الضغوط على مصر الآن أشبه بيوليو 52 مطلوب مجلس أمن عربي لتحقيق الهدف منذ اندلاع ثورة 30 يونيو ومصر تتعرض لضغوط أمريكية وأوربية أشبه بتلك التي تعرضت لها ثورة 23 يوليو 52، وأثار ذلك علامات استفهام حول أسباب وتداعيات تلك الضغوط وكيفية مواجهتها بالبناء على المواقف العربية الداعمة لمصر وشعبها وكذلك حول مدى احتمالات التدويل وخطورته، وكلها أمور طرحناها على السفير الدكتور عماد عواد، مساعد وزير الخارجية السابق وأستاذ العلوم السياسية في حوار صريح هذا نصه. . هل تتوقع أن تمثل ثورة مصر الثانية "30 يونيو" عودة الروح إلى العروبة والتخلص من التبعية والهيمنة الغربية؟ .. الثورة المصرية، سواء في مرحلتها الأولى 25 يناير أو الثانية 30 يونيو، تتشابه في كثير من جوانبها مع ثورة 23 يوليو 1952؛ خاصة فيما يتصل بالمطالب الرئيسية التي طرحتها، من حرية وعدالة اجتماعية وقضاء على الفساد، وكما كان عليه الحال في ثورة 23 يوليو 1952، تتعرض مصر الآن لضغوط دولية متصاعدة كما كان عليه الحال في ثورة 23 يوليو. . وما رأيك في الموقف العربي الداعم لمصر ضد التدخلات الخارجية؟ .. هذا الموقف الداعم لمصر يجب النظر إليه من منظور أوسع يتمثل في الوضع الحالي على الساحة العربية التي تعاني من وجود العديد من بؤر التوتر والصراعات التي تنذر بحالة من التفكك، وفي هذا السياق يلاحظ أن المساندة القوية جاءت من دول مجلس التعاون الخليجي –باستثناء قطر- التي لا ترغب في رؤية الصراعات والاضطرابات تمتد إلى أراضيها من جانب، فدول الخليج تنظر إلى مصر باعتبارها قلب الأمة العربية، فضلا عن تفهمها لإرادة الشعب المصري للتخلص من نظام كانت هذه الدول ذاتها تنظر إليه نظرة توجس وريبة. . ما تقييمك لمحاولات الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة ومجلس الأمن التأثير على استقلالية القرار المصري؟ .. موقف الاتحاد الأوربي في جوهره يحمل الكثير من نقاط الضعف، وتتمثل أبرزها فيما يلي: تم إتاحة الفرصة كاملة للاتحاد الأوربي للعب دور يمَكن البلاد من الخروج من حالة الاحتقان الداخلي، بيد أنه فشل في طرح أفكار منطقية تتماشي مع طموحات الشعب المصري وتحترم إرادته التي عبر عنها بشكل علني ونقلت عبر الأقمار الصناعية إلى كافة ربوع العالم. كما أن الموقف الأوربي ينطلق في جوهره من ضرورة العودة إلى العملية الديمقراطية، الأمر الذي تم ترجمته بالفعل في خارطة الطريق التي أعلنت في أعقاب خروج الملايين في الشوارع مطالبة بتنحية الرئيس السابق محمد مرسي أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، الأمر الذي أصر الرئيس السابق على رفضه متجاهلا في ذلك إرادة الشعب مصدر السلطات. أما فيما يتصل بالأمم المتحدة، فإنه عادة ما يعكس مواقف القوى الكبرى، ولكن يلاحظ أنه كان موقفا متأنيا يقتصر على الدعوة إلى نبذ العنف وتحقيق الديمقراطية. . كيف قرأت بيان أوباما عقب أحداث ثورة 30 يونيو وما تلاه من وصف ما يحدث في مصر بالانقلاب العسكري؟ .. منذ اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو أظهرت الولاياتالمتحدة حالة من التخبط في مواقفها، بيد أنها امتنعت عن استخدام كلمة انقلاب في وصف ما حدث في مصر، وفي المقابل تم التركيز على ملفات تقليدية تستخدمها الإدارات الأمريكية في مثل هذه المواقف بل وشكلت محور مشروعها عن الشرق الأوسط الجديد، وهي ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي كانت هناك مطالبة بالإسراع بالعملية الديمقراطية، واقتصر استخدام مصطلح انقلاب على السيناتور ماكين الذي زار القاهرة مؤخرا وأطلق هذا الوصف بعد فشل وساطته. . ولكن الموقف الرسمي الأمريكى تصاعد فما السبب في ذلك؟ .. حدة اللهجة الأمريكية تزايدت بعد عملية فض الاعتصامات في كل من رابعة العدوية وميدان النهضة وما تخللها وتلاها من مواجهات دامية، حيث أدانت واشنطن ما اعتبرته استخداما مفرطا للقوة في فض الاعتصامين كما طالبت برفع حالة الطوارئ، بل وصل الأمر إلى حد الاحتجاج على القبض على مرشد جماعة الإخوان المسلمين، وأعلن الرئيس الأمريكي عن تأجيل إرسال طائرات F 16 التي كان مزمع إرسالها لمصر، وإلغاء مناورات النجم الساطع، كما تقوم الإدارة ببحث ملف المعونات العسكرية لمصر. . هل يمكن أن تمثل مرحلة ما بعد ثورة مصر الثانية استعادة للدور العربي في مواجهة الهيمنة الأجنبية؟ .. يتوقف الأمر على مجموعة من الاعتبارات في مقدمتها شكل المشهد المصري في الشهور المقبلة، فما زال هناك العديد من التحديات المتشابكة: الملف الأمني، والملف الاقتصادي، وملف العملية الديمقراطية، فكيفية التعاطي مع هذه التحديات من جانب، والشكل النهائي الذي سيتبلور من جانب آخر هما المعياران الرئيسيان للحكم على حجم وطبيعة الدور العربي لمصر، فضلا عن قدرة ورغبة وإصرار العرب في تحقيق هذا الهدف؛ فالتاريخ يذكرنا بالعديد من الفرص الضائعة للتخلص من الهيمنة الخارجية، وعلى سبيل المثال سبق وأن تضامنت الدول العربية مع مصر في أعقاب نكسة عام 1967؛ كما فرضت الدول البترولية العربية حظرا على البترول عام 1973؛ بيد أن الخلافات "العربية-العربية" والحروب الباردة التي دارت رحاها بين بعض العواصم العربية حالت دون أن يتحقق هذا الهدف. . كيف إذن نعيد بناء مواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية على المنطقة العربية في تصورك؟ .. هناك مجموعة من العوامل التي يجب توافرها لتحقيق هذه الغاية، أبرزها: . توافر إرادة سياسية عربية، وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى إجماع، فإن توافق القوى العربية ذات الثقل على ذلك يعتبر نقطة البداية. . العمل وفق إستراتيجية واضحة للتعامل مع هذا الملف، والابتعاد عن أسلوب ردود الأفعال الوقتية، ضرورة تأسيس مجلس سلم وأمن عربي يختص بالتعامل مع المشاكل والنزاعات والتوترات العربية في إطار عربي. . تبني إستراتيجية إعلامية عربية موحدة تتصدى لكافة محاولات التدخل الأجنبي في الشئون العربية، وتتعاطى بقوة مع محاولات شق الصف، وكذلك تبني موقف عربي موحد من الإرهاب يتضمن تعريفا محددا له بعد فشل العالم في تعريفه، والقضاء عليه وتجفيف منابعه بتعاون عربي. . هل تعتقد أن بعض الدول التي تدور في الفلك الأمريكي قد تنجح في تدويل ما يحدث في مصر بزعم أنه انقلاب عسكري؟ .. لا أعتقد ذلك، ومع ذلك هناك الكثير من الجهد الذي يجب علينا القيام به، ومن قبيل ذلك الإسراع بمحاكمة قادة الإخوان الذين تم القبض عليهم؛ تقليل ساعات حظر التجوال مع الحفاظ على التواجد الأمني؛ محاولة تجنب بروز صدام جديد حول الدستور مما يطيل من فترة المرحلة الانتقالية ويدخل البلاد في دوامة جديدة من الانقسامات والتوترات؛ التناول الإعلامي الدقيق للأحداث وإظهار المغالطات التي ترددها الأطراف المعنية. . في رأيك هل تنجح مصر في العودة إلى دورها الريادى مرة أخرى؟ .. مما لا شك فيه أن مصر هي قلب العالم العربي وهذه حقيقة مؤكدة لا يختلف عليها أحد، بيد أن الأوضاع التي شهدتها خلال الفترة الانتقالية التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير وتلك التي عاصرناها خلال العام الماضي أفرزت حالة من الإنهاك للبلاد والاستنزاف لطاقاتها، وفي المقابل، لا يمكن أن ننسى أن القدرات المصرية كبيرة والخبرات متعددة، ومن السهولة بمكان أن تعود مصر إلى لعب دور القائد أو الأخ الأكبر للدول الشقيقة شريطة بناء نظام سياسي قوي يُخرج البلاد من دوامة العنف والفوضى ويُطلق الطاقات المعطلة ولا يجر البلاد إلى معارك فرعية. . وما مستقبل الأمن القومي العربي في ظل معركة الإرهاب الدائرة؟ .. للأسف الشديد مصطلح الأمن القومي العربي توارى خلال العقد الأخير ليحل محله الأمن القومي بكل دولة؛ حيث تسود حالة من التوجس والقلق والشك، بل وتنقسم الدول العربية إلى معسكرات متناقضة: الاعتدال والممانعة؛ الربيع العربي والاستقرار العربي.. إلخ وحتى يمكن الحديث عن الأمن القومي العربي يلزم أولا الوصول إلى وحدة القرار والرؤية العربية لمصادر الخطر وكيفية التعاطي معها. . في رأيك هل تحتاج مصر الآن للالتفاف حول زعيم وقائد يجتمع حوله كل المصريين باختلاف أطيافهم؟ .. تعودت مصر خلال العقود على فكرة الزعيم والقائد صاحب القرار والسلطة الأبوية، ومع تغير المعطيات وتعدد القوى والتجاذبات تعود فكرة الزعيم لتطرح نفسها بقوة باعتبارها البديل في حالة استمرار حالة الفوضى والانقسام والتشرذم والعنف. . ما رؤيتك الإستراتيجية لمشروع قومي عربي تقدمه مصر في هذه المرحلة الفارقة كي يستعيد العرب أمجادهم؟ .. السؤال يعكس ما يدور في أذهان الكثيرين، فالكل يطلع إلى دور مصري فاعل وقوي ومؤثر، الجميع يتذكر الدور الكبير الذي لعبته القاهرة في مساندة حركات التحرر الأفريقية والعربية، وكيفية تحدي القوى الكبرى بتأميم شركة قناة السويس على سبيل المثال، أما في ظل الظروف الحالية فإن المشروع يبدأ من الداخل: تحقيق الاستقرار والأمن؛ تحرك عجلة الإنتاج؛ المحافظة على الوحدة الوطنية؛ إعلاء مبادئ التسامح والوسطية.