على الأرض أو عن طريق الهواء.. بالهراوات أو بالغاز المسيل للدموع.. عن طريق خراطيم المياه أو الرصاص الحى.. لا تتردد السلطات الإيرانية فى اللجوء إلى استخدام مختلف الوسائل لقمع المتظاهرين والقادة السياسيين، بل ومراسلى الصحف الأجنبية الذى انتهى بهم الأمر فى النهاية إلى حزم أمتعتهم ومغادرة إيران. تلك هى الصورة التى نقلها مراسل صحيفة "لوفيجارو" من قلب الأحداث فى إيران فى مقال يصور فيه أساليب القمع الرهيبة التى لجأت إليها السلطات الإيرانية لإسكات صوت المعارضين ضد أحمدى نجاد، والتى تفاقمت منذ كلمة الإمام خامنئى يوم الجمعة الماضى، الذى أمر المتظاهرين بوقف الانتفاضة. إذ أطلق النظام الإيرانى منذ ذلك اليوم العنان لقوات حفظ النظام (المكونة من مزيج من شرطة مكافحة الشغب والميليشيات الإسلامية وحرس الثورة وعناصر أخرى مجهولة الهوية) لممارسة أشد أنواع القمع لإخماد تلك الانتفاضة. الأمر الذى يعلق عليه أحد الديبلوماسيين العرب فى إيران قائلاً، إن العنف يصبح جزءاً من ممارسة السلطة داخل أى نظام استبدادى. تروى الصحيفة كيف تعمل كل وحدة من تلك القوات، حيث إنه بمجرد تفريق التجمعات بالاستعانة بالهراوات، تبدأ الدراجات النارية فى الانقضاض على المتظاهرين الذين يتراجعون إلى الشوارع المجاورة. وفى معظم الأحيان لا تعمل الميليشيات وحدها، بل تسترشد بمروحيات الشرطة التى تحوم فوقها، والتى تعلمهم على الفور بما يحدث فى الشارع. أما عن الميلشيات الإسلامية التى يسهل التعرف عليها من خلال الخوذة واللحية الطويلة، فيثير بعضها الرعب بالسواطير التى يستخدمونها خلال المظاهرات. وعن وحدات حرس الثورة الإسلامية، فقد انتشرت منذ أكثر من أسبوع فى جميع أنحاء مدينة طهران. فى أثناء النهار، لا يلاحظها أحد. وخلال المساء، على العكس تتوزع تلك القوات فى بعض الأحياء الشمالية، التى تشكل قلب التظاهرات، وتضاعف من سد الطرق أمام المتظاهرين ابتداء من الساعة العاشرة مساء. وإذا قامت مجموعة من الشباب بالتعبير عن غضبها، لا يتردد حرس الثورة فى أن يوسعوهم ضرباً، بل إن البعض منهم قد ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما دخلوا إلى أحد المستشفيات لمنع الجراحين من معالجة جروح المتظاهرين. ويحصل حراس الثورة فى تلك الأعمال القذرة على دعم عملاء المخابرات، الذين يتوجهون إلى المنازل لإسكات صيحات "الله أكبر"، التى يهتف بها كل ليلة الآلاف من الشباب من سطح منازلهم. وهو الأمر الذى يؤكد، كما تقول الصحيفة، أنه على الرغم من العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية بسبب طموحاتها النووية، إلا أنها تمكنت من الحصول على معدات حساسة من شركات ألمانية، تسمح لها بتحسين التصنت على الهواتف المحمولة. وقد رصد جهاز بلدية طهران، يوم الاثنين الماضى، عدداً المشاركين فى المسيرة المؤيدة لموسوى، والذى بلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين شخص. وهو الأمر الذى سبق وشهدته إيران منذ سقوط الشاه فى عام 1979، والذى يفسر، وفقاً لبعض الآراء، هذه الأعمال الانتقامية التى ارتكبت بعد ساعات قليلة، فى جامعة طهران، حيث قتل خمسة طلاب (ثلاث فتيات وشابين) بمنتنهى الوحشية. وحصلت عائلاتهم على ما يعادل 240 يورو كتعويض، ولقد تم "بيعهم"، سواء بواسطة مرشدين أو تم رصدهم من خلال كاميرات مراقبة مثبتة فى شوارع العاصمة. تشير الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن السلطات لا تعلن الأمر، إلا أن هناك أيضاً خسائر بشرية فى صفوف قوات الأمن الإيرانية. إذ نجح عدد متزايد من العائلات الإيرانية على مدى الأشهر الأخيرة بالاستفادة من قرب الأسواق الأفغانية والعراقية وتزودوا بالسلاح. تضيف الصحيفة إلى أنه إلى جانب أعمال القمع والاعتقالات، يلجأ النظام الإيرانى أيضا إلى ترهيب الزعماء الإصلاحيين الذين لم يعودوا يرغبون فى التحدث إلى الصحافة الأجنبية، خوفا من تعرضهم للانتقام، وأيضا وبصورة خاصة، ترهيب أولئك الذين ألقى القبض عليهم. حيث يشرح دبلوماسى، آخر أنه قبل الإفراج عنهم، يقال لهم إنهم إذا أرادوا مواصلة دعم المعارضين، فسوف "يصيب أسرهم قلق عميق". كما يروى مراسل الصحيفة كيف تكثفت الضغوط ضد الصحافة الأجنبية. حيث توجه يوم السبت اثنان من الضباط إلى الفندق المقيم فيه، حاملين الرسالة الآتية: "إن تأشيرة الإقامة الخاصة بك تنتهى الليلة عند منتصف الليل، ولا تحاول تمديد إقامتك، لأنها ستكون غير قانونية، ثم أنه لا يمكن لأحد أن يضمن لك سلامتك". مما يعنى أنه على جميع الصحفيين الأجانب تقريباً مغادرة طهران مع مطلع الأسبوع المقبل وقد تم مساء يوم الأحد، اعتقال صحفى كندى من مجلة "النيوزويك" الأمريكية.