إذا سألنا أنفسنا ما المقصود براحة البال؟ وكيف يفقد الانسان راحة باله؟ وما العوامل التي تساعد الانسان علي كسب هذه الراحة؟ هذه الأسئلة المتعددة تأخذنا إلي تحديد الظروف النفسية التي قد يمر بها الانسان الفرد فيشعر بهذا الدوار العقلي والتوتر العصبي الذي يحدثه عدم الشعور براحة البال حيث قد يبدأ هذا الاحساس بهذا الشعور عندما يستشعره الانسان الفرد في بعض المواقف والظروف نتيجة بعض الضغوط, أو يسلم نفسه لمجموعة من الهواجس التي تستبد به فتقض عليه مضجعه وتقلق راحته وتشوش علي راحة باله. هذا الانسان يترك الظلمة تتسلق أكتاف أموره فتضغط بعتمتها عليه ويستسلم لها فتتعثر الخطي ويصبح التطلع لبصيص الأمل خروجا علي السائد المألوف. وبطبيعة الحال أن هذا الموقف قد صنعه الانسان الفرد بنفسه فهو الذي ترك نفسه نهبا لهذا الاحساس الغريب الذي تسلط عليه, وهذا عكس من ينشد راحة البال ذلك الذي عليه أن يجاهد في متاهات الصمت والليل والمعاناة واللامبالاة حتي يأتي فجرا يتسلل بشعاعه عبر تخوم الظلمات... فلابد أن يستشعر الضوء, ولابد وأن يكون لهذا الليل من آخر... وينبغي علي كل انسان أن يحرص علي راحة البال. وإذا كانت راحة البال تحتاج في صميمها إلي إعمال الارادة والفكر الواعي فهناك بعض المواقف التي قد تؤدي بصاحبها إلي التوتر والقلق مما يؤدي إلي قلة راحة البال ومن هذه العوامل ما يأتي: * الخوف من الفشل وأثره علي راحة البال: لا يستطيع أحد أن ينكر ذلك التطلع المستمر في عمر الانسان الفرد نحو النجاح والإنجاز... ففي التطلع تحقيق لذاته وتجسيد الشخصية واعتراف بقدراته, والانسان يريد دائما أن يعيش سعيدا هادئا بعيدا عن المخاطر والمصاعب وأن تمحي من حياته المخاوف والوساوس. ولكن هل يستطيع الانسان الفرد أن يعيش بمعزل عن هذه المخاوف وتلك الوساوس؟ أم أن هذه المخاوف هي بمثابة الملح الذي لابد وأن نضعه علي بعض الأطعمة ليكسبها مذاقا وطعما!! والواقع أن الخوف من الفشل يأتينا من واقع الظروف التي قد تلم بنا, فنحن طالما لا نملك خيوط الظروف, أو لا نستطيع أن ندعي ملكيتها فإن المشكلات لابد وأن تكون واردة في حياتنا, وعلينا أن نستعد لمواجهتها... لأننا نعيش في عالم حافل بالمشكلات وما نكاد ننجح في حل مشكلة واحدة من تلك المشكلات العديدة حتي تنبثق أمام عيوننا مشكلات أخري عديدة لم تكن في الحسبان وينبغي علي الانسان اعتمادا علي إيمانه وقيمه وإرادته المخلصة أن يحاول ويجاهد فتحقيق التوافق المطلق بين ما يريده الانسان وما هو متاح أمامه أمر من الأمور المستحيلة, وعلي الانسان ألا يستسلم للخوف, بل عليه أن يعيد النظر في أمور خططه ومشروعاته ولا يترك نفسه فريسة سائغة للخوف من الفشل. والحرص علي راحة البال تدفع صاحبه إلي تمحيص عوامل الفشل ووضع الخطط بصورة متواضعة بعيدا عن عوامل الاسراف في أمر تقدير القدرة, أو الاحساس بالغرور في إشباع حاجاته... فراحة البال تتطلب الوعي بالقدرة والاحساس الواقعي الموضوعي والمنطقي في أمر تقدير الظروف وتوظيف الامكانيات بعيدا عن الشعور بالغرور أو الإسراف في تقدير الذات. * راحة البال بين الحب والكراهية: وتتأرجح راحة البال بين الحب والكراهية فنحن نعرف إن الحياة تكتسب قيمتها من خلال الخير الذي ينبغي أن يحبه كل إنسان سوي, أما الشر فلا يستطيع الانسان السوي المؤمن أن يحبه أو يفهمه, لأن سلوك الكراهية يبني علي الشر ويمثل علاقة منفصمة تشيع الفرقة وتؤدي إلي الانعزال, ولا يحظي صاحب الكراهية براحة البال فهو لا يفكر إلا في نفسه ولا يسعي إلا لتحقيق مصلحته... والكراهية لا تستطيع أن تصنع راحة البال فهي تؤدي إلي التمزق الداخلي وإيجاد لصاحبها شرنقة خانقة تحبسه داخل مجموعة من الأحاسيس الضاغطة فيصاب بالتوتر والقلق ويقرأ في عيون الآخرين عدم الراحة لتصرفاته ثم يري منهم أيضا ذلك التوجس والتحفز لمقابلة( كراهيته) بشعور مضاد... فيعيش في( هدنة مؤقتة) لاستئناف الحرب بينه وبين الآخرين في أي لحظة من اللحظات. الكراهية إذن تمثل السلوك السلبي الذي يؤدي بصاحبه إلي فعل الشر ويدفعه إلي أن يحقق لنفسه قلة الراحة... والتوتر والصداع والقلق. * احترام الآخر وراحة البال: يعد الحرص علي احترام الآخر من الأمور المهمة التي تؤدي إلي راحة البال لأن احترام الآخر من شأنه أن ينسج علاقة متينة بين الانسان والآخر لأن الاحترام يقدم خدمة وجدانية تعمل بفضل قيمتها علي إشاعة الارتياح والهدوء في نفس الانسان الفرد, فالاحترام يستثير فينا طاقة الخير ويستحث قوانا علي التسامي ويضع تحت أنظارنا نموذجا حيا للعمل المتقن والأداء المحقق علي الوجه الأكمل, لأن الاحترام المتبادل بمثابة القيمة الخلقية الكبري في حياة الانسان ويكسبه راحة البال التي تجعله يتصرف بوعي وأخلاق. * التسامح وراحة البال يعد التسامح من الأمور الضرورية التي تحقق راحة البال, لأن الصفح الجميل وما يصاحبه من تسامح هو أعلي قيمة يمكن أن يصل إليها الانسان الراقي فهو يتصرف وفق المبادئ والمثل التي فرضتها عليه إرادة الخير, فيشعر براحة البال لأنه يصنع بنفسه ذلك الرداء الجميل الذي نقشت عليه إرادته الخيرة كل نقوش الاحترام والوفاء والاخلاص والصفاء والرضا والتسامح الجميل. * التفكير في الانتقام من الآخر وقلة راحة البال إن الشيطان عندما نسمح له أن يقرع علي بابنا فقد فتحنا للشر وأعطيناه الإذن بالدخول ليعلمنا كيف ينتقم وكيف يرد الصاع صاعين, وينبغي أن نتنبه إلي خطورة سلوك الشر ولا نسمح للشيطان أن يدخل علينا لأن الانسان الراقي يوظف إرادته دائما ضد الشيطان الذي يدفعه إلي الانتقام, وعلينا أن نتنبه أن القدرة علي التحمل وخاصة تحمل الآلام من الآخرين, والعفو عند المقدرة بعيدا عن عوامل الانتقام, فالمودة نقاهة للنفس وهي التي تصلح الداخل وتنقيه وراحة البال تحتاج إلي أن نتحمل ونستمر في هذا التحمل, لأن التحمل علامة الحب الحقيقي الذي ينبغي أن نتحمله مهما حصل من الحبيب, وكأن التحمل دائما حليف المحب المخلص... لأن راحة البال هي المودة والعشرة التي لا تهون.