تعلقت عيناها بأوراق النتيجة المعلقة على الحائط.. اليوم الخميس الثالث عشر من أغسطس هو فى الأيام يوم عادى.. لكن بالنسبة لها يوم غير عادى.. تاريخ جديد ستتذكره دوما.. انهارت أحلامها البسيطة فلم يعد لها رغبة فى أى شىء حتى محمود حبيب القلب تلاشت صورتها معه فى فستان الزفاف الأبيض.. لن تغفر لوالدها وأخيها ما فعلاه.. مشوار طويل قطعته فاطمة لتجمع كل قرش لتكمل مصاريف جهازها.. ضاع كل شىء.. فى كل ركن فى حجرتها اختصته بتفاصيل عش الزوجية.. فى المطبخ ستضع هذا الفازة.. وفى حجرة النوم ستزين سريرها بهذا المفرش المطرز.. وفى صالون شقتها ستعلق هذه اللوحات الرقيقة الهادئة.. لن تنسى مبخرتها النحاسية أهدتها لها مريضة كانت تشرف على علاجها فى المستشفى حيث تعمل ممرضة.. دولاب ملابسها لا يخلو من هدايا صديقاتها.. تحملق فى كل ركن تسترسل الدموع من عينيها لا تقوى على مسحها.. تفيق على جرس التليفون.. فتناديها والدتها: تعالى كلمى محمود.. ترفع جسدها بصعوبة تجره جراً.. تخطو خطواتها ثقيلة متراجعة.. تفكر فى الكذب واختلاق حجج لمحمود.. تمسك سماعة التليفون كأنها تمسك خنجرا يطعن فى قلبها.. ينزف جرحها وهى تسرد كلمات منمقة بلا هدف إلا الخروج من مأزقها.. تنتهى مكالمتها التليفونية فلا تشعر بنفسها إلا على فراشها.. سقطت من فرط خوفها.. هواجسها تدفعها إلى تصديق ما قالته إحدى صديقاتها.. محمود ممكن يسيبك لو عرف إن أبوك صرف فلوسك على محمد أخوكى.. لن تشفع سنواتى الخمس التى قضيتها وأنا مرهونة على اسمه.. لن يسمع توسلاتى حتى لا يتركنى لم أحب غيره ولن أتزوج سواه.. قررت فاطمة أن تبوح لمحمود بسرها.. أن تستحلفه بكل دقات قلبها الملهوف عليه أن يسامحها.. لاحيلة لها.. اتفقت فاطمة على موعد عشاء فى بيتها.. ينبض جسدها خوفا.. ترتعش كلماتها.. لكنها أصرت أن تعترف.. لن يكون زفاف قبل عام على الأقل.. ربما أكثر.. تحجرت الدموع فى عينيها أبت أن تبكى بين يديه لا تعرف لماذا؟ لأول مرة منذ عرفت محمود وأحبته تشعر بغربة إلى جواره.. تبتلع ريقها وهى تنظر إلى عينيه تشعر بغصه تكاد تشق جوفها.. محمود لم يقل شيئاً!! نظراته كانت بلا معنى تستطيع ترجمته فى كلمات محددة.. لم يرفع صوته بكلمة.. لم يصرخ أو يتشاجر كما يفعل فى كل مرة تخرج الأمور عن مسارها.. استأذن وانصرف بلا حرف.. حتى ملامحه بدت لفاطمة كلوح الجليد الأملس بلا تجاعيد أو تضاريس تزينه.. لم تعرف جفون فاطمة طعماً للنوم.. هى لن تتعجله فهو قادم يهرول إليها!! فى المستشفى ابتسمت فى وجه الجميع.. لكن صديقتها الوحيدة استشعرت انهياراً داخلها حدثتها كثيراً لكن فاطمة كانت قد اتخذت قرار الرحيل فى هدوء.. دخلت إلى حجرة الممرضات فى المستشفى أغلقت الباب بإحكام.. أدخلت السم إلى شرايينها.. دقائق وانتهت فاطمة.. وبقى محمود..