لكل قوم لغة يتخاطبون بها فيما بينهم لا يعرفها الكثير من الناس غيرهم، وللعارفين بالله لغة خاصة بهم تسمى بلغة القلوب، أخفوا فيها المعاني في العبارات، وساقوا الحكم في الإشارات وكل لبيب بالإشارة يفهم، وما يذكر إلا أولو الألباب، رزقنا الله فهمها وفتح على قلوبنا بسر اسمه تعالى الفتاح الوهاب.. هذا وأقوال العارفين بالله تحتاج إلى فهم خاص وإلى شرح وتفسير وخاصة مخاطبات وأقوال أكابر العارفين بالله، مثل محيي الدين ابن عربي، وعبد الكريم الجيلي، وابن عبد الجبار النفري، وذلك لعلو الإشارات في قولهم وسمو المعاني وأقوالهم تحتاج إلى ما يسمى بالفهم الرباني لا إلى الفهم العقلاني. والفهم الرباني هو منحة إلهية وعطاء رباني يمنح لأهل الاجتباء والاصطفاء الإلهي، وهو الفهم بالله من الله عن الله، وهو الذي أشار إليه عز وجل بقوله.. ففهمناها سليمان.. نشرت بوست على الفيس من المخاطبات للعارف بالله "النفري" صاحب كتاب "المواقف والمخاطبات" يقول فيه: "أوقفني سبحانه في مقام المعرفة. ومقام الوقفة هو مقام من أرقى مقامات المعرفة.. وقال: عبدي إن لم تعرف أين أنا منك وأين أنت مني. فلا أنا منك ولا أنت مني".. وبعد النشر علق الصديق العزيز المحترم المتدين الخلوق السيد اللواء حسام الدين حلمي بسؤال وهو: هل هناك من البشر غير سيدنا موسى عليه السلام من يقيمه الله تعالى في مقام التكليم وتلقي الخطاب منه سبحانه، أم كان التكليم قاصرا على سيدنا موسى عليه السلام.. وفي الحقيقة وجدت أن سؤاله سؤال جيد يستحق أن أفرد للإجابة عليه مقالا ينشر على بوابة "فيتو" أوضح فيه ما هي المعرفة بالله؟ وما هو مقام الوقفة؟ وما هي المخاطبات؟ وما الفرق بين التكليم والكلام؟ وما معنى التكليم؟ وأبدأ أولا في تعريف المعرفة بالله تعالى، المعرفة بالله تعالى هي ثمرة إشراقات وتجليات الحق سبحانه وتعالى على قلب الولي بأنوار أسمائه وصفاته، بما فيها من علوم وأنوار ومعارف وأسرار وحقائق ومعاني. هذا باختصار عن تعريف المعرفة بالله تعالى. هذا وللمعرفة بالله مقامات ودرجات ومنازل كثيرة لا منتهى لها حيث إن ليس له تعالى حد ولا منتهى.. والمعرفة تكون به سبحانه لا له إذ إنه لا يعرف الله تعالى إلا الله وصدق تعالى إذ قال: "وما قدروا الله حق قدره".. هذا وهناك مقام من مقامات المعرفة يسمى بمقام الوقفة، وتلقي الخطاب وهي ما يسمى بمقام التكليم، وهو مقام خاص بذوات أهل الولاية والقرب وهو المقام الذي أشار إليه عز وجل بقوله: "وكلم موسى ربه تكليما".. والتكليم بخلاف التكلم والكلام.. فالتكلم يحتاج لأدوات من فم ولسان وحنجرة إلى آخره وهو خاص بالكائنات فيما بينها.. أما التكليم وهو خاص بالحق سبحانه وهو بلا أدوات وبلا نطق وبلا كلام وإنما هو إلهام من الله للعبد بما يريده سبحانه منه يلقيه في قلبه ويمنحه سبحانه فهمه، ومعناه ومراده منه عز وجل. وهذا المقام المسمى بالتكليم غير قاصر على سيدنا موسى عليه السلام إذ إن عطاءات الله الخواص عباده لا أول لها ولا آخر.. يقول سبحانه: "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا".. فهناك لله تعالى عباد مصطفون مجتبون من بين البشر وهم كم ذكرت من قبل من أهل ولايته ومحبته يقيمهم سبحانه في حضرة القرب في مقام الوقفة وتلقي الخطاب، ومنهم ذلك العبد الصالح سيدنا الخضر عليه السلام الذي علم سيدنا موسى عليه السلام..