أجواء رمضانية تمتزج بعبق التاريخ وتراث القاهرة الكبرى في أقدم أحيائها، حيث لكل شىء قيمته ولكل مبنى رائحته، حتى في مطاعمها هناك شيء ما خاص بهذا الحى؛ حى الحسين، الذي يغمر رواده بحالة من الصوفية بمجرد دخولهم الحى. المصريون يعرفون ذلك جيدا خاصة في شهر رمضان الكريم، فلا يوجد مصرى لم يذهب له سواء لإطار أو سحور، أو حتى الجلسة بعد الإفطار في أحد مقاهيه الشهيرة، أو الأكل من مطاعمه المميزة جنبا إلى جنب بجوار الأجانب الذين اعتادوا على هذا المكان. شهر رمضان يمثل للحسين ميزة خاصة، فهو موسم، ومن ناحية أخرى فرصة لتأكيد انفراد هذا الحى عن غيره حتى في الأكلات ولو كان الأمر يتعلق بالفول والطعمية ليس أكثر. مطاعم الحسين كلها عبارة عن مقاهى ومطاعم في أن واحد، حيث الكراسى والترابيزات المرصوصة أمام كل محل، والوحيد القادر على الفصل بينها هم العاملون، لأنها متراصة بطريقة تشبه كثيرا موائد الرحمن مع اختلاف أنواع المأكولات والمشروبات هنا. وتختلف أكلات حى الحسين نوعا ما عن كافة المطاعم، ففى الوقت التي تتراجع فيه أكلات يعشقها المصريون كالكباب والكفتة والفراخ - وإن كان أغلبهم يتناولها في الأحلام - يتصدر قائمة الأسعار في محال الحسين مأكولات أخرى على شاكلة الكوارع ولحمة الرأس والممبار والفتة والحمام المحشى، وغيرها من المأكولات الشعبية المرغوبة في هذا المكان، وكلها جاهزة لأن تستقبل أكثر من فرد وطهى الأكل المطلوب شريطة أن يكون الحجز قبلها بيوم واحد على الأقل مع بعض التخفيضات. أسعار محال الحسين تتفاوت وفقا لاسم المحل وعادة لأقدميته في المكان، لكن ليس هناك ما يضاهى مقهى الفيشاوى؛ فهو الأقدم في الحى وقبلة الكثير من نجوم المجتمع؛ فقائمة مشروبات الفيشاوى الكائنة في مدخل حى الحسين تتصدر الأسعار، وعادة رواده هم أشخاص قادرون على الدفع فداء للاسم فقط. وهناك بعض المطاعم تحاول أن تجد لنفسها سبيلا عن طريق مأكولاتها الخاصة والمتميزة، ويتراوح ثمن الممبار في محل كالدهان أو ليالى الحسين ما بين 50 إلى 70 جنيها. الدهان أحد المحال التي أرادت أن تبهر روادها فقامت ببيع ما سمى خلطة الدهان وهى عبارة عن بعض مأكولات لحمة الرأس والكوارع والممبار والفتة ويتراوح ثمنها حسب الأحجام ما بين مائتين إلى ثلاثمائة جنيه للفرد وتصلح لأكثر من فرد نظرا لكثرة مكوناتها. والسحور في الحسين هو الآخر له طعم خاص، رغم أنه لا يتعدى الفول والطعمية والبطاطس وبعض المأكولات الأخرى، ويبلغ ثمن السحور للفرد في رمضان 15 جنيها، بجانب بعض المشروبات التي يمكن أن يتناولها الفرد، وفيه أيضا ينفرد ليالى الحسين بما يسمى "التحبيشة"، وهى خلطة أيضا يبلغ ثمنها 30 جنيها والتي تكفى أكثر من فرد. واللافت للنظر أنه يوجد على كل ترابيزة في مطاعم الحسين قائمتان للأسعار؛ واحدة للإفطار وأخرى للسحور، وفيما يتباهى بعض أصحاب المحال بتاريخ تأسيسها، يفتخر البعض الآخر بصنعته ومدى حرفيته فيها، وهكذا تدور بينهم المنافسة. أسعار الحسين في شهر الصيام رمضان تختلف عن غيره كما يؤكد عامل بأحد مطاعمها، قائلا:" شهر رمضان موسم لنا، ونعمل دوما على جلب الأكثر شهية للناس، وترتفع الأسعار بما يعادل الربع نظرا لأنه موسم، بالإضافة إلى الخدمة المقدمة هنا والتي لا يضاهيها أي مكان آخر ". وأكمل: الإفطار أو السحور في الحسين حالة مزاجية خاصة، والقادم هنا يعشق المكان ويقدر قيمته وبالتالى لا يوجد أي انتقاد للأسعار، بل إن الكثير يعطوننا فوق ما نطلب، والأهم لدينا هو راحة الزبون.