يهلّ علينا عيد الأضحى المبارك، وهو شعيرةٌ من أعظم شعائر الإسلام، ومظهرٌ جليل من مظاهر الدين الحنيف. فى هذا العيد، تتجلّى الفرحة وتعلو التكبيرات من فجر يوم عرفة حتى غروب شمس آخر أيام التشريق، فى جوٍّ من الطاعة والبهجة والانضباط، ضمن إطار الضوابط الشرعية والأخلاقية التى رسمها الإسلام لتبقى بهجة العيد نقية سامية، خالية من الشوائب والمخالفات.. وفى هذا السياق، يؤكد د. الأمير محفوظ، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سابقًا، أن الاحتفال بالعيد محكومٌ بثلاثة أنواع من الضوابط: دينية، وأخلاقية، وعرفية، وهذه الضوابط تحفظ على المجتمع تماسكه وتُعزز قيم التواصل والمواساة وتبادل التهاني. أولى شعائر العيد هى صلاة العيد التى يجتمع فيها المسلمون رجالًا ونساءً فى ساحاتٍ ومساجد، متراصّين صفوفًا، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ» وفى ذلك إشارة إلى أهمية النظام، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء، التزامًا بالضوابط الشرعية. ويشير إلى أنه فى الطرقات والميادين، تظهر بهجة العيد على وجوه الناس، خصوصًا الشباب الذين يخرجون للتنزه. وهنا يحثّ الإسلام على ضبط السلوك، والالتزام بالآداب العامة، فيُمنع كل ما يُسيء للآخرين: من ضوضاء الألعاب النارية إلى التصرفات غير اللائقة كالتحرش أو التنمّر. فالحفاظ على الأخلاق فى الأماكن العامة ليس خيارًا، بل هو فريضة.. قال تعالى: (قُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ) من الجوانب المغفَلة فى الاحتفال بالعيد ما أشار إليه د. محفوظ عن أهمية الحوار داخل الأسرة، فالعيد ليس فقط مظاهر، بل فرصة لتجديد الروابط، وكسر الجمود العاطفى بين الأزواج، والأبناء، وعلاج ما يُعرف ب «الخرس الزوجي». يجتمع أفراد البيت على الطعام والحديث، ويُستحسن أن يكون هذا اللقاء فرصة لتصفية النفوس. اقرأ أيضًا | اللهم اجعل أول يومنا فلاحًا وآخره نجاحًا| أدعية مستجابة للرزق وفك الكرب في يوم عرفة صلة الرحم.. عبادة لا تُهمل العيد مناسبة عظيمة لإحياء صلة الأرحام، حتى لو كانت هناك خلافات. فليس الواصل بالمكافئ، كما جاء فى الحديث، بل الواصل من يصل من قطعه، ويعفو، ويتجاوز. ومن هنا تتجلى الرحمة الإسلامية فى أجمل صورها. ضوابط مطلوبة أما د. على الله الجمال، إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة، فيوضح أن أعياد المسلمين لا تنفصل عن الطاعة، فعيد الفطر يأتى بعد صيام، وعيد الأضحى بعد الوقوف بعرفة وأيامٍ مليئة بالعبادات. لذا، لا ينبغى أن تتحول أجواء الفرح إلى معاصٍ تُذهب ببركة الطاعة، وتُسيء إلى معنى العيد. ويُجمِل د. الجمال ضوابط العيد فى النقاط التالية: أداء السنن: الاغتسال، التطيب، ارتداء الحسن من الثياب، وصلاة العيد: التبكير إليها مشيًا، والعودة من طريق آخر. وإظهار الفرح والبشاشة دون إسراف أو تباهٍ. وتجنّب الإسراف والتكلف فى الملبس والمأكل والمظاهر. وزيارة الأقارب ومواساة الفقراء، والابتعاد عن المنكرات فى الشوارع والميادين. ويؤكد أن الاحتفال بالعيد ليس انفلاتًا من القيود، بل هو تعبير عن الشكر والرضا. هو فرحٌ منضبط، يُعلى من القيم، ويُعزز روابط المجتمع، ويُظهر جمال الإسلام فى سلوكه لا فى شعاراته فقط. قال تعالى: «ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ» فليكن عيدنا مساحة للفرح النقي، وللأخلاق الزكية، وللتواصل الرحيم، نُجدد فيه العهد مع الله ومع من حولنا، ونجعل من ضوابط العيد زينةً لفرحنا، لا قيدًا عليه.