أكمل ما بدأته في مقالي السابق عن فتوى ابن تيمية، رحمه الله، بشأن جواز قتال جيوش الردة.. تلك الفتوى التي اتخذتها جماعات العنف عمدة للأحكام، في فكرها المبني على قتال المرتدين، من وجهة نظرهم، وتجاهل هؤلاء مناط الأحكام. فابن تيمية، أصدر فتواه برِدّة جنود جيش التتار، ووجوب قتلهم، وسماهم "الفئة الممانعة"، أو المانعة (يقصد مانعة لإقامة حدود الله وشعائره: صوم.. حج... إلخ).. وكانت ركيزة فتوى ابن تيمية وقتها أن جنود جيوش التتار كانوا يقتلون المسلمين ويستبيحون الأعراض والنهب والسلب، ومع ذلك ينطقون بالشهادتين لخدعة المسلمين. وحتى يثبت للمسلمين صحة فتواه قال كلمته الشهيرة: "لو رأيتموني في وسط جيوش التتار، وفوق رأسي المصحف فاقتلوني". وعليه أسست جماعات العنف فكرها، ووثقت أحكامها في جواز قتال جيوش الدول العربية، وهي الجيوش التي يعتنق أفرادها وقادتها الإسلام، وليسوا جواسيس أو خونة لأوطانهم ودينهم. ومن منطلق هذه الفتوى التي أصدرها ابن تيمية منذ أكثر من ألف عام، ولم يراعِ هؤلاء أن هذه الفتوى كانت في حق جيش عدو وجاسوس، كما لم يراعِ هؤلاء أن هذه الفتوي زمانية مرهونة بظرف تاريخي. ومن هنا ظهر مصطلح "جند الطاغوت"، و"جيش الرِدّة"، في أدبيات فكر جماعات العنف. وعليه يُفهم أن مصطلح جيش الرِدة وجند الطاغوت كانت خاصة بجيش التتار، عندما غزا بلاد المسلمين، وفي القلب منها بلاد الشام وبالتحديد دمشق.. فهي فتوى حال. ولم يسلم ابن تيمية من الإساءة إليه من قبل جماعات العنف الذين يزعمون أنهم يريدون تمكين الإسلام في الأرض، وهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعًا إلى شيخ الإسلام بن تيمية.. كذلك لم يسلم ابن تيمية من أعدائه؛ مما أعطى الفرصة لأعدائه، من أمثال إسلام البحيري، أن يستغل هذه الفتوى، ويخرجها عن سياقها الزماني وظرفها التاريخي، ويضحك على المغيبين من المسلمين، ويصف ابن تيمية بالإرهابي، وأنه أصل العنف والتكفير.. ورفع شعار "احرقوا كتب ابن تيمية.. أحرقوا كتب التراث". وعلى طريقة "لا تقربوا الصلاة".. بنى أمثال البحيري فكرهم المضل وانتزعوا فتوى ابن تيمية من سياقها التاريخي للنيل من الإسلام وعلمائه ليبرهنوا على صحة آرائهم وأفكارهم المضلة التي يريدون من ورائها إبعاد الدين عن شئون الحياة.