بعد أن استقبلت مصر صحوة أبنائها المخلصين في 30 يونيو 2013 بإشراقة جديدة لتعلن عن بداية عهد جديد، يرٌسخ لدولة القانون والمؤسسات ومكافحة الفساد من خلال دستور يحقق آمال وطموحات الشعب المصري، كان بديهيًا أن ينص هذا الدستور على النيابة الإدارية واختصاصاتها بالغة الأهمية وذلك استشعارًا لأهمية دورها في الحفاظ على المال العام وضمان حسن سير المرافق العامة، وتأكيدًا للغاية من إنشائها باعتبارها الأداة الرئيسية لإصلاح وضبط أداة الحكم – وهو ما أشارت إليه بوضوح المذكرة الإيضاحية لقانون إنشاء النيابة الإدارية. ويمكن القول، إن دور النيابة الإدارية في المجتمع الوظيفي بصورة موجزة يتمثل في تحقيق العدالة الناجزة، وإنصاف الموظف من تعسف جهة الإدارة قبله، وتفعيل الحماية القضائية للمال العام، واتخاذ الإجراءات القانونية لمعالجة أوجه القصور في أداء المرافق العامة وتلقي المواطنين لخدماتها، ودور النيابة الإدارية في مكافحة الفساد المالي والإداري واللائحي والتشريعي. وجاء دور النيابة الإدارية في مكافحة الفساد خلال الفترة من عام 2011 حتى عام 2013.. أولًا: عدد القضايا التي باشرت النيابة الإدارية التحقيق فيها خلال تلك الفترة عام 2012، حيث بلغ إجمالي عدد القضايا الواردة خلال عام 2012، (107877) قضية في حين كان الوارد خلال عام 2011، (65959) بزيادة قدرها (41918) قضية عن العام السابق، وكان المتبقي من عام 2011، (8178) قضية ليصبح إجمالي القضايا المتداولة عام 2012، (116055) قضية. - أما عدد الشكاوى الواردة للنيابة المقيدة بجدول العرائض خلال عام 2012 فقد بلغ عددها (72848) شكوى وكان المتبقي من عام 2011، (10691) شكوى ليصبح إجمالي المتداول عام 2012، (83539) شكوى مقابل، (92669) شكوى عام 2011 وانتهت النيابة من التصرف في (83539) شكوى أي بنسبة إنجاز بلغت (100%). وفي عام 2013 ورد للنيابة الإدارية عام 2013، (127106) قضية مقابل، (107877) قضية وردت خلال العام السابق 2012 وكان متبقيًا من العام السابق قيد التحقيق (24233) وبذلك تكون جملة القضايا المتداولة بالتحقيق خلال عام 2013، (151339) قضية مقابل (116055) قضية خلال عام 2012 بزيادة قدرها (35284) قضية. أما عن التحليل الإحصائي لقضايا النيابة الإدارية خلال تلك المرحلة، تبين أن هناك العديد من المخالفات وأوجه الفساد كشفت عنها ثورة 25 يناير 2011 كما أسهمت الظروف الأمنية التي صاحبت ثورة 25 يناير في تزايد عدد آخر من المخالفات والجرائم، منها مخالفات كشفت عنها ثورة يناير 2011. وكما يشمل التحليل المخالفات المتعلقة بالخصخصة وبيع القطاع العام، والمخالفات المتعلقة ببيع وتخصيص أراضي الدولة، والمخالفات المتعلقة بتغيير الغرض من التخصيص وعدم سداد أقساط التخصيص وعدم اتخاذ إجراءات سحب الأراضي أو وحدات التخصيص، والمخالفات المتعلقة بتخصيص الأراضي والوحدات السكنية بالمشروعات القومي، والمخالفات المتعلقة بتخصيص الوحدات السكنية للإسكان الاقتصادي والشباب بالمحافظات. وتبين من بعض القضايا تخصيص وحدات سكنية لمحافظين أو وزراء أو أقاربهم أو القيادات بالدولة – آنذاك – دون وجه حق واستنادًا إلى النسبة المخصصة للسيد المحافظ، ولذلك أوصت النيابة الإدارية بضرورة إلغاء النسبة المخصصة للمحافظ التي يتم توزيعها بمعرفته، على أن يتم إخضاع توزيع وتخصيص هذه الوحدات وفقًا للقواعد الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء والقرارات المعمول بها على أن يتم التخصيص بطريقة عادلة وبشفافية تامة، وهي التوصية التي استجابت لها العديد من المحافظات. -المخالفات المتعلقة بالتعدي على أراضي الدولة الصحراوية ووضع اليد عليها دون وجه حق. -المخالفات المتعلقة بسوء الإدارة والتخطيط بطرح مشروعات والإنفاق عليها ثم إلغائها أو عدم استكمالها. -المخالفات المتعلقة بكبار رجال الدولة وأعضاء مجالس الإدارات والقيادات العليا للجهات الإدارية وما يتقاضونه من حوافز ومكافآت وبدلات دون وجه حق وهي مخالفات ترتب عليها إهدار للمال العام بالمليارات. وهناك مخالفات كانت الاضطرابات وظروف الانفلات الأمني التي واكبت أحداث ثورة يناير 2011 سببًا في ارتكابها وتزايدها بصورة كبيرة حتى أضحت ظاهرة ومنها: -المخالفات المتعلقة بالبناء دون ترخيص، والمخالفات المتعلقة بالبناء على الأراضي الزراعية، المخالفات المتعلقة بتوصيل المرافق للوحدات والمباني المخالفة عن طريق التلاعب والتزوير في المعاينات وتقديم شهادات وخطابات مزورة، المخالفات المتعلقة بتوزيع السلع المدعومة سواء البترول ومشتقاته أو الدقيق المدعوم أو الأسمدة وغيرها، والمخالفات المتعلقة بالتظاهر والإضراب بالمرافق العامة بالدولة. - المخالفات المتعلقة بالتحدث بالأمور السياسية بالجهات الإدارية وأروقة المدارس، المخالفات المتعلقة بعدم الانضباط الوظيفي أو عدم الوجود بالنوبتجيات وهي مخالفات تزايدت في تلك الفترة تزايدا كبيرًا، والمخالفات المتعلقة بالإهمال في المحافظة على العهدة والمال العام خاصة المتعلقة بالمخازن وسرقة كابلات الكهرباء وغيرها، المخالفات المتعلقة بالإهمال في المحافظة على السيارات الحكومية وهو ما أدى إلى سرقة العديد منها. -المخالفات المتعلقة بسرقة الآثار سواء من المتاحف أو المقابر الموجودة بها، والجرائم المتعلقة باحتراق الملفات والسجلات والأوراق لبعض الجهات الإدارية خاصة بالمحافظات والإدارات المحلية وغيرها وذلك أثناء فترات الاضطرابات وقيدها ضد مجهول إلا أنه تلاحظ لدى تحليل بعض هذه القضايا أن معظم ما تم حرقه من مستندات وسجلات متعلقة بخدمات المواطنين وعقودهم وتعاملاتهم المالية مع الجهات الإدارية وهو ما يلقي بظلال من الشك حول حقيقة فعل الاحتراق ومن قام به. -المخالفات المتعلقة بالإهمال الطبي وعدم الوجود بالنوبتجيات، ومخالفات السب والقذف خاصة في حق القيادات بالجهات الإدارية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ومنها موقع – فيس بوك - أو عن طريق برامج التوك شو بوسائل الإعلام أو عبر صفحات الجرائد، وقد انتشر هذا النوع من المخالفات حتى أصبح ظاهرة عامة. -المخالفات المتعلقة بإساءة استخدام قرارات الحكومة في تعيين المتعاقدين أو استمرار التعاقد معهم مما أدى لظهور عصابات منظمة "مافيا" تخصصت في التعاقد والتعيين دون وجه حق وكانت لمحافظة الشرقية الحظ الأوفر في مثل هذه المخالفات، حيث تم التعاقد مع أكثر من 39 ألف شخص، تمهيدًا لتعيينهم دون وجه حق حتى فاق عدد الإداريين المتعاقد معهم في بعض المدارس عدد الطلاب بتلك المدارس ذاتها. -ظهور الفساد السياسي بالمجتمع الوظيفي ولعل هذا النوع من الفساد هو أخطر أنواع الفساد على المجتمع الإداري والوظيفي بل إنه كان من أهم أسباب قيام الشعب المصري بثورتيه، فظهر الفساد السياسي في تزاوج السلطة والإدارة بالمال ورجال الأعمال فأدى إلى قيام ثورة 25 يناير وظهر عندما حاول فصيل سياسي معين السيطرة على مقاليد الجهاز الإداري فأدى إلى قيام ثورة 30 يونيو. جدير بالذكر أن معظم هذه المخالفات التي كشفت عنها ثورة يناير 2011 أو كانت الثورة هي السبب في ظهورها وانتشارها قد تم الحد منها والقضاء عليها بداية من عام مع تنامي وتبلور إرادة الدولة الحقيقية لمكافحة الفساد في أعقاب استكمال المؤسسات الدستورية عام 2014. ووضعت النيابة توصيات في تلك المرحلة، حيث أشارت النيابة الإدارية في العديد من القضايا إلى أوجه القصور والخلل التي أدت إلى ارتكاب المخالفات بها وكيفية علاج هذا القصور والخلل، كما تضمنت تقاريرها السنوية بعض أوجه القصور والخلل في المرافق العامة وكيفية علاجها، والسمة الأساسية لهذه المرحلة هي أنها كشفت عن جميع أوجه ونماذج الفساد، وعيوب هذه المرحلة هو عدم وجود رؤية أو رغبة أو إرادة حقيقية لمكافحة الفساد.