يرى عدد من الخبراء أن مجموعة مركوسور، السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية، تجد نفسها فى مهب الريح مع ظهور بوادر خلافات بين قاطرتيها، البرازيل والأرجنتين، فيما الغموض يحيط بمستقبلها. ومركوسور هى الفضاء الثالث للتبادل الحر بعد الاتحاد الأوروبى واتفاقية التبادل الحر فى أميركا الشمالية (الينا. الولاياتالمتحدة وكندا والمكسيك)، وقد أنشئت فى 1991 كمنطقة للتبادل الحر بين البلدان التى يحكمها رؤساء محافظون، لكن البرازيل والأرجنتين والأوروجواى تقودها اليوم حكومات يسارية تؤيد مبدأ تدخل الدولة فى الاقتصاد. ولفت موريشيو كلافيرى الخبير الأرجنتينى فى شؤون التجارة الخارجية إلى أن هذا التكتل "أظهر نقاط ضعفه خلال السنوات الأخيرة، ولم يعد يتمتع بالوزن الاقتصادى والتجارى نفسه. فى المقابل وبصفته فضاء سياسى فهو قاعدة التحالف بين الأرجنتين والبرازيل (أول قوتين اقتصاديتين فى أمريكا الجنوبية) ما يسمح للبرازيل بممارسة زعامتها الإقليمية". وأضاف أن فضاء التبادل الحر الجنوب أمريكى "يعتمد كثيرا على العلاقة بين البرازيل والأرجنتين، فالملفات الاقتصادية التجارية لم تتقدم بل هى مجمدة فى غياب قرار سياسى". وقال كبير خبراء الاقتصاد فى مؤسسة ومركز الدراسات التجارية رودريغو برانكو فى هذا الصدد "إننا فى زمن فقدان التعاون بين البلدين، ويحتاج التكتل لإعادة تعريف وتوحيد". فى المقابل فإن الأجندة السياسية مثقلة، إذ إن سنة 2012 كانت مضطربة بالنسبة لمركوسور، فقد تم تعليق عضوية الباراجوى مؤقتا، لكن العقوبة سقطت بعد عزل الرئيس فرناندو لوغو المثير للجدل. وانتهز التكتل الفرصة لقبول عضوية فنزويلا، برئاسة هوغو تشافيز، التى كانت الباراجوى تعترض عليها. وقد تنضم الإكوادور وبوليفيا فى المدى المتوسط إلى مركوسور. كما أبدى الرئيس باراجواى المنتخب اوراسيو كارتيس عزمه على الانضمام مجددا إلى مركوسورو، لكنه لا يخفى أيضا اهتمامه بتحالف المحيط الهادئ الذى أنشأته فى 2012 تشيلى وكولومبيا والمكسيك والبيرو ويتوجه نحو الأسواق الآسيوية. وفى الأوروجواى وصف الرئيس خوسيه موخيكا تكتل مركوسور بأنه "تكتل خامد" و"مجمد زمنيا". وحذرت جمعية التجارة الخارجية البرازيلية من أن التبادل التجارى بين أعضاء مركوسور قد يتراجع أكثر هذا العام أن تدهورت أسعار المواد الأولية -النفط الفنزويلى، لحم البقر الاوروغوية، الصويا الأرجنتينية والبرازيلية، وفى داخل مركوسور تتعرض سياسة الرئيسة الأرجنتينية كريستينا كيرشنر إلى انتقادات. ففى أواخر 2011 فرضت الأرجنتين نظام مراقبة مشددة على سوق الصرف لتجنب هروب العملات الصعبة، ورسوم جمركية مرتفعة لم تعف منها الدول الأعضاء فى مركوسور. وتؤثر السياسة الأرجنتينية على "صادرات شركائها الذين يتهمونها بالحمائية، لكن البرازيل تتحمل أيضا حصتها من المسؤولية، خاصة فى ما يتعلق بالأسواق العامة التى تشجع الشركات البرازيلية". وقد تراجع حجم الصادرات البرازيلية إلى الأرجنتين بنسبة 21% فى 2012 و10% فى الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2013. وفى 2012 انخفضت الصادرات الأرجنتينية إلى البرازيل بنسبة 3% لكنها تحسنت فى الفصل الأول من 2013 (+16%). وكانت التجارة الثنائية بين البلدين سجلت فى 2011 مستوى قياسيا مع 40 مليار دولار. ويعتبر الخبير اللبنانى فى العلاقات الدولية خاتشيك درغوغاسيان من جامعة سان اندريس فى بوينس ايرس "إن مركوسور بحاجة لنفحة أوكسجين ثانية". وقال "إن مركوسور بحاجة لرؤية جديدة حتى تتخلص من الركود: (اى) إيجاد آلية تهدف إلى استخدام الموارد الطبيعية فى تنمية البلدان، وإقامة بنى تحتية جديدة لاسيما فى مجال الطاقة والنقل، مثل بناء ممر برى بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسى، فلا يمكن لأى اقتصاد يريد أن ينمو أن ينغلق على نفسه". وبرأيه "فإن عمليات الاندماج تحتاج لأن تكون متلائمة مع العصر، وإلا فمن الممكن أن تفقد معناها"، ومن المقرر أن تعقد قمة مركوسور المقبلة فى يونيو فى مونتيفيديو.