قال الشاعر الفلسطينى محمود النجار رئيس تجمع شعراء بلا حدود فى المؤتمر الذى عقد فى القاهرة، مؤخرا أن التجمع لا يقبل فى عضويته إلا الشاعر المُلتزم بقضايا أمته ويتناولها فى شعرهِ، والذى يعترف بدور الحضارة العربية، وأكد النجار أن التجمع رفض من سماهم"بشعراء التغريب وأصحاب الصيحات الغربية".. ووجود كيان يقدم هذا الطرح عن الشعر يدفعنا إلى التساؤل: هل هناك شاعرٌ ملتزم وغير مُلتزم؟ أم أن هناك إبداعٌا بلا حدود؟ الشاعر "محمد سُليمان" قال: من الصعب جدًا أن نطالب الشاعر أن يكتب عن قضية معينة، لأنه ليس بعيدًا عن الواقع الذى يعاصرهُ، وإنما يتأثر بما يحدث حوله، فتتسلل كل هذه القضايا إلى إبداعهِ فيخُرج لنا قصيدته. كما أشار سليمان فى حديثه إلى أن: مسألة إلزام الشاعر بقضايا وطنه والانغلاق على مجتمعهِ العربى فقط أمرٌ يذكرنا بمعارك "أدب الالتزام" التى أثيرت فى الخمسينيات والستينيات، وأكد أن التفكير بهذا المنطق معناه أن هناك خللا عقليا عندما نفكر فى كيفية العودة إلى الماضى، مشيرا إلى أن "طه حسين" تحدث عن مستقبل الثقافة العربية، وعن ضرورة النظر للآخر وكذلك "محمد عبده" الذى نادى بالوسطية، وأن نأخذ من الغرب أسباب تقدمهم مع الاحتفاظ بالخصوصية. فيما قال الشاعر "جمال القصاص": إن علاقة المبدع مع واقعهِ ليست علاقة جامدة، وبالتالى قصيدته هى قضية وطنه، وهو الذى يصنع قضيتهُ بقلمهِ من وجهة نظرهِ، وليس صحيحًا أن نطالب الشاعر بالالتزام بالكتابة فى قضيةٍ ما، وإلا تخلى عن صفة الإبداع، ولا يوجد إبداع فى الفراغ. إلى جانب أن مسألة انغلاق والتزام المبدع بقضايا معينة هى دائرة مغلقة لا فائدة منها، لأن الشاعر هو الذى يخلق مجالات جديدة فى تراث التاريخ. الشاعر عادل جلال اعتبر وجود أفق أو سقف معين من أجل الكتابة فيه أمرٌ لا يقوم به إلا الكتَبَة على أبواب المحاكم، أو طلاب المدارس فى المسابقات الثقافية من أجل الترويج لقضية معينة؛ لاستكمال متطلبات التعليم، أما بالنسبة للإبداع فهو وحدهُ الذى يتحدثُ عن نفسهِ ويخلقُ عالمهُ، وهو القيمة التى ستظلُ عبر التاريخ من مصر القديمة الإنسانية نفسها إلى مر العصور القادمة مؤكدا على أن هذه الأصوات التى تطفو على السطح إنما هى مجرد محاولات طفولية عبثية تستقر فى آخر الأمر بسلة النسيان. وقال الدكتور محمود الضبع أستاذ النقد الأدبى أن مسألة الالتزام فى الأدب مسألة فضفاضة تنامى الشعور بها مع الواقعية الاشتراكية وما تلاها، غير أن نظريات الاقتصاد والتكنولوجيا المعاصرة أعادت تفكيك كثير من المفاهيم الخاصة بالمؤسسات والجماعات الثقافية والأدبية، وأعلت نسبيًا من شأن الفردانية، واعتبار الفرد مؤسسة قائمة بذاتها، وحتى عبر تاريخ الفن والأدب كانت فكرة الالتزام فكرة فنية أكثر منها موضوعية، بمعنى الالتزام بالتقنيات والأسس الفنية مثل ما أقرته جماعة الديوان، وما استقرت عليه جماعات الشعر التفعيلي، وما توصلت إليه الاتفاقات حول قصيدة النثر، وفى كل ذلك كان الالتزام بالأسس الفنية هو المهيمن، ولم تطرح مطلقًا فكرة الموضوع على أنها القضية التى يجب الالتزام بها. وأوضح الدكتور شريف الجيار أننا تابعنا فى الفترات الأخيرة بعض الأصوات التى تُحجم من موهبة الشاعر، وتُلزمهُ بالكتابة فى قضايا محدودة دون غيرها، وهو ما يُقيد حرية الفكر والإبداع، مشيرا إلى أن الشعر لا يمكن أن نضعهُ فى أُطر محدودة لأن هذا يقتلُ موهبة الشاعر، لكنه أكد أن هذا لا يعنى أننا ضد الكتابة عن القضايا الوطنية، ولكن تأتى فى ظل إحساسٍ حُر من قبل الشاعر تجاه هذه القضايا. لأن الشاعر بطبيعته هو متمردٌ فحينما نطلب منه أن يكتب عن قضية معينة محدودة، فإن الشعور بالإلزام الذى يُملى عليه هذا يسبب نوعًا من الضغط وعدم الحرية، وهذا ما يسمى بصناعة الشعر، وليس فى ذلك ثمة موهبة إطلاقًا. ويشير الجيار إلى أن هناك بعض الأصوات والجماعات الأدبية التى أطلقت على بعض الشعراء مصطلح شعراء التغريب وهو ما يعنى بالنسبة لهم شعراء يكتبون فى قضايا أخرى بعيدةً عن القضايا الوطنية، ولكنهم نسوا أن مؤسسى الشعر الحديث بدءًا من "شوقي" ومرورًا ب "مطران" وجماعة "الديوان"، وجماعة "أبوللو" و"المهجر" وشعراء التفعيلة، كلهم اعتمدوا فى مضامينهم داخل القصيدة على المنحى الفرنسى خاصة الرومانسية، والمنحى الأمريكى خاصة شعراء "المهجر" وشعراء التفعيلة، وبالتالى لا يمكن أن نطلق مُصطلحًا كالتغريب دون أن نضع لهُ تعريفًا علميًا دقيقًا قبل أن نطلقهُ بشكل مرن لا يمكن تحديد مفهومهِ وفقًا لرؤى هذه الأصوات.