السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري سلطان الديار المصرية. والملك الأشرف جراكسي الجنس، جُلب من هذه البلاد بعد أن باعته أمه وكان ابن حداد، فاشتراه الأمير دقماق المحمدي الظاهري نائب ملطية، وأقام عنده مدة، ثم قدمه إلى الملك الظاهر برقوق في عدة مماليك أُخر. وجلس على تخت الملك يوم خلع الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة 825ه/ 1422م، والأشرف هذا هو السلطان الثاني والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والثامن من الجراكسة وأولادهم[1]. قالوا عنه كان -رحمه الله- ملكًا جليلاً، مهابًا، عارفًا، سيوسًا، حازمًا، شهمًا، فطنًا، له خبرة بالأمور، ومعرفة، وتدبير، محبًّا لجمع المال. وكان يحب الاستكثار من المماليك، حتى بلغت عدة من اشتراه من المماليك زيادة على ألفي نفر. وكان يقدِّم الجراكسة على غيرهم من الأجناس، ويشره في جمع الخيول والجمال، وما أشبه ذلك. وكان يتصدى للأحكام، ويباشر أحوال المملكة، غالبها بنفسه، وكان متواضعًا، حسن الخلق، غير سبّاب، لين الجانب، طوالاً، دقيقًا، ذا شيبة نيرة، وهيبة حسنة، متجملاً في حركاته، حريصًا على ناموس الملك. وكان يميل إلى فعل الخير، ويكثر من الصوم، ولا يتعاطى شيئًا من المسكرات. وكانت أيامه في غاية الحسن من الأمين، والخير، ورخاء الأسعار، وعدم الفتن مع طول مكثه في السنة. من أعماله فتح قبرص وفي عام 827ه/ 1423م أرسل الأشرف برسباي حملة استطلاعية إلى جزيرة قبرص، وقد اتجهت إلى ميناء "ليماسول" كرد فعلٍ على تلك الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الإسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات "تيمورلنك" على بلاد الشام، فلما تصدعت دولة تيمورلنك بعد وفاته، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الرد. وفي العام التالي 828ه/ 1424م أرسل حملة ثانية وكانت جهتها في هذه المرة مدينة "فاما غوستا"، وقد أحرزت النصر، ومكثت أربعة أيام، ثم اتجهت إلى مدينة "ليماسول"، وتمكنت من فتحها بعد جهد، ثم رجعت الحملة إلى مصر. وبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو "ليماسول" ففتحها، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيش كبير يقوده ملك قبرص "جانوس" بنفسه، فجرت معركة طاحنة بين الفريقين، انتصر فيها المسلمون انتصارًا كبيرًا، وأسروا الملك، وحملوه معهم، وساروا نحو "نيقوسيا"، فصلوا الجمعة في كنيستها، ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير. وفي القاهرة فدى الملك نفسه، ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية، وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائيًّا، إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام.