اركضوا لكي تنالوا؛ لأن كل من يُجاهد يضبط نفسه في كل شيء، هكذا أوصى الرسول بولس أهل كورنثوس وهذا القانون يعد من المبادئ الأساسية للحياة المتزنة. إن كل من يسعى يجد وكل من يُجاهد وينتظر ولا يمل يُكَلل جهاده بالعظمة ويصل إلى مبتغاه، وأصعب أنواع الجهاد على الإطلاق هو جهاد الإنسان ضد نفسه ورغباته والانتصار عليها وتقويمها لإصلاح عيوبها، فمن يستطيع أن ينتصر على نفسه غالبًا ما يُتوَج بالنجاح في معظم جوانب حياته الشخصية والاجتماعية والمهنية والروحية. هناك الكثير من مثيرات الأعصاب التي تحاوطنا دائمًا أينما ذهبنا، وجميعنا نتعرض لها يوميا سواء أردنا أم لا، وإن كنا لا نستطيع أن نمنع وجودها لكننا لدينا الحرية الكاملة إما في ضبط وتوجيه أعصابنا وردة فعلنا أو تركها كالحصان الجامح بلا ضابط ورابط لتخرج غرائزنا عن السيطرة لتفعل ما يحلو لها فعله. هناك قاعدة هامة علينا أن نُدركها وهي أن جميع المواقف تمضي ولكن فقط تبقي ذكراها قائمة معلقة بأذهاننا، وردة أفعالنا أثناء مواجهة المواقف قد تُحدد جزءا كبيرا من شكل حياتنا المستقبلية، كما لو قام مديرك بتذكُر ردة فعلك المتزنة التي كانت في محلها أثناء مواجهة الموقف فيرفع من شأنك ومكانتك في العمل، أو إنك ربما قد تتلفظ ببعض الكلمات التي ليست في مكانها كانت في لحظة غضب لكن عواقبها قد تصاحبك لفترة كبيرة جدًا من الزمن. قوة نفس الإنسان أو ضعفها تُكتَشَف عندما يتعرض الإنسان لموقف مُثير للأعصاب سواء بالفرح الشديد أو إن الموقف قد جعله في قمة غضبه، فالاستسلام لضعفات النفس يُظهر عيوب الشخصية للجميع ويُعَرقل سلامة الفكر فتصبح نفسك حينها عدوة لدودة لك، أما قوة النفس الداخلية والتي تُكتَسَب بالإصرار والممارسة من شأنها أن تُشعِر الفرد بقوة جديدة لمواجهة الحياة، وتلك القوة ترفعه إلى مستوى أعلى وأعمق من درجات الوعي بالنفس وضبطها وبالتالي سيصل إلى دائرة أفضل في انتظاره هُناك تُسمى دائرة السعادة وراحة البال. اسعَ باستمرار لضبط قلبك والذي يعد مصدر الفكر الرئيسي وحينها ستُصبح أكثر قدرة على التحكم في كلماتك وسلوكك الشخصي، ولا تسمَح لفكرك أن يُعيد عليك شريط سقطاتك القديمة مرة أخرى ليُذكرك بها، فقط استمر في الركض واطلب من الله تلك المعونة وستَحصُل عليها إن طلبتها بصدق، كن صادقًا مع نفسك وامتلك رغبة قوية وستصل إلى ما تريد، فما تمنحه الحياة إليك يعتبر بمثابة النتيجة الظاهرة لمستوى وعيَك وفِكرك الداخلي، وتذكر دائمًا إنه يجب عليك أن تُجاهد جيدًا ضد نفسك أولًا لأنك بذلك ستُسخِرها لاحقًا لراحة بالك إلى الأبد. * استشاري الصحة النفسية وكاتب في مجال العلاقات الإنسانية.