أشفقُ على الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء والذين معه في حكومته أشدّ الإشفاق، وأراهم أبطالا يستحقّون أن نصنع لهم التماثيل ونعرّف الأجيال بهم ونقول: هؤلاء الأبطال قبِلوا مسئوليّة الوزارة في مرحلة من أصعب مراحل تاريخنا الحديث، وكانوا كالفدائيين الذين يضعون أرواحهم على أكفّهم ويضحّون بها من أجل الوطن ومستقبل أبنائه، فقبولهم المهمة في هذه الظروف العصيبة يُعتَبَرُ مجازفة لا يجرؤ عليها إلا بطلٌ أو مجنون ! والناسُ في بلادي لا يرحمون، للأسف الشديد، ويرون رئيس الحكومة أو الوزير وكأنه قارون يملك من الأموال والكنوز ما إنْ مفاتحه لتنوءُ بالعصبة أولي القوة، أو هو ساحرٌ يملك حلولا لكلّ شيء، وأيّ شيءٍ يحلمون به يحققه لهم من قبل أن يطلبوه، ولهذا، تعالت الصيحات الانتقادية في الصحف والفضائيات والمنتديات وعلى المقاهي وفي التكاتك وكل وسائل المواصلات، والجميع إلا مَن رحم ربّي يتهمون الحكومة بالتقاعس والتكاسل والتباطؤ، وأنها حكومة سلبية ولم تفعل شيئًا يلبي طموحات المواطنين، لا في الجانب الأمني، ولا الاقتصادي، ولا ولا ولا...، وأصبح كلٌّ منّا لا ينظرُ أبعد من موضع قدميه، ولا يرى الأمور إلا من منظور مصلحته الخاصة. وما دامت مصر الآن قد تحوّلت إلى "مكلمة" كبيرة، فلا بدّ أن يثبت كلّ منّا حضوره بما تيسّرَ من الرغي والثرثرة والهلفطة، ومَن يُرِد أن يقيسَ حرارة حالتنا الكلاميّة الميئوس منها فليخطف رجله وينزل إلى مستنقعات الإنترنت، فيس بوك وتويتر وآلاف المواقع والمنتديات المشرومة التي يتدلدق منها الكلام ويفيض على جوانب الإنترنت بصورة مزعجة، لدرجة أنّك تقرأ أخبارا وتقارير وتفاصيل عن أشياء لم تحدث، وبعد أن يضيع وقتك وجزءٌ من نور عينيك وأنت تحدّق في شاشة الكمبيوتر، تكتشف أن كلّ واحد يكتب ما يحلم بهِ ويتمنّاهُ باعتباره حقيقة ! حكومة الدكتور الببلاوي ليست حكومة انتقالية، أو حكومة إنقاذ، هي حكومة المآسي بكلّ المقاييس، وإذا كانَ الرجلُ يحملُ على كتفيه تاريخا من الخبرات والإنجازات الاقتصادية فماذا سيفعل بالذي يحمله إذا كانت الحصّالة فارغةً ولا يوجد بها ما يكفي لشراء الفول الذي يكفي لطعام إفطار الشعب الغلبان ؟ ماذا سيفعل الببلاوي وشركاه بخبراتهم وتاريخهم وحماستهم ورغبتهم الصادقة في الإنجاز إذا كانت "العين بصيرة والإيد قصيرة" ؟ هذه الحكومة المسكينة ينطبق عليها ما قاله الحلاج قبل مئات السنين: ألقاهُ في اليمِّ مكتوفًا وقالَ لهُ: إ يّاكَ إيّاكَ أنْ تبتلَّ بالماءِ ! الغلابة والمساكين الذين طالت عليهم ليالي الظلم بظلماتها وكآباتها، يحلمون بتوفير السلع وانخفاض الأسعار، فتنقلب أحلامهم أوهاما ويحدث العكس، ويحلمون بالأمن والاستقرار فتنقلب حياتهم إلى جحيم بسبب انفراط الآلاف من ال " مسجلين خطر " في الحارات والشوارع والميادين، ثم عربدة جماعة الإخوان المجرمين والعصابات الموالية لها، تلك العربدة التي ما كانت يومًا في الحسبان. لكن شاء القدر أن تتعرى الجماعة وتسقط آخر ورقة توت عن عورتها، لتبدو على حقيقتها المجرّدة التي كانت عناقا من الخيالات والهلاميات والتوهّمات على مدى ثمانين عاما، والموظفون المظلومون يحلمون بضبط إيقاع الأجور ووضع حدّ أدنى يضمن الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم. وتتطاير الأحلام بعد أن تتفتت على صخرة الواقع المرير الذي يعلمه الجميع، للأسف، والذي خلّفته ستة عقود من التسلط والاستبداد والنهب والاستكراد، ويكفي ما نزفناه في سنة واحدة تحت حكم المعزول الأهطل الذي لا يستحق قطرةً واحدةً من الدماء التي تراقُ على جوانب الخريطة المصرية من أجل رجوعه، وهو بالفعل سيرجع ولكن إلى المكان اللائق به في سجن وادي النطرون، هذا إذا لم يُحكم عليه بالإعدام خمس مرّات على الأقل في خياناته العظمى هو وجماعته الدموية، بعد أن فرّطوا في كرامة الوطن واستهانوا بترابه المطرّز بأرواح الشهداء وعرضوه في مزادات الخسّة والطمع والجشع والعار، وكادوا يبيعونه بالقطعة، ولكن القدرَ كانَ حاسمًا ورحيمًا بنا وبمصرنا وقالَ كلمته الفاصلة الحاسمة في 30 يونيو 2013. هذا اليوم الفارق في تاريخنا الحديث، هو الغلاف الثاني لكتاب الثورة التي استرددناها واستعدناها إلى أحضاننا بعد أن اختطفتها المحظورة وتاجرت بها وكادت تؤدها بمعاونة صادقة من أمريكا والاتحاد الأوربي والقرد التركي وأطفال قطر الذين يحشرون أنوفهم في أعمال من اختصاص الكبار فقط ! 30 يونيو، اليوم الذي أسقط النظام المظلم الغبي الهش، وعلى أنقاضه العفنة المتحرّكة جاءت حكومة الدكتور الببلاوي، وعلى أصداء أصوات الملايين الهادرة في ربوع مصر اختلطت الآمال والطموحات بنشوة الانتصار، ولم ننظر لأبعد من ذلك، بينما الببلاوي وشركاه يغوصون في وحل لا يعلم مداه إلا الله. كل القوى الكبرى تقف ضد صباحنا الجديد باستماتة لا مثيل لها، ظهرت أمريكا بكامل عورتها كقردٍ أزعر يتقافز في حلقات الموالد والأفراح الشعبية، وظهر الاتحاد الأوربي بوجهه الداكن القبيح، وعرفنا أن الجميع أعداؤنا ولا يريدون لنا أن نتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام، وظهر النذل التركي الذي حسبناه في يوم ما، ولفرط سذاجتنا، ذُخرًا لنا وذخيرة، وعندما رأى أحلامه تتهاوى تحت أقدام المصريين انفلتت أعصابه وتساقط الكلام من شدقيه كما يتساقط الماء من شدقي عنزة مبشومة، انطلق هجوا وصراخا وعويلا وشجبا واستنكارا، ولما لم يجد صدى أو جدوى لنباحه ونواحه، فَقَدَ أعصابَه وصوابه، واستدار إلى العالم الجليل الإمام الأكبر أحمد الطيّب شيخ الأزهر الشريف، وهو يدرك والعالم كله أنه لا يعادل ذرة تراب على حافة نعل شيخ الأزهر. كان القرد الأردوغاني يحلم بأن يكون كلّ رجال الدين في أزهرنا الشريف من النوع التايواني المضروب مثل مفتي الناتو أو القرداتي الذي تم فكّه وأُعيد تركيبه بحظائر قطر المهجورة، وأصبح يعمل آليا بمجرّد ضغطةٍ على الزرّ فيُفتي بما يُرضي موزة وحَمَد، لا بما يُرضي الله ورسوله، ولأن قطر هي البيضة القذرة التي باضتها أمريكا على حافة شبه الجزيرة العربية، فقد فقست ثعابين وعقارب ومؤمرات وقاذروات، وأصبحت ذراعًا صهيو أمريكانية لضرب أية بادرة للتقدم أو للتحرر في المنطقة العربيّة بأسرها، ومن خلال لسانها المسموم أو قناتها الحقيرة، استباحت البيوت العربية وتسللت خلف الأبواب لتبثّ سمومها وأكاذيبها وتنفّذ السيناريو الصهيو أمريكاني بكفاءة منقطعةِ النظير. وهنا، يحقّ لي أن ألوم رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، وبالتضامن معهما الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع ونجم المرحلة وأقول: إذا كنّا نلتمس لكم الأعذار في المسألة الاقتصادية، وفي الحالة الأمنية بوجهٍ عام، كيف نغفر لكم صمتكم وطول صبركم على القنوات الفضائية المعتدية وهي الفاعل الأساسي الأول في كل الجرائم التي وقعت على أرضنا منذ 30 يونيو إلى الآن ؟ هل هذا يحتاج أيها السادة إلى أكثر من ضابط وثلاثة عساكر وعربة لنقل الكلاب الضالة أو المقبوض عليهم ؟ كيف تتركون الحبل على الغارب لمراسلي هذه القنوات، يلعبون في أرضنا كجحافل الذباب ويقلبون الآية ويشوهون صورتنا وثورتنا ويُظهرون القتلة المجرمين كالحملان الوديعة، بينما طوفان الدماء البريئة الطاهرة في سيناء والشوارع والميادين لا تراه أعينهم ولا ترصده كاميراتهم العمياء ؟ ألم يكن الواجب يحتّم عليكم أن تقوموا في الحال، عقب قرارات 3 يوليو، بملاحقة هذه القنوات من مكاتبها إلى مراسليها ومصادرة أجهزتهم ومعداتهم ووضعهم في الحجز على ذمة التحقيقات ( أو تسليمهم لنا لنقوم بتهذيبهم وإصلاحهم وإعادة تربيتهم بمعرفتنا، أعني الشعب )؟ إن الدور القذر الذي مارسته قنوات الجزيرة والقدس واليرموك والأقصى وال cnnوال bbc وغيرها من القنوات المريضة، لا يقل بشاعة عن الأدوار التي قام بها قادة الإخوان المجرمين، وفي يقيني أن القبض على هؤلاء ما كان ليستغرق يوما أو بعض يوم، وأن القانون، دوليا كان أو محليا، ما كان ليقف في وجه مثل هذا التصرف، فنحن في حالة حرب شاملة، تشتعل نيرانها في كل ثانية وبشكل فجائي في كل شبر على أرضنا الطاهرة، هذه القنوات هي الوجه السافر للمؤامرة، فهي تتبنى وجهة النظر الأوباميّة، والحالة الأوبامية تفرض نفسها وتنضح بشكل تلقائي أو أوتوماتيكي على الحالة الأوربية، هي الصوت والصدى معًا، ولا أعتقد أن إغلاق المكاتب والتحفّظ على المراسلين الخونة والمعدات والأجهزة بالشيء الصعب أو الخطير، ومن العيب في حق مصر وحق الثورة وحق الملايين التي انهمرت في الشوارع والميادين لتعطيكم التفويض لمحاربة الإرهاب المحتمل ومجابهته... أن تتركوا هذه الكلاب الضالة تمرح في شوارعنا وتشوّه صورتنا وتعقر ثورتنا تحت مسمّى باهت لا يحترمه الغرب ولا الأمريكان وهو "حرية الرأي والتعبير"،فعلى أيديهم أصبحت هذه الحرية تعني حريّتهم في نقل ما يغذّي مطامعهم ويصبّ الزيت الأسود على وجه الحقيقة المشرق الناصع البياض والنقاء. ندرك تماما أن الحكومة الفدائية الحالية تستحق الإشفاق والمؤازرة لا الانتقاد والتقطيع، ولولا "قبلة الحياة" وأطواق النجاة التي ألقتها لنا الشعوب العربية المخلصة، السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، لاهتززنا كثيرا ونحن نتحرّك أصلا فوق رمالٍ متحرّكة، وأعني في المقام الأول تلك الدفعة المعنوية الهائلة التي سندت ظهرنا بموقف عاهل السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز والدبلوماسية السعودية ( الشجاعة الصارمة )، ومعه قادة وحكام الإمارات والكويت والبحرين والأردن، كنا بحاجة إلى من يقف ويقول للمتمضمضين بسمعة مصر: ألا اخرسوا وأغلقوا أفواهكم الكاذبة، وكفّوا وتوقفوا عن الإساءة إلى مصر والمصريين، كنا بحاجة إلى هذا النَّفَس الذي أثبت لنا أن الجسد العربي على قيد الحياة، وأنه بكامل صحته وجبروته وقواه القومية. جاءت هذه الباقة لتعطينا دفعة إلى الأمام، ولتنزل كالصاعقة على قفا أوباما وعصابته في الاتحاد الأوربي، أولئك الذين لا يجب أن نلومهم، فكيف نلومهم وبيننا كل هذا الحشد من الخونة والمتواطئين ؟ أوباما وعصابته يعملون في فريق واحد مع ذيولهم هنا، والذيول التي هنا ولو كانت في حجم ذيل البرص ذيول مقلقة مزعجة مهما صفعتها وصعقتها وفعصتها بكعب حذائك، تظلّ تلعب وتثير الإزعاج والغبار ! فوق ذلك أولئك الجاهزون دومًا للتحوّل والتلوّن وامتطاء المواقف وركوب الموجات، وأعني هذا الحشد من الكائنات الفلولية والإستراتيجية وقاطني الصحف والفضائيات والبقاع الساخنة والمؤثرة على شبكة الانترنت، وكلما نظرت إلى سارقي الثورات والمتاجرين بدماء الشهداء واللاعبين على كل الحبال، قلت: كان الله في عونك يا ببلاوي وأنت تواجه كلّ هذه البلاوي ! كل هذا العدد من الخونة ؟ لكِ اللهُ يا مصرنا العظيمة، كيف أنجبتِ هؤلاء الحقراء وأنتِ الرحم النقي الطاهر الذي لم يحمل إلا الأوفياء؟ كيف انتثر في ليلك الكئيب كلّ هؤلاء اللقطاء ليعيثوا في أرضك وبمستقبلك فسادا وإفسادا ؟ الإخوان المجرمون أمرهم هين، على قسوته وقذارته وانحطاطه، فقد أصبحوا في العلن يتساوون تماما وعدونا الأبدي المزمن "إسرائيل" ومَن وراءها، أما هؤلاء الذين يخرجون من تحت أظافرنا وينقلبون علينا ويباغتوننا بطعناتهم الغادرة القاتلة فهم الشياطين الملاعين والشرّ المبين، الذين يناقضون أنفسهم ويغيرون مواقفهم كلما غيّروا ملابسهم يجب كشفهم وحرق أوراقهم وتعليقهم على أسنة الأقلام والألسنة وفضحهم أينما حلّوا. هذا ليس دفاعا عن الحاضر، ولا عن الببلاوي وشركاه، ولا عن أحدٍ بعينه، إنه الدفاع عن الماضي بكل آلامه وتضحياته، وعن المستقبل بكل آماله وطموحاته، ولذلك أعيد التنبيه / التحذير من هذه الدعوات المائعة الرقيعة التي يسمّونها "المصالحة الوطنية "! مصالحة باسم مَنْ ومع مَنْ لا مؤاخذة ؟ هذه ورقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والخيانة والنجاسة، ومكانها حفرة مظلمة مجهولة في مقابر الماضي الساذج البريء أو الأبله أما المستقبل فللشرفاء فقط، وأنتم يا حضرة مؤسسة الرئاسة ويا حضرة رئاسة الحكومة تعرفون مَن هم الشرفاء، ومَن عداهم أو عاداهم فاخرجوا بنا من وحل قتل الوقت وتضييع الفرص، إلى وضوح المواقف والبيع بسعرٍ واحدٍ، لم يعد لدينا وقت ولم تعد لدينا قدرة على الصبر، فقد نزفنا صبرنا على نواصي الإجرام الإخواني، وتحملنا المواقف المائعة من محترفي الصيد في الماء العكر. ولكننا الآن مسكونون بالآلام والأحزان ولا تغادر أعيننا صور دماء أبنائنا وشهدائنا ولا وجوههم النازفة، وأجسادهم الطاهرة تُسحَلُ ويتم التمثيل بها، ثم تزداد جراحنا التهابا واضطراما بغرس هذه المشاهد لتظلّ حيّة للأبد على مواقع الانترنت، فماذا تقولون للأجيال المقبلة إذا تصالحتم مع القتلة ؟ وأين تفرّون من ضمائركم ؟ وأي سبيل تلتمسون لتبرروا هذه المصالحات الوهميّة ؟ نعم للإقصاء، وألف أهلا به، لكلّ مَن روّع أطفالنا، وكلّ مَن أيّد قتل أبنائنا وجنودنا وإحراق كنائسنا ومساجدنا، وكل مَن ناصر القتلة وشجّعهم ووقف في صفّهم، أما القتلة - يا سادة - فسوف يأخذون جزاءهم بالقانون، الإعدام أو المؤبد، أي: الذين تقولون عنهم " إلا الذين تلوثت أيديهم بالدماء "هم خارج الصورة أصلا وسيعودون إلى أماكنهم بالسجون، فلا تضحكوا علينا، فقد مضى زمن استعباطنا أو الضحك علينا، وفي المقابل نتعاطف معكم بصدق،وندعو لكم ونقدّر تضحياتكم وصمودكم، ونرفض أيضا أن "ينضحك " عليكم !