فى العالم وفى مصر من خلال الإنترنت وأتابع أخبار ما يجرى فى مصر وقلق جدا ولا أعرف إلى أين تتجه فالبلد أصبحت كمركب فى مهب الريح، خاصة أننا وثقنا فى بعض القيادات ولكننا وجدناها تتخبط على ارض الواقع لكن لازالت الفريق عبد الفتاح السيسى هو العلامة البارزة حتى ألان فمواقفه أثبتت انه إنسان مصرى وقراره مستقل وغير تابع وهذا يزيد احترامى له فارتباط سياسة مصر بأى دولة خارجية شيء لا يسعدنى مطلقا، سعيد بمتحف ادم حنين لان لديه أعمال كثيرة جدا يجب أن يحافظ عليها وأتمنى أن تعرف الأجيال القادمة قيمة هذه الأعمال وتحافظ عليها. كيف تقيم الحالة الفنية بعد الثورة؟ حدث شىء غريب جدا وهو أن بعض الفنانين يرون أنه من الممكن لهم فى أسبوع أن يقدموا أعمالا فنية ويركبوا الموجة لمجرد إثبات المشاركة وليقولوا إنهم متعايشون مع الأحداث فى الوطن، بينما أى عمل فنى يحتاج لوقت وجهد حتى لا يكون مهوشا، لأن الأعمال المهوشة مصيرها الزوال ومن خلال ما أتابعه من بيتى عبر الإنترنت أجد أن كثير من المعارض بعيدة كل البعد عن كل ما هو وطنى أو مصرى وكأن الفنان فى عالم آخر ولا أرى أن كل الأعمال التى تابعتها يمكن أن أرى فى أحدها تأثير الثورتين يناير ويونيو على عكس ما حدث بعد ثورة يوليو حيث كان هناك اهتمام بالربط بين الفن وسياسة مصر وقتها فوجدنا جمعية محبى الفنون الجميلة التى كانت من أهم الجمعيات المهتمة بالنشاط الفنى فى مصر وصاحبة أول صالون مصرى هو "صالون القاهرة" وكانت تعمل مسابقات فنية واهتمت بمعرض "الفن والعمل" كان الفن يهتم بالعمال والفلاحين وبالسياسة وهناك لوحات شهيرة للفنان عبد الهادى الجزار مثلا عن الميثاق وحادث دنشواى والسد العالى وهكذا كان الفنان يتفاعل مع الحدث أولا بأول وتأثر فنانين كثيرين بالجلاء والإعمال الفدائية فى القناة وقاموا بتسجيلها. ما رأيك فيما حدث للنصب التذكارى بالتحرير؟ بالنسبة للنصب التذكارى كان فيه نوع من التعجل فى إقامته وفى الوقت نفسه كان فى تهور من الشباب الذين قاموا بتحطيمه وهذا فيه إهانة شديدة للوطن لان مفترض إننا شعب صاحب أقدم حضارة ويجب أن نكون متحضرين فى سلوكياتنا فالحضارة ليست مجرد تماثيل وأحجار فعدم الإحساس بالوطنية مر. الآن يقطع البعض رؤوس التماثيل تحت دعاوى تتمسح بالأديان.. كيف ترى ذلك؟ مصر هى بلاد الرحمة والحضارة لذا يؤلمنى ما يحدث لها الآن، وربما يكون قطع رؤوس التماثيل ناتج من طريقة تفكير من يقوم بذلك لأنى رأيت تماثيل لفنانين إسلاميين يتعمدون قطع جزء من جسد التمثال كيده أو قدمه أو أى جزء حتى لا يصبح فيه شىء مما خلقه الله ربما يفسر هذا قطع الرؤوس. هل لك أعمال خارج مصر وهل تخاف على أعمالك النحتية من أفكار التطرف؟ اضطررت أن اخرج بعض أعمالى خارج مصر وهذا ذو شقين الأول الانتشار العالمى لكن فيه جانب مؤلم وهو شعورى كأنى هاجرت خارج بلدى وكنت أتمنى أن تكون كل أعمالى هنا مع بعضها ولولا خوفى مما يمكن أن تتعرض له ما كنت اسمح بخروجها. لماذا اخترت الخشب فى أعمالك النحتية؟ لأنى تأثرت بالمصرى القديم وفكرته فى البحث عن الخلود وتسجيله لأعماله على خامات لها صفة البقاء قدر الإمكان مثل الأحجار والأخشاب والمعادن وعندما بدأت العمل الفنى فى نهاية الخمسينات كانت معظم الأعمال النحتية من الجبس وكنت اشعر أن أعمال الجبس ليس لها صفة البقاء طويلا وتتعرض لكسور فى التنقل فكان أمامى إما الحجر وإما الخشب وكان من المستحيل أن أقوم بأعمال نحتية من الحجر داخل شقة سكنية لثقل الكتل وصعوبة نقلها وأصوات التشغيل العالية فاخترت الخشب وقديما كان الفنانين وقتها يعملون التماثيل من الجبس ثم ينقلونها إلى الخشب فهو يستخدموا الجبس لقياس النسب والمسافات وبمساعدة عمال مهرة اسمهم "الأويمجية" ينقلون الأعمال إلى الخشب لكنى رفضت هذا الأسلوب لان نقاء الإحساس بالعمل يكون فى أول لمسات النحات للخامة وليس فى إعادة تكرار العمل ونقله من وسيط إلى وسيط أخر كذلك فالأعمال التى كانت تصنع بطريقة الجبس كان فيها حرفة وصنعة أكثر مما فيها من فن وإحساس ففكرت أن ارسم فكرتى على قطعة من الشجر وابدأ التعامل معها بحيث أن كل إحساسى ينتقل إليها لذلك فكل أعمالى بعيدة عن الصنعة لأنها نتيجة لحوار مباشر بينى وبين الخامة التى أتعامل معها. وما هى لحظة الإبداع من وجهة نظرك؟ لحظة الإبداع عندى وعند أى فنان صادق مع عمله هى اللحظة التى يفقد فيها إحساسه بالزمان والمكان أثناء العمل الفنى والتى يتحول فيها العمل نفسه إلى موسيقى يسمعها وكثيرا ما كنت أقول أننى لا انحت لكن اعزف ما أريد وقتما أريد دون التقييد بمدرسة أو أسلوب لأنى لا أحب القولبة. لك أعمال كثيرة تستخدم فيها النباتات نفسها بما يوحى إليك النبات؟ علاقتى بالنباتات مستمدة من المصرى القديم الذى استوحى تيجان الأعمدة من زهرة اللوتس واستلهم نبات البردى وجعل من العمود الفرعونى عمل نحتى فى حد ذاته. كذلك فالمصرى القديم استطاع فهم الطبيعة ودخل لعمقها فهو الذى جعل للشمس أيادى. ما هى المحطات البارزة فى مشوارك الفنى الطويل؟ حصلت على عشرات الجوائز أولها عام 1961 فى معرض "من وحى التاريخ العربى" ثم جائزة النحت فى معرض "الفن والمعركة" عام 1970 وجائزة " مختار " للنحت فى الهواء الطلق عام 1973 وجائزة الدولة التشجيعية فى النحت عام 1989 وجائزة لجنة التحكيم فى بينالى الإسكندرية الدولى عام 1997 والجائزة الثانية فى بينالى اللاذقية الدولى عام 1999 وتم تسجيل اسمى فى الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة عام 1989، وحصلت على 12 شهادة تقدير من جهات عده من بينها ترينالى النحت فى بودابست، ولى مقتنيات فى وزارة الخارجية المصرية ووزارة الثقافة ومتحف الفن الحديث وهيئة المسرح ومتحف الفن الأفريقى بواشنطن ومتحف تيتو بيوغسلافيا ومترو الإنفاق بمحطة جمال عبد الناصر بمصر ودار الأوبرا المصرية وقاعة المؤتمرات وبنك قناة السويس والبنك الأهلى ونادى هليوبوليس وعدد من الكليات الفنية.