إن أخوف ما يخاف على أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعى فى هذه الأمة، وافتتانها بكل دعوة واندفاعها إلى كل موجة وخضوعها لكل متسلط وسكوتها على كل فظيعة وتحملها لكل ضيم، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها فى مواضعها ولا تميز بين الصديق والعدو وبين الناصح والغاش وأن تلدغ من جحر مرة بعد مرة ولا تنصحها الحوادث، ولا تروعها التجارب، ولا تنتفع بالكوارث، ولا تزال تولى قيادها من جربت عليه الغش والخديعة والخيانة والأثرة والأنانية ، ولا تزال تضع ثقتها فيه وتمكنه من نفسها وأموالها وأعراضها ومفاتيح ملكها وتنسى سريعاً ما لاقت على يده الخسائر والنكبات فيجترئ بذلك السياسيون المحترفون، والقادة الخائنون ويأمنون سخط الأمة ومحاسبتها ويتمادون فى غيهم ويسترسلون فى خياناتهم وعبثهم ثقة ببلاهة الأمة وسذاجة الشعب وفقدان الوعى. فقد لخص أبوالحسن الندوى فيما سبق أزمات مصر الآن التى تحاول الإجهاز على مستقبلها، وليست المشكلة فقط فى توالى الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية، ولكن المشكلة المزمنة فى غياب الوعى الذى يجتهد الإعلاميون والنفعيون فى ترسيخه فى عقول الشعب المصرى، ليعيش أسيرا لمشكلاته وأزماته وينسى أصل المشكلة التى أدت إلى استفحال المرض. وها هم يكشفون كل يوم عن وجههم الأسود الكالح فيظهرون الشماتة فى مصاب الوطن، ويتخلون عن مسئوليتهم تجاه مصر، فيرفضون حوارا لمناقشة أزمة اختطاف جنودنا، ويكتفون بالشماتة واللوم، وما كان يجرؤ أحدهم على النطق بكلمة أيام الطاغوت الراحل. وللأسف صدقهم البعض ممن غاب وعيهم، حتى رد الله كيدهم وخيب سعيهم، وعاد جنودنا البواسل سالمين غانمين دون إراقة نقطة دم واحدة. وفى نفس المشهد المؤسف يستعين القضاة بالغرب ليس تحقيقا لعدل أو رفع لظلم، ولكن استقواء وحرصا على إشعال الفتن فى ربوع البلاد. إن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية – مع الأسف – ضعيفة الوعى – إذا تحرجنا أن نقول: فاقدة الوعى – فهى لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملها معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح وقد يكون الصديق فى تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو، ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهى ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان تنسى ماضى الزعماء والقادة، وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة، وهى ضعيفة فى الوعى الاجتماعى وأضعف فى الوعى السياسى، وذلك ما جر عليها ويلاً عظيماً وشقاء كبيراً وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها فى كل معركة. لقد تصدر المشهد الآن اللصوص والقتلة الذين ثار الشعب عليهم، فهل نسى الناس من أعداؤهم الحقيقيون؟ ولبس المنافقون والمنافقات أثواب البطولة الزائفة والمعارضة المغرضة ، بعد أن عاشوا زمنا يسبحون بحمد مبارك، ويقبلون الأقدام قبل الأيدى، فماذا تغير يا شعب مصر؟ والسؤال المهم: أين دورنا نحن فى إيقاظ وعى الجماهير؟، ليتحلوا بالصبر واليقين، فلا تؤثر فيهم الأزمات المفتعلة كالكهرباء والماء.. وكيف ننجح فى نقلهم إلى إتباع القدوة الأولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكيف صبر على شظف لعيش.. وربط الحجرين على بطنه من أجل غاية عظمى وهدف أسمى.. فلابد من بذل الجهد وتوافرالنية الصادقة وتوحيد الجهود لترسيخ تلك المعانى الإيمانية فى القلوب، وتفويت الفرصة على من يحاولون إسقاط مصر، وردتها مرة أخرى إلى العبودية والدكتاتورية.